2008/02/25 | 0 | 1322
المحاضرة السادسة : الامام الرضا عليه السلام
بعد هذه المقدمة سنجد في البحث في النقاط التالية :
1 / أسباب انتشار التشيع بشكل واسع .
2 / وجه الشبة بين أمير المؤمنين عليه السلام والإمام الرضا .
3 / أقوال أحمد بن حنبل في التشيع ، وكيفية انقلابه .
من أسباب انتشار التشيع بشكل واسع وغير طبيعي كثرة الأخطاء التي يجدونها في التيارات الفكرية الأخرى وكثرة التناقضات فيها ، ولذا لا نأسف كثيراً على من يبتعد عن خط أهل البيت عليه السلام ، لأنه بعد مدة من الزمن تكون العودة وصحوة الناس لخط أهل البيت عالمياً ، ومن الأسباب أيضاً التمهيد في المدن والقرى لنشر علوم أهل البيت عليهم السلام ، وذلك بإرسال السفراء الأقوياء الأتقياء الذين ينشرون فكر أهل البيت عليهم السلام بأخلاقهم وسلوكهم و تعاملهم مع الناس في مختلف الأصعدة ، ويكونون منارة هداية للضعيف والقوي ، ونأخذ مثالا أنه في زمن أمير المؤمنين عليه السلام كان من بعد النظر و التطلع إلى المستقبل ما جعله يخطط لمصلحة الإسلام ، فقبل خلافته عليه السلام حَث أصحابه على المشاركة في الحروب ، وأرسل السفراء الأتقياء الأقوياء في الدين والشجاعة والعلم إلى الكوفة التي ستكون في عام خمسة وثلاثين للهجرة عاصمة له ومنهم كميل بن زياد ، و مالك بن أشتر النخعي ، وصعصعة بن صوحان ، وغيرهم من الأتقياء الذين بذلوا الجهود لنشر الوعي والعلم ومحبة أهل البيت والولاء لهم وإتباع منهجهم بحيث كل شخص في مجاله حتى أصبحت الكوفة أغلبها شيعة محبة لأمير المؤمنين ، وما أن تسلم الخلافة أمير المؤمنين عليه السلام أصدر قراراً مستعجلاً بنقل خلافته إلى الكوفة رغم معارضة بعض الصحابة ، ومحاولتهم صرف نظر أمير المؤمنين عليه السلام عن ذلك إلا أنه أعلم منهم ، ونفذ قراره لما يعرف بأنه لو بقي في المدينة لحاصروه ، وحددوا نشاطه ، وجعلوه في عزلة ، ثم بدأ يرسل الولاة الأتقياء المؤمنين ، ويوليهم الأمصار لنشر العدل وبسط الأمن في الرعية . وهذا ما عمله أو شابهه حفيده الإمام الرضا عليه السلام في بغداد في أيام خلافة هارون الرشيد ، فمنذ أيام خلافة أمير المؤمنين عليه السلام كان في الأنبار التي تبعد مسافة قليلة عن بغداد التي ذهب إليها سلمان المحمدي ومهد الطريق ، ونشر علوم أهل البيت عليهم السلام ، وأصبحت مدينة الأنبار كلها شيعة موالية لأهل البيت عليهم السلام عبر ممر تاريخ الأمة ، ثم بدأت بغداد التي جعلها هارون الرشيد عاصمة له ، والتي بنى فيها قصوره تنهال عليها جموع المواطنين من كل مكان ومعظمهم من الأنبار حتى خاف هارون من كثرة منازل المواطنين حول قصوره ، وأبعدهم إلى الكرخ ، وبمجرد نشر فكر أهل البيت عليهم السلام أصبحت منطقة كبيرة مترامية الأطراف ، فبدأ الإمام الرضا عليه السلام يتولى أمورهم ، ويحل مشاكلهم ، ويجيب على مسائلهم ، ويحيطهم بعنايته . وما شجعهم على ذلك قوله لهم لن أمس شيئا في زمن هارون الرشيد ، وتصور مما يدل على كثرتهم أنه بنى في الكرخ أكثر من مئة ألف حمام ، فزاد أعداد التشيع ، فأخذ الإمام مساحة واسعة لنشر فكر أهل البيت عليهم السلام ، ولما رأى هاورن الرشيد هذا الولاء للإمام الرضا أمر بالتخلص من الإمام عليه السلام ، لكن تصور أن من جنوده وأمرائه من يكتم تشيعه ، فلم ينفذوا ما أمر به ، وذلك بخلق الأعذار إلى أن مات الرشيد .
ثم تولى ابنه المأمون الخلافة بعد حرب طويلة مع أخيه ، وأصبح للثوار كلمتهم ومكانتهم القوية في ذلك الزمان ، ولكن كثرة جنود المأمون كانت تهدد وجود الثوار، وهذا السبب الرئيسي لقبول الإمام الرضا ولاية العهد من المأمون بحيث لو رفض الإمام الرضا ذلك لأمر جنده بقتل الثوار في الكرخ ، وحول نهري دجلة والفرات حمام من الدم من كثرة قتله للثوار ، فقبل الإمام الرضا عليه السلام حقناً لدماء شيعيته ولكما جاؤوا بأحد من الثوار للمأمون شفع له الإمام عليه السلام ، وخرج من مشكلته .
واتسعت رقعة محبي أهل البيت بشكل غير طبيعي في أيام المأمون وحتى المعتزلة ، فخرجت بأرائها الضالة والفاسدة في المسلمين لوجود الحرية العلمية والمساحة كي يكون لهم صيت يدوي ويؤثر على منهج الإسلام ، فراق لحكام ذلك الزمان إلى وصل الأمر بهم أنهم قالوا : إن علي ابن أبي طالب أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما أزعج وزعزع عرش بني العباس ، ومنذ ذلك الوقت خرج التصنيف وهو السنة المدافعون عن الصحابة ، والمتصوفة ، والرافضة ، وهم أنتم شيعة محمد وآل محمد ، وهم الذين يعتقدون بأن عليا عليه السلام منصوص عليه من قبل السماء ، فبدأ الناس ينتقلون من الحديث إلى العقل ، ويرون أفضلية أمير المؤمنين ، ولكن البعض لا يروق له ذلك .
وهذا الأمر يجعلني أقف على شخصية أيام الإمام الرضا عليه السلام هي أحمد بن حنبل صاحب المذهب المعروف ، فكان لصيق الشيعة وكان يحب شخصا منهم تأثر به ، ولا ينقل الحديث بجموده بل كثيرا ما يؤوله ، وهناك بعض الأمثلة على أقواله منها : ( لا يقاس بأهل البيت عليهم السلام أحد ) . فكلمة أحد عن أهل اللغة والعلماء ينزل تحت كلمة ( أحد ) عوام الناس و لمائها ، وكذلك يدخل في عموم هذه الكلمة كبار الصحابة ، وكذلك الملائكة والخلق ، وهذه الكلمة شديدة الإبهام بحيث تحوي كثيرا من المعاني .
وينقل ابن عساكر 8 / 44 عن عبد الله أحمد بن حنبل أنه قال لأبيه : ( كان أبي جالسا في مجلس يكثرون التحدث عن الخلفاء الثلاثة ، فقام وقال : أكثرتم الحديث عن الخلفاء الثلاثة ، وأين علي ؟!!! فو الله مازينت الخلافةُ عليا ، ولكن عليا زين الخلافة ).
وينقل عبدالله بن أحمد بن حنبل وهو يسأل أباه عن علي ومعاوية ، فقال : ( يا بني ، اعلم أن لعلي أعداء فتشوا في تاريخ يريدون أن يجدوا منقصة في حقه ، فلم يجدوا شيئاً ، فعمدوا رجل حارب علياً وعادى علياً ، وقاتل علياً فمدحوه ور فعوه حنقاً على علي عليه السلام ). المصدر في الصواعق المحرقة صفحة ( 127 ) .
ويقول أحد علمائنا في كتابه ( كشف الغمة ) يُسأل أحمد بن حنبل هل قال علي : ( أنا قسيم الجنة والنار ) ، وهناك فرق بين من يقول هل قال : كذا أي أنه مسلم أن علي قال هذا الكلام لكن نحتاج للتأكد وبين قول يروى عن علي عليه السلام ، فيكون صحيحا أو غير صحيح ، ونعود للحديث فقال أحمد بن حنبل : وما الذي تنكرونه من هذا القول ، أوليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله : حب علي إيمان وبغضه نفاق . قالوا : بلى . قال : أوليس المؤمنون في الجنة ؟ قالوا : بلى . قال : أوليس المنافقون في النار ؟ . قالوا : بلى . قال :إذا علي قسيم الجنة والنار .
وكان أحمد ابن حنبل متأثراً برجل من الكرخ ، فلما توفي انقلب على ما كان يعلنه وينشره بين الناس ، فبدأ يشكك في مقامات أهل البيت ، وينقد عقيدتهم ، وحتى تناوله السلطان به ، وأدخله من سجن إلى سجن حتى مات .
ونختم أن رجلا من خراسان رأى في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله يقول له : ( كيف بكم إذا دفنت فيها بضعتي و اختفى فيها نجمي ) – مضمون الكلام – فذهب إلى الإمام الرضا عليه السلام ، وقال له هذه الرؤية ، فقال عليه السلام : ( أنا بضعته التي تدفن عندكم ) حتى قال لأحد أصحابه : اذهب للقبة التي دفن فيها هارون الرشيد ، وخذ من كل زاوية تربة ، واتيني بها ) . ففعل فأخذ الإمام الرضا يشم التربة ، ويقول : ليست هذه ، وليست هذه ، ثم شم تربة وقال هنا مدفني .
تلخيص الاستاذ زاهر العبدالله
