
2019/09/29 | 0 | 2862
سماحة الشيخ حسين العباد :فضل البكاء على الإمام الحسين (ع).
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 ـ 28.].
لا زال الحديث حول ما روي عن الإمام الرضا (ع) في كلامه مع ابن شبيب : «ولقد بكت السماوات السبع والأرضون لقتله». [الأمالي، الشيخ الصدوق: 130.].
وقد تحدثنا عن هذه الرواية طيلة الأسابيع الثلاثة الماضية، وبلغنا هذه العبارة، التي تبين بشكل صريح أن السماوات السبع والأرضين قد بكت لقتل الحسين (ع).
إن المتتبع للتاريخ يلاحظ أنه لم يحدث ولن يحدث تغيير في الكون لحادثةٍ ما قبل الحسين (ع) على الإطلاق، إلا في حادثة واحدة، وهي قتل يحيى بن زكريا، بشكلٍ أقل. فهاتان الحادثتان لم يحدث في غيرهما أن أمطرت السماء دماً، من آدم حتى يومنا هذا. بالخصوص في ما حصل للإمام الحسين (ع) من حيث التنوع والكثرة.
وقد أكد الأئمة (ع) ما حصل، كما نقله الكثير من الصحابة والتابعين، فقد ذكروا أن السماء أمطرت دماً، وتغيرت السماء والكواكب، لم يرفع حجر في بيت المقدس ـ بل في العالم ـ إلا وجد تحته دم عبيط، وصار الوَرْس[نبت أصفر يُتّخذ منه الطيب والأصباغ] الذي في عسكرهم رماداً، وغير ذلك من الظواهر الكونية الطبيعية التي لم تحصل إلا في تلك الحادثة.
فالنظام الكوني يخضع كلياً لإرادة الله تعالى، ولا دخل للبشر فيه، فلا يتغير إلا إذا حصلت آية يجعلها الباري تعالى، ومن ذلك إذا حدثَ حدثٌ له أهمية خاصة تناسب مع التغيّر الذي يحصل. وليس هنالك ما هو أعظم من قتل الحسين (ع). والروايات الواردة لدى الفريقين تؤكد ذلك.
فمن ذلك ما ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : «بكت السماء على الحسين أربعين يوماً بالدم». [مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب4: 54.]. أي أنها بكت منذ يوم مقتله إلى أن عادت السبايا إلى كربلاء، ووقع ما وقع يوم الأربعين. فهذه الفترة كانت فترة مأساوية مرت على أهل البيت (ع) في طريقهم إلى الكوفة ثم إلى الشام ثم في عودتهم إلى كربلاء.
وفي رواية أخرى في الأمالي، بسنده إلى جعفر بن محمد الصادق (ع) أنه قال : «إن أبا عبد الله الحسين (عليه السلام) لما قتل بكت عليه السماوات السبع والأرضون السبع، وما فيهن وما بينهن، ومن يتقلب في الجنة والنار، وما يُرى وما لا يُرى». [الأمالي، الشيخ الطوسي: 54.].
فلم يقتصر البكاء على الإنس والسماوات والأرض، بل تعداه إلى الجن، وسكان الجنة والنار، وما يُرى وما لا يرى. وذلك لعظم المأساة وثقلها.
ومما ورد في ذلك ما جاء عن الإمام الباقر (ع) أنه قال : «بكت الإنس والجن والطير والوحش على الحسين حتى ذرفت دموعها».[كامل الزيارات، ابن قولويه: 79.]. وهي حالة معبرة عن حادث عظيم غيّر وجه التاريخ.
وهنالك روايات أخرى وردت من غير طرق أهل البيت (ع) وهي كثيرة أيضاً، منها ما في الصواعق المحرقة وينابيع المودة عن ابن الجوزي، عن ابن سيرين : «أن الدنيا اظلمّت ثلاثة أيام وظهرت الحمرة في السماء». [ينابيع المودة ،القندوزي الحنفي3: 20. الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي المكي: 194.].
وفي رواية أخرى عن معمر، قال : «أول ما عُرف الزهري أنه تكلم في مجلس الوليد، فقال الوليد: أيكم يعلم ما فعلت أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين؟ فقال الزهري: بلغني أنه لم يقلب حجر إلا وجد تحته دم عبيط». [سير أعلام النبلاء، الذهبي3: 314. المعجم الكبير للطبراني3: 113.].
وفي ينابيع المودة، عن أبي سعيد الخدري : قال: «ما رُفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط، ولقد أمطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب حتى تقطعت». [ينابيع المودة، القندوزي الحنفي3: 20.].
والكتب التاريخية والوثائق ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ تثبت هذه الواقعة، وهناك مصادر متخصصة في ذكر الحوادث التي حصلت في الكون من بعد السيد المسيح، ومنها كتاب : «وقائع عصر الأنغلو ساكسون،» الذي تم طبعه عام 1996م، حيث يذكر ما حصل في سنة 685 م التي تصادف 61 هـ ، وهي السنة التي قتل فيها الإمام الحسين (ع).
يقول هذا الكتاب في ص38 : «هنا في بريطانيا مطرت السماء دماً وتحول الحليب والزبدة إلى دم، أو صار لونها أحمر».
فالحادثة لم تكن مقتصرة على كربلاء، وهذه مؤكدة عندنا ولا نحتاج لدليل آخر، إلا أن ما ذكره هذا الكاتب كان تأكيداً للروايات والأخبار التي وردت بهذا الخصوص.
ثم يقول الإمام الرضا (ع) لابن شبيب : «يا ابن شبيب، إن بكيت على الحسين حتى تصير دموعك على خديك، غفر الله لك كل ذنب أذنبته صغيراً كان أو كبيراً، قليلاً كان أو كثيراً».
إن البكاء على الحسين (ع) الذي يكون سبباً للمغفرة لا بد أن تعقبه التوبة، وليس مع الإصرار على الذنب، وهذا هو المقصود من الروايات التي تنص على أن البكاء سبب في غفران الذنوب. فالدمعة طريق من طرق الاستقامة التي وُفقتَ إليها أيها المؤمن.
في ثواب الأعمال للشيخ الصدوق، بسنده عن محمد بن مسلم، عن الإمام الباقر (ع) قال : «كان علي بن الحسين يقول: أيُّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين (ع) حتى تسيل على خده، بوأه الله تعالى بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً. وأيُّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديه، فيما مسنا من الأذى من عدونا في الدنيا، بوأه الله منزل صدق. وأيُّما مؤمن مسه أذى فينا فدمعت عيناه حتى تسيل على خده من مضاضة أو أذى فينا، صرف الله من وجهه الأذى وآمنه يوم القيامة من سخط النار». [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق: 83.].
هذه بعض ثمرات البكاء على الحسين (ع) وما يترتب عليه من ثواب عظيم، مع الشروط واللوازم المطلوبة.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع) أنه قال : «تجلسون وتتحدثون؟ قال: قلت: جعلت فداك، نعم. قال: إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، إنه من ذَكرنا وذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذبابة غفر الله ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر». [ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق: 187.].
وعن أبي هارون المكفوف عن الإمام الصادق قال : «من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدموع مقدار جناح ذباب، كان ثوابه على الله، ولم يرض له بدون الجنة». [وسائل الشيعة، الحر العاملي14: 507.].
ونذكّر مرة أخرى أن ترتب الثواب على البكاء مشروط بشروط ولوازم، وليس كل من بكى على الحسين (ع) نال ذلك الثواب، وإلا فإن عمر بن سعد أيضاً بكى على الحسين (ع) يوم الطف. وبعض قتلة الحسين (ع) كان يسلب من بنات الحسين (ع) حليّهن ويبكي، فهل هناك ثمرة ونتيجة لتلك الدمعة؟ بالتأكيد لا يترتب عليها شيء لأنها فاقدة للشروط واللوازم.
وفي الخصال، عن علي (ع) : «كل عين يوم القيامة باكية، وكل عين يوم القيامة ساهرة، إلا عينَ من اختصه الله بكرامته، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمد (ع)». [الخصال، الشيخ الصدوق2: 625.].
فمن بكى على الإمام الحسين (ع) لا تبكي عينه يوم القيامة، جزاء لتلك المواساة للحسين (ع) وأهل البيت (ع) وأن لا تكون عينه ساهرة يوم القيامة.
وفي الأمالي للصدوق عن الإمام الرضا (ع) : «فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء يحط الذنوب العظام». [الأمالي، الشيخ الصدوق: 128.]. وعن الإمام الصادق (ع) قال : «من ذُكرنا عنده ففاضت عيناه حرّم الله وجهه على النار». [كامل الزيارات، ابن قولويه: 104.].
والروايات في هذا الباب كثيرة، أكتفي بما ذكرته. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 " آل الشيخ ولي العهد صانع تاريخ وباني مجد
- 2025-05-14 " آل الشيخ ولي العهد صانع تاريخ وباني مجد
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأحد أصدقائه
- 2025-05-13 سيري أليام
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يرعى حفل ختام النسخة الثانية من برنامج علماء المستقبل ويكرم الطلبة المشاركين
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يرعى حفل ختام النسخة الثانية من برنامج علماء المستقبل ويكرم الطلبة المشاركين
- 2025-05-13 والشعراء يمخرون بحر الطويل بأشرعة خافقات