2020/01/27 | 0 | 1665
الحياة الإلكترونية للقصيدة
حسن الربيح
من الزِّراعة إلى الصِّناعة وصولًا إلى عصر المعلوماتيَّة كانت الحضارة تصعد، وكان كلُّ عصر يترك أثره على الفنون فيضيف إليها ما يواكب هذا التَّطوُّر، ويهزُّها برياح التغيير، ومن بين هذه الفنون الشِّعر.
فماذا صنعت الثورة المعلوماتيَّة بالقصيدة؟
من سمات الثورة المعلوماتيَّة التواصل الآنيّ، وسرعة الوصول، والتعلُّم الذَّاتي، وتوفير الكلفة والوقت، إنَّها سمات فتحت باب التَّجريب على كلِّ شيء، وحاولت أن تذلِّل كلَّ شيء من خلال الوسائط العديدة، فلتكن التكنلوجيا إِذًا متنًا للقصيدة بدلًا من المشافهة والمتون الورقيَّة، وبالتالي سيتلقَّاها القارئ بشكل مباشر ومستمر.
الذين ينادون بالأدب التفاعلي ويعدُّونه أمرًا حتميًّا، يبرِّرون ذلك بغلبة الوسائط الإلكترونيَّة على حياة إنسان اليوم، فلماذا لا تكون القصيدة ضمن هذه الوسائط بدلًا من بقائها في أروقة الجامعة ونومها في الدواوين؟
لماذا لا نجعل المتلقِّي فاعلًا في النَّص عن طريق الكلمة والصوت والصورة والحركة المتاحة في هذه الوسائط، فيكون مشاركًا المؤلّف في صناعة القصيدة بالإضافة والتغيير؟
القصيدة عاشت ردحًا من الزَّمن في الورق، نتفاعل معها عبر القراءة والنقد، ولكنَّ هذا التَّفاعل محدود النِّطاق، غير أنَّ التفاعل في الفضاء الإلكتروني لا حدَّ له، وله قابليَّة الانفتاح على وسائل أخرى لا تتجاوب معها القصيدة الورقية، وهذا مبرِّر آخر للاحتفاء بالأدب التفاعلي، وبالتالي يصبح الأمر ضرورة من أجل خلق حياة إلكترونية للقصيدة، والدخول إلى ما يسمَّى بـ(النَّصّ المتفرِّع) حسب ترجمة د. حسام الخطيب لـ(Hypertexts)، ويعني هذا أنَّ المصطلح وافد علينا من ثقافة أخرى، وإن كان له شواهد عربيَّة تشابهه في عمليَّة التفرُّع كالشُّروحات القديمة على المتون والحواشي، على حد تعبير د. الغذَّامي، أو الشِّعر الهندسي حسب د. فاطمة البريكي، لكنَّها شواهد لا علاقة لها بالتكنولوجيا.
وبعدُ، لنا أن نسأل: هل يمكن للتُّكنولوجيا أن تصنع قصيدة؟
من البدهيَّات أنَّ القصيدة تتطلَّب إحساسًا خالصًا ومعاناة وتجربة ذاتيَّة، والتكنولوجيا فاقدة لهذا المعنى.
القصيدة التفاعليَّة تحاول أن تجعل عمليَّة الإبداع مشتركة في مساحة لا حدود لها، وبمزيد من التفرُّعات غير المنتهية، بطرق لم تألفها الذائقة الإبداعية بعدُ، ولكن قد تفسد الذَّوق العام؛ نظرًا لسهولة التعامل معها إلكترونيًّا لدى بعض التقنيين من غير الشُّعراء والمتطفلين، فيقومون بالإضافات المشوِّهة.
الشّعر تختلف طبيعته عن أي كتابة أخرى، فهو يقوم على لغةٍ لا تؤدِّي إلى معرفة بقدر ما تؤدِّي إلى الإدهاش والإمتاع، وإنَّ أيَّ محاولة للعبث في إعادة القصيدة عبث في ذاتيَّة المبدع، وأيَّ حذفٍ منها سيقتل فيها الإدهاش المتولِّد من تفاعل النَّص مع لغته وصوره، كما سيضيِّع معها ملامحَها، وهويَّتها، وملكيَّتها الفرديَّة.
إنَّ عمليَّة التفاعل الإلكتروني المفتوحة تُفقد القصيدة اللُّعبةَ الشِّعريَّة، فتطغى عليها اللُّعبة الإلكترونيَّة، وتدخل عناصر غير شعريَّة عليها.
وتظلُّ الأحكام معلَّقة إلى أن تأخذ تجربة المزج بين القصيدة والتكنولوجيا مدى أوسع.
*نشرت في القافلة الأسبوعية _ أرامكو السعودية 9 يناير 2020
جديد الموقع
- 2024-03-28 شباب «التيك توك» في الغرب وقراءة القيم الإسلامية
- 2024-03-28 مناقشة علمية لاستخدام مكشطة اللسان للتخلص من رائحة الفم الكريهة
- 2024-03-28 تقنية البنات بالاحساء تطلق عددا الفعاليات الداعمة لمبادرة السعودية الخضراء
- 2024-03-28 الدفاع المدني بالاحساء تكرم الإعلامي زهير الغزال في اليوم العالمي
- 2024-03-28 مرض التدرن (السل الرئوي) نضرة مخيفة ومرعبة من المجتمع .والشفاء منه مرهون بالتزام المريض
- 2024-03-28 مشاركات في منتدى الفجيرة الرمضاني يناقشن دور الآباء في تنشئة الأبناء
- 2024-03-28 شهر رمضان محسوم في أوله وحرج في آخره الحجري العيد موحد في البحرين بشرط الاطمئنان للرؤية الحسية
- 2024-03-28 معالي الدكتور بن رقوش يفتتح معرض رمضانيات بثقافة جدة
- 2024-03-28 اقتران مميز للقمر مع النجم العملاق السبت المقبل
- 2024-03-28 قطاع صحي خميس مشيط يُنفّذ حملة عش بصحة في رمضان