2019/10/01 | 0 | 4533
هل ولاؤنا لوطننا أم للعراق؟
احتضنت المملكة العربية السعودية في شمالها بمخيم رفحاء واحد وعشرين ألف لاجىء عراقي بعد حرب الخليج، في الفترة من 1991 حتى 2003. ومن ضمن اللاجئين ابنة السيد الدكتور مصطفى جمال الدين 1926:1996م، صاحب قصيدة (على ضفاف الغدير). وقد رزقها الله تعالى بمولود وهي بمخيم رفحا فأرسلت لوالدها تطلب تسميته. فأجابها بقصيدته العصماء (يقظان) ومن أبياتها:
نبئوني يامَنْ برفحاءِ بانوا
كيف يَغفو بليلها اليَقظانُ
كيف هزت عواصف الرمل مهدا * ضجرت من بٌكائِهِ الأوطــــانُ
ضاق فيه حضن الفراتين ذرعا *فتلقته هذه الكثبـــانُ
وهذه القصيدة تضمنت في ثناياها، ثناء لموقف المملكة ممثلة في الملك فهد -عليه رحمة الله-. وكانت المفاجأة الغير متوقعة المشاركة الحميمية للسفير السعودي وطاقم السفارة وقتذاك، في مراسيم التشيع والعزاء للسيد الدكتور مصطفى جمال الدين، دون انقطاع، في مدينة السيدة زينب بدمشق. وهذه رسالة واضحة من الحكومة مفادها (من يُقدِر يُقدَّر).
المراد أن السيد مصطفى حينما أثنى على موقف المملكة:
ضاق فيه حضن الفراتين ذرعا *فتلقته هذه الكثبـــانُ
هذا الثناء والمديح والعرفان رصدته الأجهزة الرسمية وأرشفته. وحينما أرادت رد التحية، ردته بأحسن منها. وهذا يعطينا درساً أن كل ما نكتبه وننشره من قصائد ومقالات وخطب وخطابات وقراءات، وتغريدات وتسجيلات، كلها بعين أجهزة الدولة. وإذا كان الرصد لقصيدة السيد مصطفى قبل تطور شبكات التواصل وأجهزة الرصد، بهذه الكيفية، فما بالك هذه الأيام الذي أصبحت فيه ذواتنا ونفسياتنا وتوجهاتنا ومعتقداتنا ورغباتنا وأكلاتنا وملابسنا وتحركاتنا، تحت حدقات ورصد وتحليل ومحاسبة الأجهزة الرسمية؟
إذن كلنا جميعاً تحت المجهر وعلى الإنسان العاقل الحصيف مراعاة طاعة الله ومرضاته فيما يقوله ويكتبه وينشره في (السوشيال ميديا) في المقام الأول ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً﴾. وثانياً مراعاة الأنظمة والقوانين الرسمية، والتي وُضعت لضمان أمن واستقرار الوطن، وحفظ وصون كرامة المواطن وتعزيز النسيج الوطني دون تمايزات.
هذه التوطئة تنبيه إلى من أعلنوا أنفسهم عبر تغريداتهم وقروباتهم وأقوالهم أنهم (حماة الدين) وتربعوا في مواقع تغريداتهم بصفتهم (الأوصياء على المجتمع). دون وعي ومعرفة في تأثير الكلمة، والانطباع الذي تصنعه هذه التغريدات العاطفية. والتي يقف من ورائها ويديرها خلف الستار من يتسلحون ويتدثرون (الصاية والوصاية) على خلق الله. ولا يخلو الأمر من تصفية حسابات. وإذا ما وقع الفاس في الراس، أول من يتبرأ من هذا المغرد وتغريداته هؤلاء المحرضون.
والآن نبين الخطر الداهم، والتغذية الراجعة Feedback من هذه التغريدات والمراسلات الخارجية المرتبطة بالعراق. كما يعلن عنها أصحابها، وما هو المفهوم الذي سيصل للدولة ولأخوتنا الذين نشترك ونتقاسم معهم الوشائج، من خلال هذه التغريدات والترددات التي يرشح منها الكراهية والتصنيف البغيض سواء من الباب الثقافي (الحداثيون) أو العقدي (المنحرفون) أو الشخصي (أبناء حرام). والتغذية الراجعة Feedback التي يفهم وتصل من خلال التغريدات التالي:
1- التغذية الأولى
الدولة ترصد وتعلم أن تثبيت الهلال سواء للصيام أم للقيام يأتي من العراق وغيرها لدى شريحة من المكون، والآن أضحى الأمر عبر هذه التغريدات ومن خلال ما يرد من مكتب علمائي من العراق بشكل متواصل، أن من ُيسير وينظر للحراك الثقافي في مكون من مكونات وطننا، مكاتب العراق! وقد يفهم إذا كان الاستهلال والحراك الثقافي والحكم الشرعي من العراق. فإن هذا يعطي تغذية راجعة أن المجتمع ولاؤه للعراق. والحقيقة غير ذلك، وإن كان المجتمع يأخذ الفتوى من الخارج فإن انتمائه للوطن. لكن هذه التغريدات جناية على مجتمعنا وليس حماية! ثم هناك سؤال يفرض نفسه، أين هذا المكتب عن خطابات وسجالات الصرخي والقبانجي وغيرهم؟ أم أن ما وراء الأكمة ما رراءها؟
2-التغذية الثانية
المناصب الكبيرة مثل رئيس تحرير جريدة رسمية كجريدة اليوم، أو رئيس قسم امتحانات في دائرة تربوية كبيرة بالمنطقة الشرقية، مثل هذه المناصب تعتبر محل اعتزاز ومن يكلف لإدارتها بعين الدولة، ويعد من رجالاتها، والقدح في شخصية بحجم من يديرها، ناهيك عن تمثيله المملكة في المحافل الثقافية العالمية، يعتبر تعدٍ على الدولة ويفهم منها التطاول على مسؤوليها. هذا إن كان التعدي من الداخل، أما إذا كان من العراق فإنه بلا شك يدرج ضمن التدخل الخارجي.
3-التغذية الثالثة
التغريدات والتعليقات والرسائل قطعاً يراها العالم كله، والمفهوم الذي يتلقاه المستقبل لهذه التغريدات هو: إذا كان قامة وأديب كبير أنكر بعضاً من ثوابت المعتقد، في الوقت الذي تنضح من قصائده العشق الحسيني وتكاد تشم من أنفاسه عبق التربة الحسينية. يحارب ويشهر به ويطالب بإقصائه وازدرائه وإنكاره وتتراشق التغريدات ضده في القروبات، فهذا أمر جد خطير، وهو لعب بالنار. لأن التغذية التي تصل للعالم وبالخصوص مجتمع الخليج العربي مفادها: (إذا كانت هذه الحرب ضد واحد منهم وفيهم، ،وقد أنكر معتقد واحد. فكيف نظرتهم ورأيهم فينا، ونحن ننكر كل معتقدهم؟؟).
4-التغذية الرابعه
تشويه الصورة الإنسانية والتسامح للمكون، واظهاره بصورة مشوهة وقناعة أن (هؤلاء القوم) هم غير متسامحين وأبعد كل البعد عن التسامح والإنسانية وأخلاق محمد وآله الطيبين الطاهرين -عليهم السلام-. وهذا الانطباع تغذية راجعة، عما يفهم من التغريدات، والحملة الشرسة المتعمدة اليومية ضد من ينكر أحد الثوابت العقدية -مع رفضي القاطع لمعتقده- غير مقبولة وتندرج ضمن الجرائم الإلكتونية. علماً أن الجزيئية محل الإختلاف لا تدفع معتنقيها وتوصلهم وتصنفهم لليهودية كمعتقد. فهم ضمن حياض الإسلام. وغفل هؤلاء (المغردون) ما فعله نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم مع جاره اليهودي بإنسانيته وأخلاقه العظيمة؟
وكذلك مسلكية الإمام علي -عليه السلام- مع المختلفين والمخالفين. وهو إمامنا وقدوتنا، وتعامله الإنساني خارطة طريق نسير بهديه. فمنهجية الإمام نبراس نستضيء بنوره، وكانت منهجيته بالمشتركات وليس الإشتباكات. حتى الحروب التي خاضها فُرضت عليه. لهذا كان رمزاً للإنسانية والقيم. حتى أن من اختلف معه أقر بفضله وقِيل بحقه: «لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن».
وأيضاً الحوزة العلمية بالنجف الأشرف وهي قلب المكون عندما استجابت لجماعة (البهرة الداودية) الإسماعيلية، باستكمال بناء جامع الكوفة عام 1997م وفق ثقافتهم، حتى الخامات والزخارف والتكسيات جُلبت من الهند، وأضحى جامع الكوفة معلماً إسلامياً يمثل ثقافة البهرة ورمزاً لهم. بغض النظر كونهم لا يعتقدوا بكامل الأئمة الأطهار -عليهم السلام-. فهذه هي منهجيتنا وفق الأخلاق العظيمة لنبينا وأهل بيته -عليهم السلام- ومن سار على هديهم. وأما التغريدات المعنية فهي بعيدة كل البعد عن أخلاق وسلك ساداتنا وعلمائنا ومفكرينا.
5- التغذية الخامسة
يفهم من التغريدات موضع النقاش أن مغردها يطرح نفسه مصلحاً للمجتمع، وهو يعلن ذلك في حسابه وتغريداته صراحةً. وإصلاحه كما جاء في كتاباته بأسلوب (الوصاية والصاية)، وهذا يحتاج وقفة. والجميع يعلم أن الإصلاح والدعوة إلى سبيل الله له أدبياته وقنواته، وهي ثلاث قنوات كما قننها سبحانه وتعالى:
1- ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾.
2- ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾.
3- ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾.
ونسق (الوصاية والصاية) بعيد كل البعد عما أمر الله به أنبيائه ورسله: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. فالآية يُسْتنطقُ منها استفهام استنكاري: ﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾. وفي آية أخرى يأتي الله سبحانه برفض الإكراه جملة وتفصيلاً ﴿ لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾. وأسلوب الأنبياء ومنهجيتهم التذكير وليس التنفير ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾.
6-التغذية السادسة
حينما يتصدر الساحة شخص ما، بتغريدات عاطفية (من باب الإصلاح، وحسن النية) وبسلاح علماء من العراق وغيرها، فإن التغذية الراجعة يفهم منها أن المجتمع برمته لا يوجد به علماء أكفاء، وأيضاً العلماء وبقية المجتمع من مثقفين ومعلمين ومهندسين وأطباء وتربويين لا يعرفون الحق من الباطل ولا يميزون الغث من السمين، ويقبلون الباطل، وكأنهم مصداقاً لقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾. وعليه تم استجداء كتابات العلماء من الخارج حتى يمحق الباطل ويحق الحق ويحققه. هذا ما يفهم مِنْ مَنْ يستعين بعلماء الخارج على أبناء جلدته ووطنه.
7-التغذية السابعة
إن هذه المنهجية الدخيلة على مجتمعنا، مجتمع (الأحساء الخلاقة) من خلال التغريدات المعنية، تجذر لتلوث فكري لا ينسجم مع المعتقد، ولا المواطنة، ولا الأخلاقيات والقيم الراقية مع مفكرينا وعظمائنا ومراجعنا الواعدين منهم السيد محمد رضا السلمان في المبرز. والشيخ جواد الجاسم في الهفوف. ومن يسير في هذا المسار الناهض من علمائنا الأفذاذ. لهذا من المؤسف في الوقت الذي يعلن فيه فقهاؤنا التهيؤ لطرح رسالاتهم العلمية، والاستعداد لمرحلة جديدة تعيد للمنطقة هيبتها ومكانتها ومدرستها العلمية. يظهر لنا مقابل ذلك هذا (التلوث الفكري) الذي يرسخ في الأذهان أننا مجتمع نستجدي النصح والنصيحة والسداد والمساعدة والتوجيه من الخارج، وهذه المنهجية تطمس وتسقط عزتنا وكرامتنا ورجالاتنا، وتحولنا إلى مجتمع تابع ينقاد بأحرف سوداء إلى الخارج، فهل يرتضي ذلك عاقل حصيف؟
همسة:
التغريدات والترديدات، للتصنيف والتمايز العقدي، وتسقيط العلماء والسادة والمثقفين بوجاهة المجالسة مع من ينكر معتقد معين من الثوابت العقدية. هو منعطف خطير ويؤسس إلى ثقافة الشتات والتصادم، فوطننا يحتضن المواطنين بجميع تعددياتهم وأطيافهم، وإذا أخذنا بهذا المنزلق، تكون حجتنا واهنة ولا نصمد مع من يكفرنا وينعتنا بأقذع الألفاظ وأشنع التهم، بسبب الاختلاف العقدي؟ وستكون حجتنا واهيةً ومنطقنا ضعيفاً. لأنه سيقول: هاأنتم تكفرون وتضللون بعضكم بعضاً مع الاختلافات الطفيفة فيما بينكم؟ فلماذا تمنعوننا عن أمر تمارسونه. والاختلافات بيننا وبينكم، أعظم مما بينكم؟
وجدير ذكره في هذا النسق أن أعظم قصيدة أنصفت أهل البيت - عليهم السلام- والتي يحفظها المسلمون كافة للشاعر الولائي (الفرزدق) والتي من مطلعها:
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ
وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ.
وكما نعرف أن سيرة الفرزدق عاش حياته في كنف الخلفاء والأمراء، بل قصيدته قالها وهو ضمن حاشية هشام بن عبدالملك، المنكر لمقام أهل البيت وبالذات الإمام زين العابدين -عليهم السلام- ومع ذلك هذه المجالسة والقرب من هشام بن عبدالملك، لم تثني الإمام زين العابدين -عليه السلام- من تقديره وتكريمه. والقصد من هذه الحيثية التذكير أن المجالسة لا تغير من جوهر الإنسان. وكلنا نجالس من نختلف معهم عقدياً بل ونقدمهم على أنفسنا وجماعتنا.
والنتيجة أن مقام الفرزدق بقصيدته الشماء، استحقت التقدير والتبجيل وترديدها في المنابر والمحافل. مع علمنا أن الفرزدق من ندماء خلفاء وأمراء لا ينكروا الأئمة فقط، بل يعادونهم ويحاربونهم. ولو أخذنا برأي أن من ينكر الأئمة أو أحدهم يستحق المحاربة والتشهير، فكيف نوفق بين هذا الرأي وبين موقف إمامنا زين العابدين عليه السلام مع الفرزدق. وهو يعلم أن الفرزدق من ندماء أعدائه. أم أننا ملكيون أكثر من الملك.
الفكرة:
من حق كل إنسان التعبير عن رأيه. وهذه الحقية، لا تعطيه الحق النيل من الآخرين والتشهير بهم ومحاولة تسقيطهم والمجاهرة بعدائهم بالتغريدات والمراسلات والتأليب وتحريض البسطاء عليهم. وهتكهم علانيةً بالمجالس الخاصة والعامة، بذريعة حماية المجتمع والدين. فهذا سلوك غير حضاري ويعاقب عليه الله سبحانه وتعالى، وكذلك النظام. ويرفضه المؤمنون الأخيار، وأصحاب المجالس الشرفاء الشاكرين لله. ومن جهة ثانية يعطي صورة أن هذا المكون مضطرب وغير منسجم. وأن ما يطرحه كونه متسامحاً ويستوعب الآخرين ولديه انتماء وولاء للوطن والمواطنين محض افتراء، وادعاء لا يرتكز على حقائق!
والواقع أن مجتمعنا مجتمع يشهد بعظمته وصلاحه وإصلاحه العالم، وأخيراً ليس من الحكمة والتعقل والإنصاف أن نوصل المداد المالي والمعنوي للخارج للمعوزين والمساكين والفقراء للتعضيد والتضميد. في حين نستورد منهم، أو يصدروا لنا طواعية ما يقلل من قيمتنا ومكانتنا ويشتتنا ويسقط قاماتنا وعلمائنا ومراجعنا السابقين واللاحقين، وينكأ جراحنا؟
جديد الموقع
- 2024-09-26 افراح العبدالله والشقاق تهانينا
- 2024-09-25 سمو محافظ الأحساء يطلع على مبادرة التعليم "نعاهدكم ببناء جيل منافس عالمياً"
- 2024-09-25 مؤسسة البريد السعودي | سبل تصدر طابعاً تذكارياً بمناسبة اليوم الوطني السعودي الـ 94
- 2024-09-25 برلمان الطفل العراقي حاضرا في معرض بغداد الدولي للكتاب
- 2024-09-25 رئيس مركز يبرين يهنئ القيادة بذكرى اليوم الوطني ال 94
- 2024-09-25 ( في رثاء المعلمة بتول الحمادة )
- 2024-09-25 اليوم الوطني 94 في دائرة الأوقاف والمواريث بالأحساء
- 2024-09-24 أفراح البخيتان وسادة الحسن تهانينا
- 2024-09-23 أمين عام جمعية البر بالاحساء م. صالح بن عبدالمحسن ال عبدالقادر: اليوم الوطني ليس مجرد ذكرى
- 2024-09-23 حسين الجسمي يصدح في حب السعودية بأغنية "الفخر من هنا" في اليوم الوطني الـ 94