2008/02/28 | 0 | 731
جابر بن عبد الله الأنصاري
تقبل آخر وهو أن أهل البيت عليهم السلام معصومون ومفترضون الطاعة ، وأن الإيمان بأسرارهم من الضروريات ، وأنهم منصوص عليهم من قبل الله سبحانه ، وهذا ما يدين به جابر عليه الرحمة ، فكان يحب أهل البيت بشكل خاص طبقاً لما قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
والحب عند أمثال جابر على نوعين : خطاب لا يخفى عليه أحد حيث يستخدم خطاب الشوارع ؟! بأن يقف جابر عن مفترق طرق ، ويبدأ بذكر الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حق أهل البيت ، فيخاطب به المارة والناس الذين يمشون في الشوارع علنا جهارا ، فيقول : ( يا معشر الناس أدبو أبناءكم على حب علي أبن أبي طالب ، ومن لم يحب عليا فلينظر في أمر أمه ) كمثل أبي ذر ، فقد كان يقف بجوار الكعبة ، ويخاطب الناس ، ويذكر مظلومية أمير المؤمنين عليه السلام أمام الزائرين حتى أخذ الشيعة هذا الأسلوب فأصبح منهجا لهم ، وذلك لإظهار مظلومية الحسين عليه السلام كما هو واضح اليوم في قنوات التلفزة من الزحف المليوني لزيارة أبي عبد الله الحسين عليه السلام ليعلنوا ولاءهم ، وقد تأثر الكثير ممن يشاهد هذه المشاهد ، وانتشر التشيع بشكل واسع جداً بسبب تلك المسيرات التي لا تنقطع في زيارة الحسين عليه السلام . والنوع الثاني هو أن ما يفعله هو تكليف شرعي ، وذلك بإظهار المحبة لأهل البيت عليهم السلام مهما كانت الظروف وليسقط التكليف إذا وجدت الاستطاعة ، ويُنقل أن جابرا لما ذهب بصره لم يكف عن الوقوف في الطرقات ، فكان يأمر أحدهم ليوقفه في طريق الناس ، وهو أعمى ، ويحدث عن فضائل أهل البيت عليهم السلام .
v العلم النوراني عند جابر .
العلم النوراني هو ذلك العلم الذي يصل له لإنسان بفضل الله حتى ينكت في قلبه ، ولا يحتاج لتعليم من أحد ، وذلك معتمداً على درجة يقينه بالله سبحانه ، فكلما زاد يقينه زاد علمه النوراني في قلبه ، فقد جاء جابر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، فكان المهاجرون قد تركوا ما عندهم من منازل وأموال وغيرها حتى شعروا بالغربة ، فآخى رسول الله صلى الله علي وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار ،وأمرهم رسول الله صلى الله علي وآله وسلم أن يقاسموهم أموالهم ، وبعض المهاجرين كان يملك بعض الشيء ليعطي الأنصار ، ولكن جابر كان لا يملك إلا حاجة يومه ، فلما أخاه مع أحد من الأنصار ، قاسم الذي عنده مع الأنصاري ، فكان شديد اليقين بالله سبحانه ، وكان مصداقا لحديث الإمام الصادق عليه السلام : (من أمن بالخلف جاد بالعطية ) ، فخصه الله سبحانه بأن أعطاه العلم النوراني داخل قلبه ، ومتى يكون الإنسان عنده علم نوراني ؟ إذا انعكس ذلك في سلوكه و أخلاقة وتعامله مع الغير ، فهناك علم لا يصل إلا باليقين بالله ، وهذا ما فعله جابر ، وهناك علم لا يقبله المعاند حتى لو رآه بعينيه ، وهناك علم لا يعرفه جاهل . وهناك مثال آخر على علم اليقين فقد كان أحد الرجال يقال له عبد الله قد أنفق ألفا من الغنم في سبيل الله ، فقالوا له : ألا تخاف العيلة – الفقر – ؟ فقال :إني عودت الله أن أجود بما عندي ، فعودني أن يعطيني أكثر مما أعطيت ، فأخاف أن أقطع عادتي ، فيقطع الله عادته .
وهنا سؤال من أين لأهل البيت عليهم السلام الأموال الطائلة أحياناً ؟
إن الله فرض على أمة محمد صلى الله علي وآله وسلم الخمس من أموالهم في حق ذي القربى ، فكانت المناطق البعيدة مثل هجر وغيرها تقدم زكاة أموالها وأخماسهم لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فيكون عندهم المال الكثير أحياناً ، فينفقونها في سبيل الله ، وهناك خبر أكبر من هذا أن الأئمة عليهم السلام يملكون الدنيا بأسرها ، وما نحن ألا مخولين منهم بالتصرف بما تحت أيدينا من عقار أو أملاك ورغم ذلك لا يأخذون منا إلا عشرين بالمئة من الملك كله .
v زهد جابر بن عبد الله الأنصاري .
فقد كان بعيداً عن زخارف الدنيا وزبرجها ، وكثيراً ما كان يتمنى الموت على الحياة ، ويصيح بالناس من يبيع الموت كي أشتريه ، وهذا ليس جزعاً ، وإنما شوقاً للقاء الله سبحانه وتعالى كما ذكر في القرآن الكريم : { فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } . وهذه سيرة أهل البيت عليهم السلام التي تخرج منها جابر ، فقد قالتها السيدة الزهراء عليها السلام بعد ما جاءت مكسورة الخاطر ممن غصبـــــوا حقها في المسجد وقالت : ( ليت الموت أعدمني الحياة ) . وقالتها ابنتها الجليلة زينب عليها السلام حينما رأت مصرع الحسين عليه السلام في كربلاء ( ليت الموت أعدمني الحياة ) ، فكان لجابر من العلم أن أدرك حقيقة الآية الكريمة التي تقول : { إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ } . فكان لها تفسير ظاهري يعلمه الناس ، وكان لها تفسير باطني وهو الرجعة ما بعد الموت ، فكان جابر على يقين برجعة الأئمة عليهم السلام وأخذ الحق لهم ، وقد كان لا يعلم بهذا السر إلا قليل من الصحابة والحديث الشريف يثبت ذلك بقوله : ( انتهى علم أهل البيت إلى أربعة : سلمان الفارسي ، وجابر بن عبد الله الأنصاري ، و السيد – الحمير - ..... ) .
ومما يدلل على يقين جابر أن الباقر عليه السلام بعث جابر بن يزيد إلى جابر ، فما أن طرق الباب ، فقال له جابر : صبراً صبراً يا جابر بن يزيد !!! فكيف علم أن خلف الباب جابر بن يزيد ما لم يكن عنده علم سببه اليقين بالله ، وأقد أنكته الله في قلبه ، وقد كان لجابر منزلة في نفوس أهل البيت عليهم السلام بأن يزوره ويأمروا أبناءهم بتقبيل جبين جابر ، وقد قال الكشي : كان جابر من أصفياء الصحابة ، وكان من شرطة أمير المؤمنين عليه السلام بما يعبر عن اليوم بفدائي عن أمير المؤمنين بحيث يكون سيفه معلقا على عاتقة لا يدخله غمده دفاعاً عن أمير المؤمنين عليه السلام .
وفي يوم الأربعين سجل جابر اسمه وخلد في زيارة الحسين عليه السلام بزيارته للحسين ، وهناك سؤال مهم وهو كيف علم جابر بمقتل الحسين عليه السلام رغم أن خبر مقتله لم يصل إلى المدينة إلا في ربيع الأول ؟
التأويل الأول أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرهم بقتل الحسين عليه السلام قبل وفاته ، و في أي يوم ،وفي أي زمان ، فمنهم من أعطاه قارورة بها تراب كربلاء كأم سلمة التي تحولت القارورة دما بعد مقتل الحسين عليه السلام ، ومنهم جاءه في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ابن عباس ، حينما جاءه أشعث أغبر قائلاً : قتلوا ولدي . فمنذ ذلك اليوم الأول تحرك جابر متجهاً إلى العراق ، وقد يكون لجابر العلم النوراني لمعرفة مقتل الحسين عليه السلام فرحمك الله يا جابر بن عبد الله الأنصاري .
تلخيص الاستاذ زاهر العبدالله
