2008/01/10 | 0 | 688
تجليات قلبية الليلة الأولى من محرم 1429هـ
وكذا من الرضا إلى السخط ، وكذا يتقلب بين الخوف والرجاء ، وأيضاً من حالة الكفر ، والسخط ، الفساد ، إلى الاستقامة والرضا والعمل الحسن والعكس بالعكس على مختلف الأصعدة المتنوعة . وإن ما يعتري الإنسان من هذه التغيرات المختلفة ليست من ذات القلب بل هي نتيجة ما تأثر به القلب مما لاقاه من حوله من ظروف ومتغيرات مختلفة . وما قاله أمير المؤمنين عليه السلام في مضمون كلامه ( لقد علق بالإنسان بضعة أعجب ما تكون عليه وهو القلب . ففيه أضداد . إن أسعده الرضا نسي التحفظ ، وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع ، وإن غاله الخوف شغله الحذر ) . هنا يأتي سؤال مهم وهو ، ما سبب كل هذه الأضداد في قلب الإنسان ؟ الجواب : هذه استجابة طبيعية للعوامل التي تثار من حوله فيتعامل معها على حسب ما عقد عزمه على فعله إن كان شراً أم خير فتنعكس على القلب . ولذا يجب على الإنسان أن يراعي قابلية القلب . حيث يكون لا إفراط ولا تفريط , ولأن القلب سريع التأثر لمن حوله .القلب هو الحقيقة التي تبقى بعد موته . فالقلب أشبه بالصندوق الأسود الذي يكون في الطائرة حيث يعرف كل ما دار من حوارات بتفاصيلها قبل سقوط الطائرة . ولذ القرآن ركز على القلب وكذا الروايات التي جعلت القلب مسئول عن جميع الحواس والقلب يتحمل ما يذهب له الإنسان من أفعال . كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ، ولا إلى أموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم ) . بحيث أن البخل مثلاً ليس من الشيم و الأخلاق . وهذا ما يسمى بالتوجيه أو التصحيح المباشر . ولكن هناك أمور لا تتم بهذا التوجيه البين و الواضح بسبب عدم الوضوح في التشخيص . فتحتاج لتبيان القرآن وروايات أهل البيت عليهم السلام لأنها باختصار ليس لها قاعدة عامة مباشرة . كما أن الحديث يلفت النظر إلى الذين يختزلون نظرهم في آذانهم بدون أن يتأملوا في أبعاد القضية وحيثياتها . فيحكمون على الأشياء بدون بينة واضحة جلية وهذا خطأ فادح حيث يجب النظر إلى القلب بتأمل كما حثت عليه الروايات وهذا ما تميز به أصحاب الإمام الحسين عليه السلام . مثال يوضح المعنى أن بن عباد حاول أن يسمه أحدهم في أكل معين فحذروه أصحابه وقالوا أن هذا الرجل أراد أن يسمك فقال لهم : هل كشفت ما في قلبه قالوا: لا ولكن نثبت ذلك أجعل هذه الدجاجة تأكل من الأكل الذي أراد أن يعطيك إياه فإن ماتت علمت صدق كلامنا وإلا فلا . قال بأي مسوغ شرعي أقتل دجاجة من غير الأكل . فأعفى عن الرجل . ولذا سنركز بحثنا في هذه الليلة عن أربع تجليات قلبية سنوضح كل واحدة بشئ من الأمثلة وهي : [تجلي المحبة للإمام الحسين عليه السلام + تجلي التوبة + تجلي الصبر و التحمل + تجلي الولاية والطاعة للإمام المفترض الطاعة ] .1. تجلي المحبة للإمام الحسين عليه السلام : ماذا تعني المحبة التي تميز بها أصحاب الحسين عليه السلام ؟ خذ هذه الأمثلة لتعرف الجواب .الرجل الذي التقى بالإمام الحسين قبل وصوله كربلاء بعدة فراسخ قليلة فدار بينهما حوار فأنظم إلى أنصار الحسين عليه السلام بكل حب بالرغم أنه لا يملك حتى حذاء يمشي به على الأرض يقيه من حرارة الشمس . لا شيء يجبره على ذلك سوى الحب للإمام الحسين عليه السلام .مثال ثاني / أبو الهيثم سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله بأن هناك أحداث ستجري في كربلاء ستكون نهايتها الجنة مع الحسين عليه السلام . فسكنها بالرغم أنها كانت صحراء قاحلة إلى أن يأتي ذلك اليوم الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .لم يكن ذلك إلا الحب المستميت في الحسين عليه السلام . خذ مثال أخير وهو : عابس بن شبيب الشاكري المعروف بالشجاعة في كربلاء رموه الأعداء بالحجارة كي يعوقوا تقدمه . فنزع درعه واستقبل الحجارة بجسده . فسأله القوم :أجننت يا عابس ؟ قال حب الحسين اجنني .2. تجلي التوبة : ماذا تعني التوبة ؟ تعني تطهير القلب . والطهارة تعني : خلو النفس من كل دنس أو ذنب يرتكبه الإنسان . حيث أن هناك آداب التخلي تقابلها آداب التحلي وهما جانبان متوازيان . و الطهارة هي خلو القلب من كل دنس تقابل خلو الجسد من كل نجس .و الطهارة عند الأولياء عليهم السلام أي خلوهم من كل زلال أو ذنب أو مكروه . فهم طاهرون منقون من كل المعاصي والآثام . وهذا مطلب الأحرار وقدوة المتقين وملاذ المحبين أن تكون هذه الصفات للأولياء فيزيد انجذاب الجماهير لشخصياتهم المباركة عليهم السلام .ومن جانب آخر تميز الأولياء عن غيرهم من عامة الناس . مثل المسجد تميزه عن المنازل فهذه بيوت الناس والمساجد بيوت الله لها حرمتها ومكانتها في قلوب المؤمنين . وهناك حديث قدسي يقول [ لا تسعني سمائي ولا تسعني أرضي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن ] وكذا ما قاله الله سبحانه لداود عليه السلام حينما قال له : أفرغ لي بيتاً قال أي رب أنت أجل من أن يحدك بيت فقال له: أفرغ لي قلبك ] . وما معنى أن يكون القلب مسكن لله سبحانه ؟ لأن الصفات الإلهية والقيم الأخلاقية تخرج من هذا القلب الرحيم مثل الإمام الحسين عليه السلام حينما بكى على أعداءه وقيل لما تبكي ؟ قال أبكي لأن هؤلاء يدخلون النار بسببي . وكذلك حينما قدم للفقير كل ما عنده في المنزل وقال له : وأنا عليك ذو شفقة . وما فعله زهير ابن القين الذي كان عثماني الهوى بكلمات من الإمام الحسين أعلن توبته ونصرته المظلوم أبا عبد الله الحسين عليه السلام وهو سيد قومه . كل ذلك لوجود النيات الصادقة والعقيدة الصحيحة فيهم أي أصحاب الأمام عليه السلام .3. تجلي الصبر والتحمل : إن الإنسان يكون في أوج أنسه إذا صبر على مصائب الدهر . مسلماً أمره لله فكيف إذا كان مع الحسين عليه السلام . فوجوده مع الحسين هو ارتباط بالله سبحانه . فينار قلبك بحب الله سبحانه وأولياءه الكرام ثم تجد نفسك أنك تحب الناس جميعاً وتبتغي السلامة لهم في دينهم ودنياهم لأن قلبك ملئ بحب الله سبحانه .مثال : بشر الحضرمي كان رامي السهام في معسكر الحسين عليه السلام . فجاء أحدهم وهمس في إذنه فبكى فرآه الإمام الحسين عليه السلام ووضع يده على كتفه وقال له : مما بكاؤك ؟ قال : قيل لي بأن ولدي أسره الروم فبكيت. قال له: الإمام أنت في حل من بيعتي أذهب وفك أسر أبنك . فقال : أكلتني السباع إن أنا فارقتك يا سيدي . ومن أروع ما سجله التاريخ في كربلاء الذي يمثل تمام الرضا والتسليم لله ما قاله سيد الشهداء الحسين جعلها صرخة تدوي في جبين التاريخ وهي ( هون ما نزل بي أنه بعين الله ) وهذا هو حق اليقين بالله سبحانه . والتعرف لهذا المعنى ما قاله أمير المؤمنين عليه السلام ( لو كشف لي الغطاء ما ازددّت يقينا ) .
تجلي الطاعة للأولياء الذين فرض الله علينا طاعتهم وولايتهم : وأروع من يسجل في هذه الخانة هي السيدة زينب عليها السلام التي ضربت رقم قياسي في تمام الطاعة لإمام زمانها والتزام نهجه وتعاليمه حينما حمـّلها رعاية الأيتام والصبر على المصاب حتى أنه قال من يقدم لي الجواد فقدمته بيدها له . فبحق الله هل رأيتم امرأة تقدم فرس المنية لأخيها أبداً إلا زينب فخر المخدرات العظيمة لتخبر الناس هذا أمره أمر الله وطاعته مفروضة عليّ . وكذا بعد حرق الخيام حينما تطايرت الأطفال والنساء في كل جهة ذهبت إلى إمام زمانها زين العابدين رغم أنه يصغرها سناً لتخبر العالم كله أنه هو الإمام بعد أبيه فقالت: يا أبن أخي ماذا أصنع ؟ فقال لها أجمعي النساء والأطفال في خيمة واحدة فالتزمت وأطاعت إمام زمانها وامتثلت أمره . وحملت أللآلام و الصعاب في دخولها مجالس الأعداء فالسلام عليك يا حوراء وعلى جدك وأبيك وأمك و أخيك ورحمة الله و بركاته .
تلخيص الاستاذ زاهر العبدالله
