2023/10/14 | 0 | 1589
تأمّلاتُ في ديوان " يأكل الشعر من رأسي "
حسين البطاط
في ليلةٍ ماتعةٍ جمعتنا بنخبة من شعراء الأحساء كنا نتناول فيها أطباق الشعر وصنوف الأدب وفاكهةَ الحديث في منزل صديقنا الأستاذ الشاعر الناقد هاني الحسن ، حيث تشرفتُ بلقاء الشاعر إبراهيم البوشفيع لأول مرةٍ ، وقد أهداني ديوانه " يأكل الشعر من رأسي ".
وهو عنوان لافت مغايرٌ عن دواوينه الأخرى له ، فمذ شرعت في قراءة الديوان ألفيتُ الشاعر ثورةً في عالم الشعر وثروةً في ربوعِ الأدب، استمتعت بقراءة نصوصه الثرّة بالمعاني ، المكتظّة بالصور ، المكتنزة بالأخيلة ، المترعة بالموسيقى العذبة ، وما الشعر إلا انعكاس لحياة الشاعر كما يقول الكاتب عبدالإله الصائغ .
لم أُصَبْ بالفتور والملل حينما قرأت نصوصه لأكثر من مرة ، يقول :
أنا بعض إبداع القصيدة لا
كما ظنّ الجميع
بأنها إبداعي !
بل أنت كل إبداع القصيدة يا إبراهيم !
ألم تقل :
فُتِنَ النورسُ في عينيكِ حتى حسبَ البحرَ بجفنيكِ استراحْ
وأنا كم فُتِنَ الشوقُ بأضلاعي
فأحيا رقصةَ النارِ ..
وصلّى للجراحْ !
وقلتَ :
أنا قصر الشعر لكن ..
عندما فرّتْ ظباءُ الغنجِ من قدِّكِ كالسهم ..
تهاوى واندرس !
لا شكّ مَن يقرأ نصوصه يشتمّ رائحة عبقةً مركّزة تظلّ عالقةً بشغاف قلبه ، متعلقةً بشحمةِ أذنه كقرطٍ مذهّبٍ ، إنّه يتفتّق من أكمام الشعر العريق فمن يمر من خلاله يستاف عبقَ شعره لا مفرَّ ولا مناص ، فيقف مبتهجا ومذهولاً ، فهو في شعره الذي يمتاز بديباجةٍ ناصعةٍ يتّكئ على ثقافةٍ واسعةٍ مضمناً بعض نصوصه الشعرية قراءاته الروائية ومدى تأثرهِ بها في قالبٍ شعري جميل مستغرقاً في التأمّل في أسرار الكون والحياة ، "فالتأمل شكل من أشكال السعادة" كما يقول أحد الفلاسفة .
ربما يلفت انتباه القراء لهذا الديوان التناصّ ، وهو لعمرك تناصّ مائز امتاز به الشاعر بدءاً من عنونةِ الديوان وقد استقى هذا التناصّ من النصوص القرآنية ليجعل منها مادةً أدبيةً حَيّةً خصبةً يتحف بها القراء المتذوقين " يأكل الشعر من رأسي " من قوله تعالى :( يأكل الطير من رأسي ) هذا ما يفعل الشعر بالشاعر فالشعرُ أحلام يقظةٍ للشاعر كما قيل ،
وإليك بعض التناصّ الجميل والرائع واستحضار بعض الأنبياء عليهم السلام في نصوصه ، منها قصيدته " بئر التأويل" استحضار لإخوة يوسف بالعودة إلى آبائهم ، ولكن هل الشاعر يعني إخوة يوسف ؟ وهل يطلب العودة إلى آبائهم أو إلى أبيهم ثم طلبهم البكاء ؟
لا نملك إلا الرجوع إلى المنهج العقلي التأويلي الذي يُطلَق عليه " الهيرمنيوطيقي " الذي يوجب تأويل عناصر النص المتفرقة في ضوء المعنى الجوهري المرتبط بهذا النشاط الفكري التصوري اللغوي ، وهو النص كما يقول الدكتور أحمد محمد مشرف الحرحشي ، وكما يعرف
" التأويلَ "الشريفُ الجرجاني في كتابه التعريفات شرعاً بأنه صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله بالقرائن والأدلة .
يقول الشاعر :
عودوا لآبائكم ، وابكوا
فليس معي ذئبٌ من الزيفِ…
وخلوني ، وصحرائي !
إذاً هو يدعو إخوته الشعراء إلى آبائهم الشعراء الأقدمين وليبكوا على الأطلال إن نفعهم البكاء !
أمّا الشاعر لن يبكي ، لن يعود إلى خُطا الآباء إنما لكم دينكم ولي دين ، أي لكم شعركم ولي شعري إن صح التعبير ، فهو يستمدّ طاقته الشعورية من صحرائه الخاصة به !
وقد استدعى نبي الله إبراهيم عليه السلام عندما قال ( ربِّ أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي ) مع موافقة اسمه :
أنا إبراهيمٌ رميت المعاني
في الأعالي دعوتهنّ .. فَجئنا
وكذلك نبي الله عيسى عليه السلام الذي يحيي ويميت بإذن الله :
ذاكَ شعري الذي أمات وأحيا
وعلى البائسين صلّى وغَنّى
ثمّ اسمعه يقول :
: سِيّانِ قتلُ النملِ
- في ميزانها -
ودمُ الضحايا
في يدِ (الحجّاجِ )
ألا يحيلك هذا النص إلى نصٍّ من خطبة الإمام علي عليه السلام إذْ يقول :
"واللهِ لو أعطيتُ الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها في أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرة ما فعلت ".
ولم يفته استدعاء السور، ولكنها سور القصائد لا سور القرآن مصحوبة بالتكبير تارةً ، مختومة بسجدة الإعجاب تارةً أخرى ، ففي حضرة الشعر المقدس لشاعرنا الكبير جاسم الصحيح كأنّما الشعر أنزل على قلبه الملهم من قبل السماء يقول الشاعر :
حتى إذا تُليَتْ على أسماعهم
سورُ القصائد كبّروا
-وهم الذين استكبروا -
فإذا بِهم
في حضرة الشعر المقدسِ
يسجدونْ !
إنّهُ تناصٌّ تشريفي تمَّ تأويله لحساب الفن الإبداعي على النص الأدبي !
لم يقفِ التناصّ عند نصوص آيِ القرآن الكريم فثمّةَ نصيبٌ وافرٌ لاستدعاء الكثير من الشخصيات وبعض المدن التاريخية في الديوان :
قابيل - هابيل -بلقيس- النمل - الحجاج - ابن سينا - الهدهد - سقراط -الحلاج - جلجامش -طروادة - ….
إنّ هذا الكمّ الهائل من التناصّ دليل على قدرة الشاعر ومَكَنَتِهِ الأدبية وَسَعَتهِ الثقافية والتاريخية حيث استطاع أن يُجيّرَهُ لحساب الأدب في هذا الديوان الذي لا يتجاوز مئة وخمسين صفحة !
"فالأدب الخالد لا يملّ الناس من قراءته مرةً بعد مرةٍ لارتفاع مستوى التفاهم والتناغم بين الطرفين : المؤلف والمتلقي " كما يقول الدكتور أحمدالحرحشي.
كم أمتعتنا بنصوصك يا إبراهيم وكم أضفت للمكتبة العربية من مادةٍ أدبيّةٍ ماتعةٍ يانعةٍ خالدةٍ !!
جديد الموقع
- 2024-05-21 العيون الخيرية تقدم 45 جهاز كهربائي للمستفيدين بتكلفة تتجاوز الـ 75 ألف ريال
- 2024-05-21 العيون الخيرية تقدم 45 جهاز كهربائي للمستفيدين بتكلفة تتجاوز الـ 75 ألف ريال
- 2024-05-21 أمانة الاحساء: تطوير ميدان سلوى وزراعة 45000 ( شتلة زهور صيفية)
- 2024-05-21 سماحة الشيخ عبد الله اليوسف: صديق الكتاب وحليف القلم والقرطاس.
- 2024-05-21 سمو محافظ الأحساء يكرّم فريق كرة اليد بنادي العيون بمناسبة الصعود للدرجة الأولى
- 2024-05-21 عرس تكريم الفائزين والفائزات بجائزة الصالح للتفوق العلمي الدورة "18" رعته صاحبة السمو الملكي الأميرة لولوة بنت فيصل
- 2024-05-21 تعليم الشرقية يشارك بركن توعوي تزامناً مع اليوم العالمي للامتناع عن التدخين 2024
- 2024-05-21 نائب أمير الشرقية يرعى حفل تخريج 61 طالبا وطالبة من أكاديمية "زادك"
- 2024-05-21 المملكة تستعرض جهود منظومة المياه لتطوير القطاع أمام الدول المشاركة في معرض المنتدى العالمي للمياه بإندونيسيا
- 2024-05-21 في اليوم الأول من مهرجان الكتاب الثاني تجارب في الكتابة وقصائد شعرية و١٦ منصة توقيع للكتاب المشاركين بأدبي الشرقية