2019/11/06 | 0 | 4168
الرماديون .. خطر علينا
يقصد بالرماديين، السلبين في المجتمع، من لا يتخذوا موقفاً. وهذه الشريحة من الناس كاللون الرمادي، المتكون من مزج اللون الأبيض مع الأسود، هذا اللون الحيادي، لا نستطيع تسميته أبيضاً أو أسوداً. لأنه محايداً هجيناً مستقراً وسط تدرجات اللونين.
ومن جهة ثانية مصطلح (الرماديون) يذكرنا برماد النيران، فنهاية النيران الملتهبة رماد باهت اللون، لا وزن له، ولا قيمة. ومن خفته يتطاير بالهواء. وعلى كل حال (الرماديون) ينطبق عليهم المعنى الأول بصفتهم لوناً لا تتضح ماهيته. أو المعنى الآخر بصفته البقية المتبقية الخاملة الخامدة من النيران. وعلى ذلك كلا التعريفين يستوعبهم مصطلح (الرماديون) ويتوافق مع طبيعتهم المادية والمعنوية باعتبارهم لا ثبوت لهم ولا وضوح في الرؤية ولا قيمة ولا تأثير.
وفي مقالنا يقصد بهم شريحة من الناس ملتزمين الصمت والحيادية إزاء المستجدات، المتغيرات، الأحداث، المواقف، المناقشات، النشاطات، المناكفات، والاحتربات. هذه الشريحة في الواقع خطر علينا. وهي تنتظر من تكون الغلبة له؟ حتى تقف معاه، لتقطف الثمار وتكون لها الحظوة، دون جهد يذكر. بعيدة عن اتخاذ المواقف والقيم الانسانية.
إذن الخطورة من شريحة (الرماديون) تكمن كونهم يكتفون فقط بالمراقبة وربما التمتع بالمناكفات والتصادمات بين الفرقاء المختلفين، دون محاولة الولوج لإبداء وجهة النظر، أو التوفيق بين الفرقاء، أو حتى التهدئة. وهم يقفون مع أصحاب الحق والباطل بحيادية وفي المنتصف، كما يصفه القرآن العظيم: ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ﴾ مع العلم أن هذه الشريحة (الرمادية) السلبية فيهم من هو على قدر رفيع من المكانة العلمية والاجتماعية والعمرية. ودخولهم في أتون المعتركات الثقافية والعقدية والاجتماعية سواء في المجالس والمحافل، أو القروبات أو المواقع والحسابات الالكترنية، ربما يفقدهم بعضاً من المصالح والأصدقاء. لهذا تجدهم يبتعدون ولا وجود لهم وكأنهم ﴿نَسْيًا مَّنسِيًّا﴾. ومع الأسف الشديد هذه الشريحة هي من تكون في المقدمة وتتصدر الواجهة واتخاذ القرار إن لزم الأمر.
والناس تقدم لهم المكانة والتقدير على طبق من ذهب، بحجة أن من ينتسب لهذه الشريحة (الرماديون) ليست له عداوات ومقبولاً اجتماعياً والجميع يحبه ويقدره. وغاب عن المجتمع أن الرماديين من المؤكد أنهم مقبلون ولا عداوة بينهم وبين الناس لأنهم لا مواقف لهم. وكلنا نعلم أن العظماء على امتداد التاريخ البشرية تمت تصفيتهم فكرياً وجسدياً لأنهم أصحاب مواقف ويصدعون بالحق ﴿وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾. ولو تتبعت رجالات المجتمع تجد بعض الرمادين لهم التقدير والترحيب والدعوات الوجهائية من كل الاتجاهات والتوجهات، والسبب ببساطة لأنهم ليست لهم مواقف تذكر؟
وربما ينبري أحدهم بقوله وهل مطلوب من الناس التدخل في الاختلافات؟ ويستشهد بقول الإمام علي -عليه السلام-: "كُنْ فِي اَلْفِتْنَةِ كَابْنِ اَللَّبُونِ لاَ ظَهْرٌ فَيُرْكَبَ وَ لاَ ضَرْعٌ فَيُحْلَبَ". ويستنهض الأمثال والأقوال: "أبعد عن الشر وغني له" وكذلك "فخار يكسر بعضه بعضاً" وغيره.
والواقع أن توظيف ما سبق من قول الإمام -عليه السلام- والأمثال في غير محله! لأن معنى الفتنة التي افتتن الناس فيها. أما إذا كان الحق والباطل بيناً، فهنا يجب اتخاذ موقفاً صارماً، كما أمرنا تعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. ومن زاوية أخرى غاب عن هؤلاء أن (الحياة موقف). والمواقف تخلد الإنسان فكل من خلدهم التاريخ أصحاب مواقف. وهم من صمدوا أمام التلوث الفكري والاجتماعي والعقدي.
وعلى مدى التاريخ أصحاب المواقف هم من تعرضوا للأذية والاحتراب والعداوة وتجيش البسطاء والمنتفعين من قبل المحرضين. ولهذا المقياس الحقيقي لأصحاب الفكر الناضج الإصلاحي في مسيرتهم، يتلخص في معاداة البسطاء لهم بتحريض المحرضين، ومِن مَن يبحث له عن موطأ قدم في الساحة الإنسانية دون وعي. لأن من يفتقد الوعي ويتدثر باللباس الإصلاحي بعيداً عن أدواته يرى أن المصلحين المدركين الحقيقيين لمصلحة المجتمع يهددون وجوده ومكانته الواهمة، فيقوم بمحاربتهم بسذاجته حتى لو تسبب في أذية من يختلف معهم، والفجر في الخصومة. وقد تنال الأذية المعنوية والمالية بسطحيته من يآزره ويساعده تغريداً وتهديداً .
ومن ناحية أخرى سكوت الرماديون بذريعة عدم خلق أعداء لا يعفيهم من دورهم الريادي، والصدع برأيهم، وإبداء وجهة النظر بوضوح دون خلق جبهة عدائية؟ وعلى المجتمع أن يدرك أن هذه الشريحة، وهذه المنهجية تصطدم مع قول نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم: "لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم فيدعوا خياركم فلا يستجاب لكم".
ومن باب التوفيق بين ابداء الرأي واتخاذ موقفاً واضحاً. أو السكوت والركون إلى الدعة والرمادية. الدعوة إلى الأخذ بمنهجية (الشخصية المطاطية) بديلاً عن (الشخصية الرمادية) الهامدة. فالشخصية المطاطية شخصية ذكية تستطيع ابداء النظر والوقوف مع الصواب والحق. ورفض الخطأ والباطل بطريقة مرنة مطاطية بحيث أنها تبقي حبل الود والاحترام بين الأطراف المتنازعة. وفي نفس الوقت ابداء وجهة النظر بوضوح فيما يعتقده دون خوف أو وجل من أصحاب الباطل، الأعلى صوتاً والأكثر امتهاناً مع من يختلفوا معه.
الفكرة:
المجتمعات والأفراد بطبيعتها وفطرتها تحب أن تنقاد من قبل الرموز والأسماء اللامعة. ولهذا تضخ الأموال الباهظة للفنانيين والفنانات والشخصيات الكبيرة من أجل دقائق في الدعايات للترويج عن بضائع أو فاعليات وغيره. حتى يقتدي بها البسطاء في الغالب.
ولأن الناس في المجمل في حيرة واضطراب، ولا يملكون اتخاذ القرار. إزاء الاحترابات الفكرية والعقدية والاجتماعية. ويحتاجون العون ممن يثقون فيهم من مجتمعهم حتى يرجحون كفة من ستكون له الأحقية والغلبة في المناقشة والحوار؟
وحينما تقف شريحة (الرماديون) موقف الحياد والرمادية إزاء المعترك؟ وتُغيب عن الساحات الفكرية، فانهم بذلك يحرمون الناس من رأيهم! وبالتالي ربما ينخدع الناس بالمحرضين، ممن يطرحون أنفسهم المدافعون عن الله وأنبيائه، وحمادة الدين. والأوصياء على خلق الله. مما يجذر عند أصحاب التلوث الفكري والعقدي والاجتماعي قناعة بأنهم على الحق المطلق. ويشعرون بالطمأنينة في تلوثهم ولوثتهم، والتمادي في انتهاك المصلحين الأنقياء الأوفياء. وهذا مصداق قول الإمام -عليه السلام- “حين سكت أهل الحق عن الباطل ، توهم أهل الباطل أنهم على حق”. لهذا أقل ما يقدم نصرة للحق والتصدي للباطل والمعتدين، الابتعاد عنهم سواء بالمجالس أو القروبات وغيرها. حتى تصل رسالة واضحة للمعتدي أن منهجيتك ومسلكك غير مقبول. لأن هدف العدواة ضد المصلحين وأصحاب الفكر والرأي قتل شخصيتهم، والافتراء والتلفيق ضدهم، وهذا المسلك ديدن الضعفاء البؤساء إزاء من يختلفوا معه. بهدف تسقيطهم وقتل شخصياتهم الأشد فتكاً من قتلهم. وهو موضوع مقالنا القادم 266 (قتل الشخصية أشد فتكاً من قتل الشخص).
1441-3-9
جديد الموقع
- 2024-09-26 افراح العبدالله والشقاق تهانينا
- 2024-09-25 سمو محافظ الأحساء يطلع على مبادرة التعليم "نعاهدكم ببناء جيل منافس عالمياً"
- 2024-09-25 مؤسسة البريد السعودي | سبل تصدر طابعاً تذكارياً بمناسبة اليوم الوطني السعودي الـ 94
- 2024-09-25 برلمان الطفل العراقي حاضرا في معرض بغداد الدولي للكتاب
- 2024-09-25 رئيس مركز يبرين يهنئ القيادة بذكرى اليوم الوطني ال 94
- 2024-09-25 ( في رثاء المعلمة بتول الحمادة )
- 2024-09-25 اليوم الوطني 94 في دائرة الأوقاف والمواريث بالأحساء
- 2024-09-24 أفراح البخيتان وسادة الحسن تهانينا
- 2024-09-23 أمين عام جمعية البر بالاحساء م. صالح بن عبدالمحسن ال عبدالقادر: اليوم الوطني ليس مجرد ذكرى
- 2024-09-23 حسين الجسمي يصدح في حب السعودية بأغنية "الفخر من هنا" في اليوم الوطني الـ 94