هناك ثلاثة مسارات يمكن توقعها لما سوف يؤول إليه الحراك الثوري الشبابي سواء في لبنان أو العراق أو إيران بحيث تنتهي نتائجه إليه، أو تحط عنده، وذلك بما يتوافق واللحظة الراهنة للأحداث والمواقف التي تتخذها الدول وفق مصالحها في منظومة العلاقات الدولية، ووفق طبيعة التحولات التي تخترق البنية الثقافية والاجتماعية والسياسية للدول ذاتها.
المسار الأول هو انتصار الإرادة الشبابية وهو ما تحقق جزئيا حتى الآن باستقالة حكومة الحريري في لبنان وتعطيل برلمانه، وكسر حاجز الخوف وضرب أروع الأمثلة في الشجاعة وتقديم التضحيات وإرباك لصوص المنطقة الخضراء ببغداد، وتوسع الثورة الشعبية التي عمت مختلف المدن الإيرانية ضد ملالي طهران، الأمر الذي لم يسبق حدوثه لا في عام 2009 ولا عام 2017م.
لكن الإرادة الشبابية لا تكفي لإنجاز استحقاق الدولة الوطنية القائمة على أسس المواطنة وذلك ضمن مسار دستوري ديمقراطي حقيقي وفق المعايير الدولية القائمة. الأمر يحتاج إلى وعي سياسي ينظم هذا الحراك، ويفرز القادة والمنظرين له كما هي حال مسار جميع الثورات التي عرفها التاريخ الحديث كالثورة البلشفية، وحراك ماي 68 الشبابي م بفرنسا. وهذا بدوره يتطلب مدة زمنية ليست بالقصيرة، وفي مسارات من الحياة متعددة الأوجه والتخصصات. لكن في نظري أهم ما يسجل انتصارا للإرادة الشبابية في هذه المرحلة هو:
أولا - نبذ خرافة الدولة الدينية القائمة على ولاية الفقيه ذات المنطق القروسطي والتركيبة الاستبدادية، التي لا محل لها في منطق العصر الحديث ولا في ثقافته ونظامه السياسي.
وثانيا - نبذ فكرة المقاومة والممانعة التي لم تجلب سوى الدمار والقتل والتشريد والفساد والطائفية لشعوب المنطقة. كل هذا النبذ تمثل في الشعارات التي حملها الثوار، سواء في ساحة رياض الصلح أو ميدان التحرير وحرق صور سليماني وخامنئي فيها وفي طهران وشيراز وأصفهان أيضا.
لكن بالطبع هذا الانتصار بالمفهوم السياسي غير مضمون العواقب، وهذا ما يجعلنا نتكلم عن المسار الثاني المتوقع وهو تضييق الخناق على سلمية الثوار وتحريف مطالبهم تارة بالترهيب والقتل والاختطاف وتشويه صورتهم أمام الرأي العام بالتخريب والسرقة، واتهامهم بالتخابر مع «الشيطان الأكبر» والعدو الإسرائيلي.
وهذا ما يحدث الآن بالفعل، وهي محاولات لا تجيدها سوى ميليشيات النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة، وعموما هذا النظام لا يعرف غيرها في التعامل مع معارضيه منذ تأسيسه منذ أربعين سنة.
وإذا ما انفجر الوضع وازداد القتل بين صفوف الثوار الشباب وتمت محاصرته قد يضطر إلى حمل السلاح للدفاع عن نفسه، وهذا بالضبط ما تريده تلك الميليشيات، ثم بعدها قد تنحرف مسارات الثورة لتذهب إلى حرب أهلية كما حدث مع الثورة السورية. مثل هذا السيناريو وارد ومحتمل.
أما المسار الثالث فيتصل باستحقاق المجتمع الدولي تجاه هذه الثورات، ومدى ردات الفعل التي يتخذها للوقوف في صف الثوار. هناك دعم بالتصريحات الإعلامية فقط، ولا يرقى إلى الدعم الدولي الموحد في مجلس الأمن. هناك مصالح عند الأوروبيين وبالخصوص الفرنسيين مع الإيرانيين تمنعهم بالتالي في المضي قدما بهذا الاتجاه. أما السياسة الأمريكية فتريد أن تحصد نتائج العقوبات الاقتصادية، رغم أن دوافع انتفاضة الشعب الإيراني لا تختزل في نتائج هذه العقوبات، بل ثمة دوافع أخرى تتعلق بالنظام في أصله، وهو بخلاف ما تسعى إليه واشنطن التي تقول إنها لا تريد إسقاط النظام وإنما تغيير سلوكه. ونحن نتساءل هنا هل بقاء هذا النظام مفيد لأمريكا أم لشعوب المنطقة؟.
أخيرا تعلمنا تجارب التاريخ في مسار ثورة الشعوب أن اللحظة الثورية لأي شعب بجميع مجالاته الاجتماعية والسياسية والثقافية والفكرية وظروفه الاقتصادية تفرز سمات ثورته الخاصة التي تدل عليه بوصفه حدثا مفصليا في مسيرته التاريخية. وأظن هذه اللحظة بلا شك آتية وقادمة. لكن بأي طبيعة أو شكل، فنحن نقول كاذبا من ينظر لمساراتها باليقين المطلق حتى لو كان من مفكري نظرية المؤامرة!.
جديد الموقع
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يطلع على برامج جمعية ترابط