2020/09/18 | 0 | 1410
لمقارنات الفردية
الكثير من الحكماء و أهل العقل من كل الأديان السماوية و الثقافات البشرية ينادون بالقول و ضمنا : " استمتع بما تكسبه بجهودك و تجنب المقارنات الدائمة مع من هم اعلى دخلا ماليا منك ؛ لأن عقد المقارنات الدائمة مع ما يملكه الاخرون تجلب التعاسة و تسلب الاحساس بالنعم التي بين يدي الإنسان و تمحي عناصر السعادة من بين جنباته" . تصدر أخبار قيمة عقود لاعبي كرة القدم المحترفين الفلكية للأنباء في العالم ، و تصدر اخبار الايرادات المالية الفلكية لفناني العالم و تصدر اصداء نشرات مجلة فوربس لاغنى اغنياء العالم و إعلانات ارباح صفقات بعض رجال الاعمال المحليين تحفز البعض من الناس لعقد مقارنات بين انفسهم و بين اولئك الاكثر دخلا في المجتمع و العالم . و قد تكون بعض تلكم المقارنات غير منطقية و غير عقلائية و غير عادلة لاغفالها لجوانب اساسية عديدة . و فعليا عقد المقارنات الدائمة بحياة و املاك و انجازات الاخرين مثل القول : هذا الشخص عنده سيارة احدث مني أو ابناءه اكثر توفيقا مني او ذاك الشخص حاز شهادات أكثر أو مرتبه الشهري اضعاف مضاعفه عن راتبي ، ستصيب البعض من الناس ببعض الملوثات النفسية مثل الحسد او خيبات الامل القاتلة او الاستقطابات الاجتماعية أو الضمور الذاتي أو الانهزام الداخلي أو النفور النفسي .
يعلق البعض على ذاك النداء بان القول بان تجنب عقد المقارنات هو ضد النزعة البشرية و قد يعده البعض من الناس انه نداء شبه اطلاق لمخدر الرضوخ للطبقية المقيتة أو حجب عن المطالبة بالعدالة في توزيع الثروة او انحياز لصالح فاحشي الثراء . و قد يقول آخر ، ان ذلك القول هو دعوة العاجز عن ابرام اي انجاز اي دعوة ممن لم يطول قطف العنب فتقمص روح الزهد فيه بالقول انه عنبٌ حامض . و آخر يقول هذا التفاوت الكبير في الدخول المالية هو سبب لعدم الاستقرار الاجتماعي و حتما سيزول او يجب العمل على ازالته . و في المقابل ، يقول البعض لكل مجتهد نصيب و هؤلاء الذين وصلوا قمة الهرم في الاحتراف اجتهدوا فاخذوا نصيبهم . و آخرون لا يرون اي غضاضة في تكدس الثروات في ايدي ١٪ أو ٥٪ من مجموع ابناء وطن ما ، لانهم مستفيدين او ينتابهم نصيب من المستفيدين .
دعنا نتعمق قليلا في الموضوع و نسترسل بعض الشي. ماذا ستكون ردة فعلك اذا عرفت ان رئيس شركتك الاعلى يستلم ١٠٠٠ ( الف ) مرة ضعف راتبك. البعض قد يُصاب بالاحباط و الارتباك النفسي و قد يصل الحال بالبعض من الموظفين في مراودة القرار بالاستقالة من تلكم الشركة للإعراب عن ضيق النفس الذي حل بهم من العلم بالفارق الشاسع جدا في الرواتب بين الموظفين و المدراء. بل ينظر الى نفسه اننه معدم و لن يقتنع بما في يده . و هنا يمضي الزمن وهو في حالة يخط دائم على واقعه و في ذات الوقت لا يستمتع بما استطاع ان يحرزه . جملة اعتراضية : لك ان تتخيل ردود الافعال لو أن الشفافية في بلد ما وصلت لدرجة كبيرة بحيث يكون متاحا لاي طرف من ابناء المجتمع ان يتمكن في معرفة الدخل المالي لاي شخص من ابناء وطنه !
على فرضية ان الانسان جُبل على عقد المقارنة مع المحيطين به ، فلا باس ان ننوه بان المقارنات لها اتجاهين : مقارنة في اتجاه الاعلى و مقارنة في الاتجاه الادنى . و أن كان و لا بُد من عقد مقارنات فلا بأس بالتوظيف الايجابي لها بعد عقلنة عناصر المقارنة و وضعها في الاطار و الحدود المعقولة. فمن الحكمة عند عقد مقارنات على المستوى الاجتماعي او المالي مع من هم الاعلى دخلا ماليا أو وجاهة اجتماعية upward social comparison ان نوظف تلكم المقارنة بهدف استجلاب التحفيز الذاتي للمزيد من العمل و المثابرة و الجد للإرتقاء نحو القمة في الهرم الوظيفي او التجاري او الصناعي و المبادرة في البذل بسخاء لاستحصال المكانة المرموقة اجتماعيا من خلال استكشاف نقاط القوة و معالجة نقاط الضعف inspiring and motivation . و من الجيد ايضا عند عقد مقارنات مع الادنى دخلا او وجاهة downward social comparison نستزرع روح الحمد و الرضا و القناعة و ليس استنبات روح الكسل او التفاخر او الركون الى ما تم استحصاله.
الافراط في المقارنة مع منهم اعلى دخلا مسبب للاستقطاب الداخلي و انخفاض معدل الولاء للانتماء الاجتماعي، و يزيد البون في نفس الشخص العاقد للمقارنة مع الايام ، لا سيما اذا اضمحلت العدالة الاجتماعية و انطمست مستويات تكافؤ الفرص و تجذرت مستويات المقارنة السلبية بافراط مشين .
يورد مؤلف كتاب ( السلم المكسور / Broken ladder ) مجموعة تحاليل نفسية لاحداث واقعية تسلط الضوء على ملفات المقارنات الاجتماعية مع منهم اعلى دخل مالي من عدة جوانب . و هناك جملة كتب تساعد الإنسان في تجنب مشاعر سلبية جمة اوردها "الانسان المقهور " للكاتب حجازي . و ختاما، بعد بذل الجهود و توظيف المهارات المكتسبة و السعي الجاد في صقل الخبرات لخلق واقع افضل من كل شخص لصالح نفسه ، ادعو لتقليل او تفادي المقارنات مع حياة الاخرين و تبني مقولة " القناعة كنز لا يفنى " . و في ذات الوقت ادعو لأن يكون واقع كل منا : " اعمل جاهدا و دائما لأن يكون يومي افضل من امسي و غدي افضل من يومي ".
جديد الموقع
- 2024-04-24 الحاج معتوق الهدلق "ابو نعيم "قي ذمة الله ( إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاْجِعُوْنَ)
- 2024-04-24 أمسية حوارية للقاص والروائي طاهر الزارعي وتوقيع مجموعته القصصية الرابعة
- 2024-04-23 كل ما تملكه ليس لك
- 2024-04-23 الملتقى الثاني للتعريف بالماعز القزم بالمطيرفي
- 2024-04-22 بعد أن تتعرض للإهانة، اكتب مشاعرك على قصاصة ورق ثم تخلص منها وهذا من شأنه أن يحد من مستوى شعورك بالغضب
- 2024-04-22 مراعاة الزمن مع الأسئلة في اختبارات أعمال السنة
- 2024-04-22 نظرية أثر الفراشة في 80 لوحة تشكيلية
- 2024-04-22 احتفالية توقيع كتاب تنتهي بتوصية استثمار جبال الأحساء
- 2024-04-22 المريحل تحتفي بعقد قران نجليها ( حسين وحسن )
- 2024-04-22 رشفة من الإبداع ونور الحياة في النورس الثقافي بالاحساء