2020/06/27 | 0 | 3989
تبريك بالقضاء في رسالة أحسائيّة
عندما توّلى العلّامة الشّيخ باقر بوخمسين كرسيّ القضاء في الأحساء وردته هذه الرّسالة من الكويت من الأخوين الحاج ملا محمد و ملا طاهر ابني الحاج محمد العلي البحراني رحمهم الله جميعا و هذا نصّها :
محمد و طاهرالحاج محمد العلي البحراني
سوق الزلّ[1][1] – كويت .
بسمه و له الحمد .
التاريخ 27شواّل 1388هـ .
لحضرة مثال الشّرف و ربيب المجد و العزّ و التّرف ، صاحب الفضيلة الشّرعيّة و الأخلاق الدّمثة المرضيّة ، و شيخنا الأجلّ الشّيخ محمد باقر نجل المقدّس المبرور و المغفور له الشّيخ موسى أبي خمسين طاب ثراه ، و حسُن في الجنان مثواه ، بجوار مولانا و هو مولانا أمير المؤمنين عليه أفضل صلاة المصليّن .
مولانا الأجلّ بلغنا ما أسرّ خواطرنا بما منحكم الله به من سدّ هذا الثّغر المهمّ و المنصب الشّاغر ، و هو ملأ دست القضاء بسماحتكم الجديرة به ، و نسأل الله تعالى العليّ القدير أن يوفقكم لمراضيه ، و يجنّبكم معاصيه ، و إذ يجعلك خير خلف لاكرم سلف ، و لا غرو فالأصل أصيل و الفرع طويل ، تغمّد الله من مضى برحمته ، و سدّد الله من بقي بلطفه و حكمته أنّه سميع مجيب ، هذا و نتمنى لكم حياة مفعمة بالمسرّات و الأفراح مع إبلاغ سلامنا للمحروسين حسن و من له من الإخوان ، و إخوانكم و أبناء العمّ من الجميع و من هو لديكم عزيز و من لدينا العيال حسن و إخوانه بعد يقبلون أياديكم الكريمة و يسلّمون و السّلام .
ملحوظة
(إن بدى لكم لازمٌ فالإشارةُ مِنكم بشارةٌ )
رهنُ إشارتِكم
محمد و طاهر ابنا الحاج محمد العلي البحراني .
ملامح في الرسالة :
التاريخ : 27 شوّال 1388هـ الموافق ليوم الأربعاء 15 من يناير 1969م .
المرسل إليه : سماحة الشيخ باقر بو خمسين ( سبقت ترجمته في عدّة مواضيع سابقة . )
المرسلان : هما المرحوم الحاج ملا محمد بن الحاج محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن محمد بن حسين بن ناصر البحراني .
رجل من رجالات المجتمع له حضور اجتماعي واسع ، و صداقات وثيقة مع علماء الأحساء على اختلاف مشاربهم مما جعله يتمتع بنفس مقبول اجتماعيا انعكس على دور جميل في حلحلة بعض القضايا الاجتماعية .
ولد عام 1341هـ ، في بيت كريم فوالده المرحوم الوجيه الحاج محمد العلي البحراني ، من وجهاء الهفوف ، و من أمه الكريمة المرحومة الحاجة ميّاسة بنت الحاج حسن بن الشيخ حسين بن الشيخ محمد الممتّن ، أي أنّ أعمامه من جهة أمّه العالم الأديب الشيخ عبدالكريم الممتّن ، و أخيه راوية الشعر و الأدب الشيخ عبدالرحيم و لذا نشأ في بيئة صالحة تشرّب فيها من هذين الفرعين الأصيلين قوة الحضور الاجتماعي و الميل للتعلّم و حبّ الأدب ، فانطبعت تلك الصفتان الجميلتان فيه ، و أثرت عليه فنشأ متعلّما، تحت رعاية أمّ متعلمة ، و أب متعلم ثم أودعه والده عند المطوّع الملا علي القطان [2][2] ، فقويت مهارته فيها لذا كان الأغلب يعرفه بالملا محمد العلي البحراني، لأنّه كان متعلّما أولا ، ثانيا كان يقرأ المقتل الشريف في ايّام الوفيات ، و عادة يلحق لقب ملا وقتها بالمتعلم الواعي و الذي يمارس شكلا من أشكال الممارسة المنبريّة .
و يبدو أن حالة العنفوان التي كانت تمتاز بها نفسه دفعته ، أن يطرق أبواب التجارة بشكل مبكّر ، فاحترف تجارة البشوت ( معزب بشوت ) ، ثم فترات أخرى تجارة المواد الغذائيّة و تنقّل بين الأحساء و الكويت و العراق و غيرها .
حملة البحراني :
و أنشأ مع أخيه الملا طاهر - رحمه الله - نهاية الخمسينيات الميلادية حملة البحراني للحج انطلاقا من الكويت ، و التي كانت حملة رائدة وقتها ، و التي تمتاز بجودة الخدمات ، و كان منطلقها من الكويت بعدد من الحجاج بالطائرة ، و عدد آخر يعبرون إلى الديار المقدّسة برا بالحافلات ، عبر منفذ الرّقعي ثم إلى حفر الباطن ثم الي القصيم ثم منه إلى المدينة المنوّرة قبل ذلك يكون الحاج محمد البحراني قد خرج بسيارات النّقل الكبيرة محمّلا الأمتعة وأدوات الطّبخ و الخيام اللاّزمة ، و يتجه بها إلى المدينة المنوّرة بشكل مبكرّ حيث يمكثون حوالي عشرة أيام أو اقل قليلا ثم يحرمون من ميقات ذي الحليفة ( مسجد الشجرة ) و يضحي الرّجال عبر سيارات النّقل الكبيرة إلى مكة المكرّمة أما النساء ، و الضعاف فينقلون بالسيارات و الحافلات .
و كان تلك الحملة تجتذب علماء دين كالمغفور لهم المرحوم علي الحائري ( ت 1386هـ ) و الشيخ محمد الهاجري ( ت1425هـ ) و الشيخ حسين الفيلي ( ت 1389هـ ) و الميرزا حسن الحائري ( ت 1421هـ ) , يساعدهم عدد من المعلمين فيتبليغ المناسك للحجيج و منهم خاله الحاج محمد بن حسن الممتنّ ( 1409هـ) ، و الحاج حسن الرّصاصي ، و الحاج محمد العبود و ملا عبدالهادي الشيخ ( بو حبيب ) رحمهم الله جميعا .
و استمرا في تقديم هذه الخدمة لعقدين تقريبا و توقفت نهاية السبعينيات الميلادية .
و قد حدثت مواقف كثيرة في الحج ، تمّ عن جرأة الحاج محمد رحمه الله و حنكته و حسن تصرّفه و حسّ المسؤولية ، بالحرص على مقابلة المسؤول عن الحج شخصيا و إبداء الملاحظات التي ترد على التنفيذيين فقابل في سبيل ذلك مسؤولي الحج في وزارة الداخلية ، و الحج سواء كانت الملاحظة تخصّ حملته أو تخصّ حملات أخرى حتى غير سعودية ، كي تصل الملاحظة لمن يستطيع أن يغير إيجابيا و كانت ملاحظاته تلقى أذنا صاغية .
و قد توفي المرحوم ملا محمد بن الحاج محمد البحراني في يوم 24 رمضان عام 1420هـ .
الملا طاهر :
ملا طاهر رحمه الله من كبار خطباء الأحساء و الخليج و صاحب مدرسة خطابية أصيلة اختطها فكان نسيج وحدة ، و قد حافظ على أصالة القصائدة الجزلة في مقدمة قراءاته مع حديث مطّعم بطراز مميز من العرض التاريخي الجذّاب و حسن سبك مزدان بشواهد شعرية مميزة [3][3] كما أنه حافظ على الأطوار الأحسائية الأصيلة و التي امتدت لخارجها و أصّل وجودها حتى عادت أمرا واقعا يحاكيه من جاء بعده من الخطباء .
و كان من حسنات المرحوم الملا طاهر أنه فرض واقعا جديدا في حياة الخطيب حيث نادي بضرورة تجويد العطاء المادي للخطيب كي يستطيع أن يقدّم الأفضل عمليا لمستمعيه ، و قد ساهم هذا التّحرك منه على أن يدخل في سلك الخطابة المؤهّلون و برز بعد ذلك أسماء مميزة من أهل الفضل و الكفاءة ، لأن الوضع صار خليقا بالاحترف و التّفرغ لأن الوضع السّابق كان يندر فيه المتفرغون نظرا لأن الخطابة كعائد مادي لم تكن مجزية ، مما يجعل الخطيب أمام واقع مرّ فإمّا الرّكون لواقع مادي جشب ، أو الاضطرار للاحتراف لعدة أنشطة تكون الخطابة أحدها مما يلقي بظلّه على ضعف الاعداد ، و بالتالي ضعف ما يقدم على المنبر .
ولد المرحوم ملا طاهر حدود عام 1348هـ و في نشأ في فريج الجحاحفة حيث كانت تسكن أسرته نشأ في ظل أبيه الوجيه الذي ألحقه بمطوّع المرحوم الملا عبدالله الحسن بن إبراهيم ( ت 1367هـ) في فريج الرفاعة ، و كان يشاطره في الدّرس بعض أترابه من جيرانه ، و هم الشيخ حسين بن الشيخ علي الشبيث ( ت 1419هـ) و الملا علي المحمد صالح آل حسن بن إبراهيم، و كان المرحوم الملا عبدالله الحسن البراهيم ممن يمتازون بالدقّة في التّدريس شديد الحرص على مخارج ألفاظ الطلاب ، فكان من يتخرجون من تحت يديه يعرفون بذلك ، ثم التحق المرحوم ملا طاهر بالمرحوم الشيخ أحمد بن إبراهيم البوعلي و كان من زملائه في الدّرس عدد منهم المرحوم الحاج عبدالهادي بن علي البقشي ( بو صالح ) ، و الحاج موسى بن الحاج محمد الشيخ إبراهيم الخرس ( بو عبدالكريم ) و آخرون .
و قد بدا الملا طاهر رحمه الله نشاطه المنبري مبكرا في حدود الثانية عشر مقّدما عند عدد الخطباء مثل ملا علي و ملا عبدالحميد ابني المرحوم ملا حجّي الممتن ، و الخطيب الكبير الملا ناصر النمر و الشيخ كاظم الصحّاف ، و ملا محمد صالح المحيسن ، و ملا عبدالمحسن بن نصر ، و الخطيب الكبير ملا كاظم المطر و ملا عطية الجمري ، و ملا أحمد الرمل فاستفاد من منابر أولئك الكبار ، و لمّا اكتملت ملكاته المنبرية استقلّ منفردا يساعده على ذلك مخزون كبير من ملكة الحفظ و اختيارات موفقة للقصائد ، و التي كان ينتقيها وفقا لذائقته الأدبيّة مؤثّرة ، و كان صوته الشجيّ حاضنا و ضمانة نجاح كل هذه العوامل ، فبدا نجمه يلمع كخطيب بارز ، و تنقّل على منابر الأحساء و الكويت و كان منبره حاشدا جاذبا للجمهور الذين يستمعون لحديثه و إرشاداته و يتفاعلون مع نعيه المميّز .
و في سنّي حياته الأخيرة توّقف عن الخطابة بعد أن داهمته الأمراض و أخضع أكثر من مرّة لعمليات جراحية الزمته ترك المنبر ، حتى عرجت روحه إلى بارئها في غرّة رجب عام 1419هـ .
و أقيم له حفل تأبيني حاشد حضره كبار العلماء , الأدباء و الوجهاء و المثقفون في حسينيّته في حيّ الأندلس شارك فيه العديد من الأدباء ، كالأديب الكبير الأستاذ جاسم الصحيّح ، و الشاعر الشعبي الكبير مكّي الشومري ، و الأستاذ الأديب عبدالله بن محمد بو خمسين .
يعكس نمط الكتابة في الرّسالة النكهة الأدبيّة التي امتازت بها هذان الأخوان رحمهما الله ، و لغة الكتابة التي تأثرا بها ، من جزالة الألفاظ و استخدام المحسّنات اللفظية , هي سمة بارزة للمتأدبين من أبناء جيلهما رحمهما الله تعالى . تعكس أسلوب الرسائل كتقليد جانبا آخر من اللياقات العامة لدى الوجهاء حينها ، فقد أطلعت على رسالة أخرى لهما ، و لآخرين في هذا الجانب ، حيث كان تبادل التهاني ، و الدعوات على الوجبات و الدعوة لحضور الوجبات في فترة من الفترات كان يتمّ عن طريق الخطابات حتى لو كانت الدعوة في الأحساء أو المناسبة داخلية . و ليت شعري لو اطلع الأخوان البحراني على ما عاناه الشيخ رحمه الله من جهد و أعباء لكان تقديم العزاء و التسلية أولى من تقديم التّهنئة .
إفادات كلّ من :
الأستاذ الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن بو خمسين . دكتور إبراهيم بن الشيخ حسين الشبيث . الخطيب الأستاذ عبدالله بن الحاج محمد البحراني . الحاج علي بن محمد الممتّن ( بو حسين ) . مشاهدات شخصيّة . معجم ( أعلام الخطابة الحسينيّة في الأحساء ) للباحث الأستاذ أحمد بن عبدالهادي المحمد صالح .
شكر خاصّ لمقدّم الرسالة الشيخ عبدالله بن الشيخ حسن بو خمسين وفقه الله تعالى .
ملاحظة : الكمال لله وحده إن بدت ملاحظة أرجو إرسالها للموقع .
[4][1]سوق الزل أحد أسواق وسط الكويت القديمة و التي ارتبطت بعمق ذاكرة الأحسائيين حيث كان أغلب الباعة هم من الأحسائيين في تلك الفترة و كان محلات البشوت و مخايطتها يشكلون الغالبية العظمى من أرباب المحلات إلى جوار بعض السلع الأخرى كالأكوات و الكنابل و لوازم القطانة و الشراشف إضافة للزل و هو السجاد اليدوي كما يتنقل فيه بعض دلالي البشوت للمناداة على البشوت الجاهزة و التي يكون المخيّط أو المعزّب الذي لا يمتلك دكّانا يدفع البشت للدلال الذي يشرع بالنداء : بكم أقول ؟ حتى يفتح السوم أحد أحد أصحاب الدكاكين , اشتهر دلال صاحب صوت جهوري اسمه محمود بو خلف بذلك العمل و كان الدلّال يعبر بالبشت و يعرضه على صاحب كلّ دكان أثناء مسيره حتى تتوقّف المزايدة عند صاحب دكان معيّن فينقده القيمة و أجرة الدلالة .
كما كان سوق الزّل موضعا للتلاقي و التزاور بين العابرن الأحسائيين للزيارة و أقاربهم و معارفهم من أهل السوق بل من أهل الكويت , كما أنه فرصة للتزود ببضائع يمكن نقلها للعراق و التربّح من أثمان بيعها هناك كالتبغ الأجنبي و الكنابل المبكّرة و الجاكيتات و الزعفران .كما تنقل منه اشباهها للحسا ليعاد بيعها في رحلة الرجعة .
كما كان التّراسل بين الاهل في الأحساء و أقاربهم في الكويت يكون اسم سوق الزلّ هو عنوان التراسل الأسهل حيث يوضع اسم أي دكان من دكاكين الرجال المعروفين هناك كدكان الحاج أحمد الحاضر مثلا ممن يتردد عليه الأهالي فيقوم بإيصاله لصاحب الرسالة خاصة مع ندرة اقتناء أجهزة التلفون وقتها .
[5][2]هو الحاج ملا علي بن حسين القطان ، كان من المعلمين المميّزين للقرآن الكريم مكفوف البصر ، و يمارس التّدريس في بيته في سكة الحدايد إلى جوار مسجد و حسينية الحداديد الحالي وسط الهفوف التاريخي حاليا ، و قد كان ينتظم في دروسه الطلاب لجودة تدريسه توفي عام 1399هـ ، و هو والد مقرئ القرآن و المعلّم في الحج المرحوم ملا علي بن علي القطان ( ت 1440هـ رحمهما الله .
[6][3]ذكر لي العم ملا محمد صالح المطر أنه في موسم من مواسم القراءة كان هو والده و ملا طاهر يبيتون في بيت المرحوم الحاج علي العلي عمدة المركز و كان الحديث يدور حول الأدب و الشواهد الشعرية فطال الحديث و لم يشعروا بأنفسهم إلا و قد رفع المؤذّن أذان الفجر و في ذلك إشارة لجودة الجانب الأدبي عند خطيب الأمس و هذه همسة في أذن خطباء اليوم فاسمعوا يا أولي الألباب .
جديد الموقع
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يطلع على برامج جمعية ترابط
تعليقات
منير حسن البقشي
2020-06-28الرسالة كانت بسيطة و حاكها الاستاذ احمد كمن يصنع البشت الناعم من الصوف الخشن ، اضاف تعاريف و فصل فيها شكرا