2019/11/06 | 0 | 2185
الخصائص الحسينية -2-
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾().
لا زال الكلام في الرواية عن محمد بن مسلم، عن الباقر والصادق (عليهما السلام) قال : سمعتهما يقولان : «إنَّ الله تعالى عوّض الحسين (ع) من قتله أن جعل الإمامة في ذريته، والشِّفاء في تربته، وإجابة الدعاء عند قبره، ولا تُعدُّ أيامَ زائريه جائياً وراجعاً من عمره»().
وقد تقدم الكلام في الجمعة الماضية عن أمرين : كون الإمامة في ذريته، وكون الشفاء في تربته. وأتممنا الحديث حولهما، وفي هذه الجمعة نتحدث عن الأمر الثالث وهو استجابة الدعاء عند قبره، وإذا سمح الوقت نتكلم عن المطلب الرابع وهو عن أيام الزيارة وأنها لا تعدّ من العمر.
فالدعاء في اللغة هو أن تُميل الشيء إليك بصوت أو كلام، فتقول : دعوت فلاناً، أدعوه دعاءً، أي ناديته. أما في الاصطلاح، فهو طلب الأدنى من الأعلى، فإذا طلب الإنسان من الباري تعالى شيئاً، فمن الطبيعي أن الإنسان هو الأدنى في مقابل الباري جل وعلا. كما أن الدعاء يكون في حال الخضوع والاستكانة.
وللدعاء وجوه عدة وردت في القرآن الكريم، وهي تدور حول المعنى اللغوي للدعاء، ولكن بعبارات مختلفة. فمن ذلك:
1 ـ النداء : فقد ورد الدعاء بمعنى النداء، فيقال: دعوت فلاناً، أي ناديته. قال تعالى: ﴿فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكاذِبينَ﴾(). فالدعاء هنا بمعناه اللغوي، وهو النداء.
2 ـ الطلب : قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى﴾().
3 ـ القول : قال تعالى: ﴿فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنا إِلاَّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمينَ﴾().
4 ـ الاستعانة : قال تعالى: ﴿وَادْعُوْا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُوْنِ اللهِ﴾().
5 ـ الحث على الشيء : ﴿إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلَاً وَنَهَارَاً﴾().
6 ـ النسبة: قال تعالى : ﴿ادْعُوْهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ﴾().
7 ـ السؤال: قال تعالى : ﴿قَالُوْا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾().
هذه أبرز المعاني الواردة في القرآن الكريم للدعاء.
والدعاء عبادة، قال تعالى : ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُوني أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِيْنَ﴾().
والأدعية نوعان : تارةً تأتي بعنوان الأوراد والأذكار، وتارة بعنوان المناجاة.
فمن يقرأ الأدعية اليومية، الليلية أو النهارية، فهذه تسمى أدعية وأوراداً وأذكاراً، وهي تتعلق أيضاً تتعلق بالعقائد والمقاصد والأرزاق. فقد يطلب الإنسان أن يرزقه الله تعالى الذرية الصالحة، وقد يسأل الله تعالى أن يدفع عنه السوء، وهكذا. وينبغي للداعي أن يجتهد بحضور القلب، وهو أدنى الدرجات، ويمكن أن يبكي أو يتباكى. أما في المناجاة فلا بد من البكاء أو التباكي. وهنالك مناجيات كثيرة، منها المناجيات الخمسة عشر للإمام السجاد (ع) في الصحيفة السجادية. فينبغي لمن يناجي الباري تعالى أن يبكي أو يتباكى.
وأكثر الأدعية وردت في أربعة كتب، هي الصحيفة السجادية، والمصباح للشيخ الطوسي، والمصباح للكفعمي، وإقبال الأعمال للسيد ابن طاوس، وغيرها أيضاً.
أما المناجيات فهي أدعية أيضاً، لكنها تشتمل على معاني التوبة والاستغاثة والاعتذار للباري جل وعلا مما قدم العبد في حياته، فلا بد من التذلل والخشوع والبكاء.
فالرواية السابقة تنص على إجابة الدعاء عند قبر الحسين (ع) وهذا من الأمور التي عوضها الله تعالى للحسين (ع) في مقابل ما قدم من تضحية منقطعة النظير، والأخبار في ذلك مستفيضة ومجمع عليها. فالدعاء تحت قبته مستجاب بالإجماع، ولم يخالف في ذلك أحد من الإمامية.
ففي كامل الزيارات عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : «إنّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروب إلا نفّس الله كربته وقضى حاجته، وإن عنده أربعة آلاف ملك منذ يومِ قُبض شُعثَاً غُبْراً يبكونه إلى يوم القيامة. فمن زاره شيعوه إلى مأمنه، ومن مرض عادوه، ومن مات اتبعوا جنازته»().
وقد كان بعض الأئمة (ع) إذا أصابته علّة بذل المال لأحد أصحابه كي يذهب إلى الحائر الحسيني كي يدعو له.
عن أبي هشام الجعفري قال : «دخلت أنا ومحمد بن حمزة عليه نعوده، وهو عليل()، فقال لنا : وجهوا قوماً إلى الحائر من مالي. فلما خرجنا من عنده، قال لي محمد بن حمزة: المشير يوجهنا إلى الحائر، وهو بمنزلة من في الحائر. قال: فعُدت إليه فأخبرته. فقال لي: ليس هو هكذا، إن لله مواضع يُحبّ أن يُعبَدَ فيها، وحائر الحسين (ع) من تلك المواضع»().
فالإمام الهادي (ع) إمام معصوم مفترض الطاعة، كالإمام الحسين (ع) من هذه الجهة بلا فرق، لكن الله تعالى منح خصوصية للحسين (ع) في أن الدعاء مستجاب عند قبره وتحت قبته، حتى للأئمة المعصومين (ع).
ومن الخصائص الأخرى التي ذكرتها الرواية أن الأيام التي يقضيها الزائر في زيارة الحسين (ع) ذهاباً وإياباً لا تعدّ من عمره.
ففي كامل الزيارات بسنده عن هيثم بن عبد الله، عن أبي الحسن الرضا (ع) عن أبيه (ع) عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) قال : «إن أيام زائري الحسين (ع) لا تحسب من أعمارهم، ولا تعد من آجالهم»().
وهنا لا بد من التفاتة بسيطة وهي أن الإمام الحسين (ع) لما أراد المسير إلى كربلاء، كان يدرك أن هذه الحادثة ستكون واقعة استثنائية، ومن يحضر فيها لا بد أن يكون استثنائياً أيضاً، لأنهم أفضل الأصحاب على الإطلاق، فمن قتل بين يدي الحسين (ع) أفضل حتى ممن قتل بين يدي رسول الله (ص). ولذلك طلب من أصحابه أن يذهبوا لأداء ما عليهم من ديون، ليكون كل شيء طيباً طاهراً، لأن الحسين (ع) طيب فلا يرضى إلا بالطيب. فمن كان عليه دين لا بد أن يؤدي دينه، لكي يكونوا طاهرين مطهرين. وكل من كان لأحد عليه تبعة فعليه أن يبرئ ذمته.
ومن هنا نقول : من أراد أن يتوجه لزيارة الإمام الحسين (ع) فعليه أن يلتزم بضوابط الشرع، وأن يؤدي ما عليه من ديون، وأن لا يتقاضى الإجازة بعلة غير شرعية. ولا أن يجعل الزيارة سبباً لضرر يحصل له أو لعائلته أو يقطع رزقه، فهذا ما لا يريده الحسين (ع) وهنالك فتاوى واضحة وصريحة من الفقهاء بهذا الشأن. فتحصيل الإجازة بالكذب أو اللف والدوران من أجل الزيارة عمل غير مشروع.
قد يقول البعض : أنا مستعد لتحمل الضرر من أجل الزيارة، وهنالك روايات ذكرت لحوق الضرر بالزوار في الطريق ومع ذلك واصلوا الزيارة. نقول : ليس الأمر هكذا، إنما الكلام في الطريق الصحيح الشرعي الذي تسلكه من أجل الحصول على فرصة للزيارة، أضف إلى ذلك أن هذا الضرر لا لزوم له، ولا تتوقف الزيارة اليوم على من لم يحصل على فرصة. فزيارة الحسين (ع) عظيمة الأجر والثواب بلا شك، ولكن بشرطها وشروطها.
ومن الروايات في هذا الصدد ما ورد في كامل الزيارات أيضاً عن محمد بن مسلم عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : «مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (ع) فإن إتيانه يزيد في الرزق، ويمد في العمر، ويدفع مدافع السوء، وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقر للحسين بالإمامة من الله»().
ومن الروايات أيضاً ما ورد عن منصور بن حازم قال : سمعته يقول : «من أتى عليه حول لم يأت قبر الحسين (ع) أنقص الله من عمره حولاً، ولو قلت : إن أحدكم ليموت قبل أجله بثلاثين سنة لكنت صادقاً، وذلك لأنكم تتركون زيارة الحسين (ع) فلا تَدَعوا زيارته، يمدّ الله في أعماركم، ويزيد في أرزاقكم، وإذا تركتم زيارته نقص الله من أعماركم وأرزاقكم. فتنافسوا في زيارته، ولا تدعوا ذلك، فإن الحسين شاهد لكم في ذلك عند الله وعند رسوله وعند فاطمة وعند أمير المؤمنين»().
فنحن نعلم أن هنالك بعض الأعمال تزيد في العمر، كما في صلة الرحم مثلاً، فكيف لا تكون زيارة الحسين (ع) من العبادات التي تطيل العمر وتزيد في الرزق؟
فالأعمار محتومة ومخرومة، فالمحتوم منها ما كان له أجل محدد، كأن يكون مقرراً أن يموت في التسعين مثلاً. أما المخرومة فهي المشروطة بعمل، كأن يكون العمر المقرر خمسين لكنه مع الصدقة يكون تسعين.
هذا ما أردنا الحديث عنه باختصار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-05-02 تزامناً مع اليوم العالمي للصحافة و باستضافة نادي كيو بارك .المعلق الرياضي جعفر الصليح .16 عام أمام المايك في 6 قنوات و المعلق العربي و الأجنبي اضافة لمتعة الكرة السعودية
- 2024-05-02 أفراح العايش والفرحان تهانينا
- 2024-05-01 النقد الأدبي بين الفاعلية والمجاملات الرقمية والإعلامية.
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس المجلس المحلي للمحافظة
- 2024-04-30 سمو محافظ الأحساء يرأس اجتماع اللجنة العليا لإنشاء المستشفى الجامعي التعليمي
- 2024-04-29 وعي القلم والأمل نص مستخلص من مجموعة (كلام العرافة) للدكتور حسن الشيخ
- 2024-04-29 ريم أول حكم سعودية لرياضة رفع الأثقال حازت على الشارة الدولية
- 2024-04-29 بيئة الأحساء تدشّن أسبوع البيئة 2024 تحت شعار "تعرف بيئتك"
- 2024-04-29 منتدى البريكس الدولي يكرم الفنان السعودي الضامن في غروزني الشيشان ..
- 2024-04-29 حققوا المركز الأول على مستوى المملكة كأعلى تسجيل للطلاب طلاب "تعليم الرياض" يفوزون بـ13 ميدالية في أولمبياد "أذكى"