2023/01/31 | 0 | 1279
أمانة مسؤولية الأوقاف الحاج علي بن عبدالله بن ابراهيم البحراني نموذجاً
الحاج علي بن عبدالله بن ابراهيم البحراني
الرجال الذين يتركون بصماتهم في الحياة أولئك الذين كان سماتهم الإخلاص والتقوى والجد ومراقبة الله في كل أحوالهم كما قال تعالى " وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ". وعَلمُنا الذي نتكلم عنه هو من التصقت به تلك الصفات وهو من عني به في بيت الشعر السابق ذكره، إنه الحاج علي بن عبد الله بن إبراهيم البحراني من مواليد حي الفوارس بمدينة الهفوف بتاريخ 1/7/1323هـ. ومن منا لا يعرف عائلة البحراني الكريمة والمليئة بالرجال الكرام والأطباء والدكاترة والمهندسين والمثقفين. لقد جاورتهم بصباي في شارع الفوارس وجاورتهم بحي الأندلس، ومنهم الملا طاهر البحراني العالم الجليل والأديب والخطيب المفوه صاحب الصوت الرخيم والطور المميز الذي أصبح أنموذج يَحْتذِي به الخطباء في نعيهم للإمام الحسين عليه السلام، فلم ترى عيني ولم تسمع أذني منهم إلا حسن السيرة والسريرة.
لكننا في مقالنا هذا لن نقارب الحديث من الجانب الثقافي والأدبي أو العلمي إنما نقاربه من جانب آخر. جانب الأمانة وحمل المسؤولية التي أبت أن تحملها السموات والأرض " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان"، وأي شيء اكبر من أمانة الأموال، قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: " ثلاث يمتحن بها عقول الرجال، هن: المال، والولاية، والمصيبة" ولقد كان لي الشرف من أخي وصديقي المهندس أمير ابن المرحوم الحاج علي أن أكتب شيئا في هذا الباب. عَلمُنا قد مر بهذا الامتحان فاجتازه على أكمل وجه في ولايته لرعاية الأوقاف التي كلف بها من قِبل عائلته بشهادة معاصريه وممن عاشوا معه، ومن العلماء الذين احتكوا معه في هذه المسألة، والوثائق التي رصدت في هذا المجال.
شيء من سيرته الحسنة:
له من الأولاد ستة ومن البنات ثمانية. كان عصامياً تعلم مهنة خياطة البشوت "المشالح" فلم يكن عاملاً لدى أحد المعازيب وإنما كان يشتري لوازم الخياطة ويعمل بها حتى تكتمل، ثم يقوم ببيعها في سوق القيصرية.
- لقد عُرف عنه بعلاقته الحميمة مع أقاربه ومجتمعه بأنه لين العريكة محبوباً بين أبناء عمومته ومجتمعه، واشتهر بالنزاهة والتقى، وكان ذلك جليا عندما تم ترشيحه من قبل أبناء عمومته لإدارة الأوقاف كما ذكر الحاج "محمد احمد البحراني "بوعلي" من خلال مقابلة مسجلة أجريت معه. ومن أعماله المشهودة له، حينما انتقل إلى حي الفاضلية فكان يذهب إلى مسجدها المعروف الآن باسم مسجد الإمام زين العابدين عليه السلام، وكانت المساحة لا تتسع لإنشاء محراب المسجد، فاقترح أن يكون المحراب في بيته حيث خصص غرفة المجلس الملاصق لجدار المسجد من البيت وعُمل فيها المحراب، وقد أشاد بذلك إمام المسجد سماحة المرحوم السيد عبد الله الحاجي بهذه الخطوة الإيمانية التي تدل على عشقه لعمل البر.
- كان عاشقاً للمسجد ومداوماً للصلاة فيه حتى مع تدني صحته وخير دليل هو ايثاره بجزء من منزله لقبلة المسجد، كما كان استئناسه بكتاب الله الكريم الذي كان مداوماً على قراءته وكان جزأً من جدوله اليومي.
- ومن حسن سيرته الأمانة والإيثار: ذكر ابنه الأكبر عبدا لله "بو نايف" رحمة الله عليه: أنه ومن خلال زيارات الوالد إلى الكويت كان اخيه الحاج المرحوم حسن "بو ناجي" الذي كان يقيم في الكويت قد حاول عدة مرات أن يقنعه ليترك الأحساء والمكوث في الكويت خصوصا بأن الحياة الاقتصادية فيها خلال تلك الفترة كانت منتعشة وكانت هناك عدة فرص استثماريه. وقد حاول إقناعه بأن هناك من ابناء العم و اشخاص آخرين قد قدموا وتوطنوا في الكويت من عوائل مثل الرمضان والبوخمسين والمهنا والشواف وآخرين. وقد كرر وحاول أن يقنعه ولكن رفض الوالد وكان يقول دائما لا يمكن أن اترك الاوقاف التي أنا مؤتمن عليها.
ومن الحالات الملفتة للانتباه أنك ترى إجماع واتفاق أفراد وشخصيات متفاوتة سناً ومختلفة مكاناً على وصف صفات شخصية من الشخصيات إلا إذا اجتمعت تلك الصفات فيه وتحدث عنها الرجال والمجتمع وحفظتها الأجيال. وخلال دراستي لسيرة الحاج علي البحراني احصيت أحد عشر شخصية ممن أُجريت معها لقاءات من أبناء عمومته ومن الأسر الأخرى حول شخصية الحاج وقد أصفقوا بأجمعهم على صفة الهدوء والحلم ومداومة الصلاة والأمانة والتقى والورع والعفة والنزاهة، وهذا مما أدى إلى ترشيحه إلى تولي الأوقاف كما سنتطرق إليه في فقرتنا التالية.
هذا المعنى لم يغب عن مخيلة الشعراء فذهبوا يتغنون بهذه الخصال، وممن جادت قريحتها لرصد هذه الصفات الشاعرة القديرة تهاني الصبيح حيث قالت:
ويؤكد الشعر الجميل جاسم عساكر هذا المعنى في قصيدة له يصف فيها الحاج، نقتبس جزءً منها:
وانطلق حفيده المهندس علي بن أمير البحراني يشعر في حقه:
رعايته للأوقاف وسياسته في إدارتها:
إنك متى اطلعت على رعايته وسياسته في إدارة الأوقاف فسيستوقفك جميل أمانته وحسن سياسته في توثيق المعلومات الخاصة بها وحجم المسؤولية التي حملها على عاتقه لكثرة الأوقاف التي زادت على الــ" 85" وقفاً. لكننا نرجع إلى تاريخ 24/9/ 1376 هـ من وثيقة رقمها 891 حررها العلامة السيد محمد بن السيد حسين العلي. وصدق وحرر العمل على ما جاء فيها العلامة الشيخ باقر بوخمسين حيث جاء فيها:
"وقد عين من قبل الشرع هيئة من بني عمه لانتخاب شخص يتولى الأوقاف ويقوم بعمارتها وصلاح شؤونها وصرف الحواصل في جهاتها ودفع ما للذرية لمستحقه وقد قررت الهيئة المزبورة أن يكون المتولي للأوقاف علي ابن عبدالله ابن ابراهيم البحراني، لكونه عند المذكورين ثقة أميناً وهو قائم بالأوقاف التي تحت يده على أكمل ما ينبغي بناءً على ما زبروا اعتماداً على تقرير الهيئة فقد اعطيناه الولاية على الأوقاف المزبورة".
ويأتي تأكيد هذا المعنى في وصية الحاجة فاطمة بنت ابراهيم البحراني عمة الحاج علي بتوليته على ثلثها وعلى الوقف التابع لها. إلى جانب وثائق أخرى كلها توثق أمانة الحاج علي.
ولكي نقف ونتعرف على رعايته وسياسته للأوقاف علينا أن نعرف خارطة العمل التي اتبعها لتنمية الأوقاف وحفظها:
1- توثيق ملكية الأوقاف:
المتابعة الحثيثة من تسجيل وإثبات الملكية للأراضي والنخيل التابعة للأوقاف وعدم التأخير في المطالبة بها، وإثباتها في الدوائر الحكومية الرسمية. حيث كان ذلك يتطلب المتابعة المستمرة مما أدى إلى أن يعين أكثر من محامي لكسب الوقت والإسراع في التوثيق. من هؤلاء: المرحوم الحاج عبد الله بن محمد البوقرين من بني معن، والمرحوم الحاج السيد علي بن السيد محمد المسلم، والمرحوم الحاج محمد بن سلمان الفهيد.
2- اصلاح الأوقاف
المبادرة لإنقاذ الأوقاف من الخراب: كانت الأوقاف التي استلمها الحاج علي بن عبدالله البحراني متضرره بشكل كبير حتى أن بعضها قد اشرف على اليباس والموت، كما ذكر الحاج "محمد بن احمد البحراني من خلال "مقابلة مسجلة" ولقد اتخذ عدة اجراءات لإنقاذ الوضع القائم لتلك الاوقاف. وفي هذا الصدد تم الاستعانة بأصحاب الخبرة المشهود لهم وذلك لمساعدته في إدارة الوقف، من أمثال الحاج المرحوم احمد المازني والذي له شهرة في مهنة الزراعة وتمت الاستفادة منه من أجل إصلاح النخيل وإعمارها وإرجاعها إلى الحالة الطبيعية.
3- تنمية موارد الأوقاف: ويأتي في هذا الصدد عدة خطوات:
- متابعة تعويضات هيئة مشروع الري والصرف بالأحساء، كما هو معلوم عند بداية مشروع الري والصرف بالأحساء في عام 1965م قامت الهيئة بنزع ملكية المزارع التي تواجه خطط ومواقع المشروع بدون استثناء.
- استثمر الأموال الفائضة لشراء بعض المنازل لتنمية موارد دخل الأوقاف، من المبالغ المستلمة من هيئة مشروع الري والصرف مقابل تعويض نزع الملكية ومن الأموال الفائضة من بيع المحاصيل الزراعية مثل الأرز الأحسائي ( الرز الحساوي ) الذي يباع إلى محمد بن علي بوهويد وأخيه ياسين وإلى طاهر بن خليفة الصالح. أما بالنسبة للتمر فكان يباع في السوق عن طريق ناصر بن حسين المبارك. ولتنمية موارد الوقف تم شراء "6" ستة منازل في أحياء مختلفة.
- وضع خطه لبناء الأرض التابعة لأوقاف جده ابراهيم الواقعة في شارع الفوارس وقد تم الاتفاق المبدئي على بنائها مع المقاول المعروف معتوق الشبعان "بو احمد" محلات تجاريه بسبب الموقع الاستراتيجي لها. وقد تم زيارة الموقع أكثر من مره لوضع اللمسات الاخيرة والمخطط. ولكن لم يتمكن يرحمه الله بتنفيذ هذا المشروع. حيث تم بعد ذلك تأجير الأرض بكاملها كمستودع ومحلات تجاريه.
4- منع التعدي على الأوقاف:
الوقوف والتصدي بكل حزم لمن حاول التعدي على بعض الأوقاف، برفع ومتابعة بعض القضايا في هذا الملف، فقد ذُكِرت حالات تم فيها الاستيلاء على بعض هذه الأوقاف، وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى تم تجاوز هذه الحالات وقد صدرت صكوك شرعية تثبت ملكية الأراضي والنخيل وأحقية الأوقاف التابعة لجد علي الحاج إبراهيم "رحمه الله".
5- صرف ايرادات الأوقاف:
تم صرف ريع الأوقاف في وجوه الخير ونشر المعارف الدينية في عدة قنوات:
- نصب المآتم الحسينية والقراءة على الإمام الحسين والأئمة الأطهار عليهم السلام، ومن الخطباء الذين اتفق معهم: المرحوم الحاج الملا طاهر البحراني، والحاج المرحوم الملا عبدالله السلمان الناصر من المنصورة، والملا جمال الخباز من القطيف، والملا علي الراشد من غمسي، والملا سالم من المحمرة، والملا المرحوم حجي الراشد من غمسي، والملا المرحوم محمد الرمضان، وكان يقدم "البركة" في وفيات الأئمة الأطهار عليهم السلام.
- القيام بأعمال البر الخيرية والاضاحي وتوزيعها على الفقراء.
- أعمال موصى بها كقراءة القرآن والصيام حسب الوصايا المكلف بها.
6- توثيق الحسابات الإيرادات والمصاريف وتنظيمها:
وكنوع من الشفافية والتوثيق، فقد كان حريصاً على تسجيل جميع إيرادات الوقف ومصروفاته بطريقة رائعة ومرتبة كما تدل السجلات على ذلك. وفي هذا الصدد استعان بالحاج السيد عبدالله بن السيد هاشم الهاشم، وأخيه الحاج السيد حسين، وذلك للقيام بالتسجيل في الدفاتر "مجلدات". وكان يحرص في ختام السنة الهجرية على الذهاب إلى السيد العلامة محمد بن السيد حسين العلي قاضي المواريث في ذلك الزمان للاطلاع على جميع الحسابات ويراجعها معه. ومن ثم يعلق عليها سماحته ويكتب " علي ولد عبد الله مصدق فيما يقول وأنه موثوق لدينا" ثم يعتمد سماحته ما جاء ويذكر أن الحاج علي معروف بالتقوى والورع ويختم بختمه الشريف.
ولقد اتبع الحاج علي اسلوبين في التوثيق، السجلات اليومية والسجلات السنوية. تشير السجلات التي بين أيدينا أن هناك سجل يومي لكل وقف وآخر سنوي. وهذا منتهى الشفافية ولكي لا ينسى أي شاردة أو واردة من ايرادات ومصاريف الأوقاف.
السجلات اليومية: وكمثال نأخذ سجل " نخل غزالة": يوضح السجل المصاريف من بداية الشغل من الحَشَاشْ وحرث الأرض وتنزيل الثلة " والثلة هي الحشائش وليف النخيل والكرب والسعف يجمع في كومة أو أكوام" في وسط الحيال والتطبين " حرق سعف النخيل والكرب وغيرها"، وتوصيل قنوات الماء إلي وسط النخل وسقي الحيال " قد يكون النخل كله حيال واحد أي قطعة واحدة وقد يكون عدة حيالات بينهما طرق ضيقة للمشي" ودفن الطبائن وتنزيل البيبات وهي مواسير المياه، ووضع العطن (السماد) و ونثر وزرع البذر وبناء البـِــرَكْ والمشاريب. ويأتي تفصيل البيانات كالتالي:
١- كل يوم عمل مفصل بمصاريفه لوحده في جدول (مصاريف يوميه).
٢- كل خطوات الأعمال في نخل غزاله مثل الحشاش وبط الكرب وغرس الفسائل والبذور... حسابه لوحده في جدول. ( خطة توضح تكلفة كل بند من الأعمال لمعرفه كل بند على حدة )
٣- جدول يوضح بيان جرد الأعمال بالكامل مع المصاريف .
٤ - توثيق المصاريف بشهود.
السجلات السنوية: وفيها اسماء النخيل والقائمين عليها من الكدادين وانواع التمور كالخلاص والحاتمي والرزيز، والمستلم منها "الداخل" كل باسمه وكذلك الرز " العيش " بشيء من التفصيل. وفيه أيضاً بيان تصنيفي بمجموع الداخل من التمر و بيان تصنيفي بمجموع الداخل من العيش " الرز ". نرفق صفحة من دفتر لسنة ١٣٨٧-١٣٨٨ يوضح جميع المستلم (الداخل) والمباع من الرز. ويلاحظ في الصور المرفقة بيان مقاييس ومكاييل ذلك الزمن كالموسمية تعادل 240 كيلو جراماً، أما الجياسة فتساوي 10 كيلوجرام.
7- المعاملة الحسنة مع المستأجرين والكدادين:
دأب في معاملتهم بالحسنى، فكان الفلاحون يأنسون به حيث كان لا يثقل عليهم في أجرة (الكدادة) وكان معروفاً بدعائه لهم بالبَرَكة والزيادة، فقط يدفعون المتفق عليه ويترك لهم الاستفادة من النخل بكامله.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نسأل الله سبحانه أن يترحم على الحاج علي بن عبدالله البحراني ويوفق أبنائه لمتابعة ومواصلة الطريق الذي سلكه والدهم. ورحم الله مؤرخنا الكبير الأديب المؤرخ المرحوم الحاج جواد الرمضان حيث قال في حق الحاج علي: بحكم مجاورته للمسجد كان حريصاً على الصلاة بالمسجد، وكان آخر من يخرج من المسجد" " بل كان عنده مفتاح المسجد وكان قليل الكلام" " تولى الإشراف على أوقاف أسرة البحراني.
جديد الموقع
- 2024-04-24 الحاج معتوق الهدلق "ابو نعيم "قي ذمة الله ( إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاْجِعُوْنَ)
- 2024-04-24 أمسية حوارية للقاص والروائي طاهر الزارعي وتوقيع مجموعته القصصية الرابعة
- 2024-04-23 كل ما تملكه ليس لك
- 2024-04-23 الملتقى الثاني للتعريف بالماعز القزم بالمطيرفي
- 2024-04-22 بعد أن تتعرض للإهانة، اكتب مشاعرك على قصاصة ورق ثم تخلص منها وهذا من شأنه أن يحد من مستوى شعورك بالغضب
- 2024-04-22 مراعاة الزمن مع الأسئلة في اختبارات أعمال السنة
- 2024-04-22 نظرية أثر الفراشة في 80 لوحة تشكيلية
- 2024-04-22 احتفالية توقيع كتاب تنتهي بتوصية استثمار جبال الأحساء
- 2024-04-22 المريحل تحتفي بعقد قران نجليها ( حسين وحسن )
- 2024-04-22 رشفة من الإبداع ونور الحياة في النورس الثقافي بالاحساء