2015/01/22 | 0 | 2599
المثقفون التنويريون
قاد عصر النهضة في أوروبا المفكرون والمثقفون وقد سعوا ضمن أطروحاتهم التصحيحية الى تهميش الدين واقصاء رموزه من الحياة العامة للمجتمع وقد اضطلع بهذا الدور من اصطلح على تسميتهم المثقفون التنويريون .
ان الحركة التنويرية انتقلت تدريجيا من أوروبا الى العالم العربي في مطلع القرن العشرين وكانت أولى محطاتها في مصر ولبنان كما هو الحال في تركيا وإيران والهند وباكستان وغيرها.
ان هذه الحركة تشترك في نفس المباديء والقيم والمفاهيم والاهداف وبالتالي فإنه من المناسب فهم جذورها الأوروبية لنفهم فروعها الشرق اوسطية بل فهم كيف يفكر المثقفون التنويريون الذين ارتفعت اصواتهم هذه الأيام في مجتمعنا الاحسائي
- يمكن تلخيص معالم فلسفة الأنوار عند الأوروبيين بما يلي:
١- الهجوم على الدين وعلى السلطات القائمة وتسفيهها وذمها.
٢- العقل الطبيعي وحدها هي القادرة على قيادة بني الإنسان إلى كمال العلم والحكمة.
٣- إعتبار النظم الفلسفية الميتافيزيقية التي كانت سائدة في القرن السابع عشر أبنية خيالية.
٤- الصراع الأساسي الذي تلتزم به حركة التنوير هو الصراع بين العقل التجريبي الوضعي النقدي وبين مضمون الإيمان الديني الغيبي.
٥- تتم دراسة النص الديني كأي نص عادي آخر، وكأي مجموعة من الوقائع بكل معطيات العقل النقدي ووسائله. اي الشك في النص المقدس وفي ثبوته وفي مصداقيته لكونه مثقلاً بالشروح والزيادات والتحريفات.
٦- الكتاب المقدس ليس سوى نسيج من الأساطير،والعقل المستنير يجب عليه أن يرفض هذه الخرافات
٧- يرون في فرضية إله خالق مطلباً طبيعياً من مطالب العقل وهم يرفضون أي دين موحى به.
اما حركة التنوير في العالم العربي التي انطلقت أوائل القرن العشرين ، ويمكن تلخيص معالم فلسفتها فيما يلي:
١- اعتبار القرآن الكريم وحده الأساس لفهم الإسلام، وعدم الاعتماد على الأحاديث.
٢- الاعتماد في فهم القرآن الكريم على نص القرآن وحده وعلى المعارف والتجارب الذاتية في كل عصر. ٣- لا يقبل من الأحاديث إلا ما يتفق مع نص القرآن وروحه وما يتفق مع العقل والتجربة البشرية وما لا يناقض حقائق التاريخ الثابتة.
٤- الدعوة إلى الاجتهاد في جميع المجالات وإطلاق العنان للعقل والتجربة والقوانين الاجتماعية والطبيعية في عملية تفسير القرآن الكريم واستنباط الأحكام، وعدم التحرج من أن يؤدي ذلك الى تباين وجهات النظر والحرية الواسعة في الفهم والاجتهاد لانها الوسيلة الوحيدة لتقدم الأمة .
٥- عدم تقديس التراث، وإعادة النظر فيه من كل جوانبه وبدون أي تحفظ.
ومن اهم رواد هذه الحركة : رفاعة الطهطاوي، وقاسم أمين وعلي عبد الرازق وطه حسين وأحمد لطفي السيد وسعد زغلول ومحمد حسين هيكل باشا، وفي الفترة المعاصرة: محمد أسد ومحمد فتحي عثمان ومحمود الشرقاوي والشيخ عبد الله العلايلي (لبناني) ومحمد أحمد خلف الله وأخيراً حسن حنفي ونصر حامد أبو زيد ومحمد شحرور وغيرهم .
- بعض من أقوال ومؤلفات أوائل التنويريين العرب:
- علي عبدالرزاق
صاحب كتاب (الإسلام وأصول الحكم) أولَ دراسة شرعية تؤسِّس للفكرة العَلمانية داخل الوسط الإسلامي. تقوم فكرة الكتاب المركزية على تفسير (الدين الإسلامي) بما يتفق مع التصور الغربي للدين، فرسالة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما هي إلا رسالة روحية ليس فيها إلا البلاغ لوجود (آيات متضافرة على أن عمله السماوي لم يتجاوز حدود البلاغ المجرد من كل معاني السلطان). فهي رسالة لا تتضمن سلطة حكم، حيث كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (رسولاً لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة)، وإنما أحدث ذلك المسلمون من بعده، وكانت الحكومة التي أقامها الصحابة من بعده حكومة دنيوية ليست من أحكام الإسلام
- احمد لطفي السيد
تبنى المفهوم الليبرالي للحرية في أوروبا خلال القرن التاسع عشر مناديا بتمتع الفرد بقدر كبير من الحرية وبغياب رقابة الدولة على المجتمع ومشددا على ضرورة أن يكون الحكم قائما على أساس التعاقد الحر بين الناس والحكام. وهو صاحب القولة الشهيرة الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية . ونادى بتحديد مفهوم للشخصية المصرية رافضا ربط مصر بالعالم العربى أو تركيا أو العالم الإسلامي سياسيا، ويربط بين الجنسية والمنفعة، وكان أهم ما طرحه في هذا الشأن الدعوة إلى القومية المصرية كأساس لانتماء المصريين وكذلك التشجيع على استخدام اللهجة العامية المصرية بدل العربية الفصحى
- طه حسين
من اهم كتبه "في الشعر الجاهلي" الذي عرض فيه رأيه بان معظم الشعر الذي بين أيدينا والذي ينسب للعصر الجاهلي هو في الحقيقة ليس كذلك وإنما كتبه المسلمون ليستخدموه كشواهد لتفسير وفهم القرآن ....
وقد قال : للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عنهما ولكن هذا لا يكفي لصحة وجودهما التاريخي
كما دعا الى أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها وما يُكره، وما يُحمد منها وما يُعاب
- قاسم أمين
صاحب الدعوة لتحرير المرأة في كتابيه "تحرير المرأة" و "المرأة الجديدة" حيث زعم أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة للسفور ليست خروجا عن الدين. وتحدث أيضا عن تعدد الزوجات والطلاق، وقال أن العزلة بين المرأة والرجل لم تكن أساسا من أسس الشريعة، وأن لتعدد الزوجات والطلاق حدودا يجب أن يتقيد بها الرجل، ثم دعا لتحرير المرأة لتخرج للمجتمع وتلم بشؤون الحياة.
- نصر حامد ابوزيد
طالب بالتحرر من سلطـة النصوص وأولهـا القرآن الكريم الذي قال عنه : القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة وقال أيضا: "هو النص المهيمن والمسيطر في الثقافة" وقال مطالبًا بالتحرر من هيمنة القرآن : " وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان
بعض من المثقفين التنويريين ذوي الاتجاه الشيعي والذين ظهروا في المجتمع الإيراني وأبرزهم :
- د علي شريعتي
صاحب كتاب " التشيع العلوي والتشيع الصفوي" حيث كان يرى ان علماء الدين الإيرانيين في العهد الصفوي عملوا كل ما من شأنه التوفيق بين القومية الإيرانية والدين الإسلامي ، ولتبدو الوطنية والقوميةالإيرانية بوشاح ديني أخضر .. وكان الهدف الأصلي هو إضفاء طابع مذهبي على الحالة القومية ، وبعث القومية لإيرانية وإحياؤها تحت ستار الموالاة والتشيع
وقد ناقش في كتابه ابرز قضايا التشيع الصفوي وهي :
1- العترة : وهي وسيلة لتعطيل العمل بالقرآن وسيرة النبي وتشويه الوجهة الحقيقية للرسالة ولمبادئها الأولى كالتوحيد ، وبالمقابل إرساء قيم مبتدعة تقوم على أساس العنصر والدم والوراثة
2- العصمة : عبارة عن حالة فسلجية وبيولوجية وباراسيكولوجية خاصة لدى الأئمة تمنعهم من ارتكاب الذنوب والمعاصي
3- الوصاية : عبارة عن نظام وراثي وسلالات حكم تنتقل القيادة فيها من الأب إلى الابن ومن الأخ لأخيه ومن جيل إلى جيل يليه .
٤- الإمامة : وهي الاعتقاد بـ (12) شخصية من جنس ما وراء الطبيعة واثني عشر رقماً واسماً مقدساً يجب علينا أن نحب أصحابها ونثني عليهم ونتقرب إليهم دون السعي إلى الالتزام بالتبعية والاقتداء بهم.
٥- التقليد : أن يكون الناس جميعاً صماً بكماً عمياً بإزاء من يرتدي اللباس الرسمي المعترف به من قبل أجهزة السلطة ، ولا يجوز لغيره ولوج هذا الباب ليس في المجالات الفقهية الفنية وحسب بل حتى في مضمار فهم واستنباط القضايا الاعتقادية التي يفترض أن كل إنسان يكون مطالباً بنفسه بالاجتهاد فيها.
- د شيخ محمد مجتهد شبستري
صاحب كتاب "قراءة بشرية للدين" ويقصد بذلك : «أن ننظر للدين بعيون إنسانيّة وبشريّة في حركة الإنسان نحو الله. فبِما أنّنا بشر، فعندما نقرأ الدين برؤية بشريّة، فإنّ ذلك يُتيح لنا فهمًا أفضل للدين من موقع الوضوح في الرؤية»
وتقتضي القراءة البشرية للدين توفّر عدّة خيارات أمام المسلم المعاصر، تستمدّ مرجعياتها من الدين ومن غير الدين. ومن تلك الخيارات يؤسّس نُظمه الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة؛ فحقّ الانتخاب مثلا في المجال السياسي، يؤسّس لما سمّاه المؤلّف بـ«القناعة العقلانيّة والباطنيّة للإسلام» فضلا عن أنّ ذلك الحقّ يتطلّب القبول بحقّ الاختلاف في الرأي وبثقافة الحوار وبتحكّم الإنسان في قدره ومصيره .وهكذا دعا إلى الانتقال من "منطق التكليف" (بمعناه الشرعيّ) إلى "منطق الحق"
كما دعا لاستخدام الهرمنيوطيقا الفلسفيّة حيث يرى انها قادرة على تقديم فهم عقلانيّ للكتاب والسُنَّة يُمكن أن يستفيد منه أهل الاجتهاد والعلماء المسلمون؛ ومن شأن ذلك أن يسدّ الباب أمام انتشار الفتاوى الدينيّة غير المعقولة. فالقراءة المعاصرة للنصّ الديني لا يمكن أن تُنجز إلاّ في إطار وجود نظريّة فلسفيّة هرمنيوطيقيّة تؤمن بتعدّد معاني النصّ الواحد، وما يترتّب على ذلك من تعدّد إمكانات القراءات واختلافها.
أنّ العقائد والأحكام الجزميّة الموجودة في التراث الدينيّ بشكل عامّ هي تاريخيّة وزمانيّة بذاتها وتمثّل حجابا سميكا يغطّي وجه "الخطاب الديني" وينبغي إماطة اللثام عن هذه الحقيقة، ليعيش المؤمنون في أجواء نورها وحركتها، وفي الواقع فإنّ هذه الحقيقة يجب العمل دائما على "تجديدها" و"ترميمها" كيما تبقى حيّة وفاعلة في واقع الإنسان والمجتمع البشري، ويجب استخدام هذه الآليات والوسائل في غربلة عناصر التراث وتنقية عمليّة "الوحي الجديد"
- د عبدالكريم سروش
صاحب أطروحة «القبض والبسط في الشريعة» وهي تعالج إشكاليات الثابت والمتغير في الشريعة الإسلامية، حيث ميز بين الدين كمعطى ثابت وبين المعرفة الدينية النسبية والمتغيرة أي التي «تنقبض وتنبسط» تبعاً لتطور العلوم الوضعية ومناهجها.
عمل سروش في نظريته القبض والبسط على قراءة القرآن بشكل يقربه من التساؤلات التي يطرحها الواقع المتغير، والقبض عنده هو الانكفاء، والبسط هو الانفتاح والبحث عن آفاق جديدة، وهو يموضع نظريته في إطار التمييز بين الشيء بذاته والعلم به فيفرق بين الشريعة لذاتها وفهمها البشري، أي بين الدين بذاته والمعرفة به
كما اشتغل سروش على إشكالية التعددية الدينية في كتابه «الصراطات المستقيمة قراءة جديدة لنظرية التعددية الدينية» والأهم من ذلك كتابه «الدين العلماني» وقد خلص الى أن «علاقة المجتمع الليبرالي بالمجتمع الديني» ليست «علاقة بين أمرين متضادين، وإنما هي علاقة أمر غير متعيّن بأمر متعين»؛ و«الفارق بينهما كالفارق بين الطريق والغاية، أو بين السؤال والجواب. المجتمع الديني لا يسأل لأنه يحسب أنه عثر على الإجابات النهائية لأسئلته وهذا على العكس من المجتمع الليبرالي الذي يتحرى الأسئلة الجديدة دوماً… والخطاب الديني خلافاً للخطاب الليبرالي لا يشجع على النقد والاستفهام بمقدار ما يشجع على الإيمان واليقين. السؤال في الدين لا يحظى بالأهمية التي يحظى بها الجواب، بينما السؤال بحد ذاته محمود مطلوب في الليبرالية، وإن المجتمع السليم/الصحي هو الحافل بالنقد والأسئلة لا بالتعبّد واليقين، فالتعقل هناك يُعرف بأنه التساؤل والاستفهام. وهذا هو سر التباين الأساسي بين مجتمع ليبرالي وآخر له دين رسمي». الليبرالية عند سروش لا تتعارض مع الدين إذا تمت مقاربته بعقل حر تنويري يقطع مع الخطاب الفقهي الرسمي.
أكد سروش في أطروحته «بسط التجربة النبوية» أن الوحي والرسالة تابعان لشخصية النبي، ورأى أن شخصية الرسول البشرية أثرت في عملية التشريع وهو يدعو الى معرفة النصف الآخر (أي الشخصية البشرية) وكيفية ادارة (الرسول) السلوك الاجتماعي مع جماعته وقومه في سياق ثقافة عصره، فيتحدث بلسان قومه ويبتكر الحلول للتحديات والمعضلات التي تواجهه، وفي الوقت عينه يستلهم الوحي من السماء. وفي حديثه لإذاعة «هنا امستردام» العالمية (القسم العربي) اعتبر أن الوحي هو الإلهام، والتجربة نفسها يخضع لها الشعراء والمتصوفة» وكي يميّز بين الشعراء والأنبياء في مسألة الوحي يقول «الاختلاف هو أن الأنبياء يقفون فيه على مستوى أعلى؛ وفي عصرنا الحديث يمكننا فهم الوحي على الأرجح عن طريق مقارنتنا إياه مع الشعر. يُفسر سروش الوحي بإعتباره نابع من الإلهام من «نفس» النبي و«نفس» كل انسان إلهية، ويختلف النبي عن الآخرين، بأنّه ادرك إلهيّة هذه النفس، وحوّل هذه الحالة من القوة الى الفعل، فاتحدت نفسه مع الله.
هذه قراءة سريعة للتعرف على الحركة التنويرية التي مثلت تيارا ثقافيا في مختلف المجتمعات ، وقد واجهت نفس ردات الفعل العنيفة من رموز المجتمع التقليديين الذين عملوا على مقاومتها وإسقاطها والحد من انتشارها .
وفي كل الأحوال لا يمكن التعامل مع الفكر التنويري على انه شر مستطير وبالتالي يجب نبذه ورفضه بكامله وإنما هو انتاج ثقافي ساهم في اثراء الحركة الفكرية والثقافية خلال القرن الماضي وساهم في تصحيح او تهميش الكثير من النظرات الدينية المتطرفة والعادات والتقاليد الجامدة التي خلفتها عقود التخلف والجهل
ومن غير الانصاف ان نقبل كشيعة بنتائج الفكر التنويري التي ساهمت في التشكيك بالمسلمات العقدية والتاريخية للإسلام السني ونرفضها عندما تمس المسلمات الشيعية وكذلك الحال بالنسبة لبقية المذاهب الاسلامية الاخرى
علينا التعامل بموضوعية مع هذه الحركة وكتابها ومفكريها ولنفهم أساليبهم وطريقة تفكيرهم ولنستفيد منها قدر الامكان في اثراء البحث والفهم والتصحيح
جديد الموقع
- 2024-04-25 ناشط قرائي
- 2024-04-25 يحيى العبداللطيف و ( دكتوراه ) جديدة لسجل شرف ( الينابيع الهَجَريّة )
- 2024-04-25 13298 خريجًا وخريجة أمير الشرقية يرعى حفل تخرج الدفعة الـ 45 من خريجي جامعة الملك فيصل بالاحساء
- 2024-04-25 %150 زيادة الطاقة الاستيعابية لمطار الأحساء
- 2024-04-25 16 جمعية وقفية في المناطق والمحافظات
- 2024-04-25 احصل على 800 ختمة قرآنية شهرياً
- 2024-04-24 جمعية البيئة الخضراء بالأحساء تكرم البورشيد لاطلاقه (ديك الماء)
- 2024-04-24 الأمير محمد بن عبد الرحمن رئيساً فخرياً لجمعية أصدقاء لاعبي كرة القدم
- 2024-04-24 جود بخاري تحقق أول برونزية سعودية في البطولة الآسيوية للبلياردو
- 2024-04-24 في أسبوعه العالمي .. خوجة : التطعيمات واجهت عبر التاريخ شراسة الفيروسات