
2009/01/04 | 0 | 596
الليلة السابعة : اصطناع المعروف سنة متروكة
1. - حقيقة المعروف وهي يمثل رابطة اجتماعية هي الأقوى .
المجتمع يعتمد على مقدار العلاقات من صلة الرحم ، والترابط فيما بينهم ، ولكن المعروف يتعدى إلى الجيران والحي والمنطقة وحتى خارج الحدود الجغرافي . ولكن إذا فقد هذا المعروف تجده حتى على مستوى الإخوان لا يجدي نفعاً ، فلو أن أحداً من الأخوة كان يعامل أخاه بجفاف طول سنين طويلة ، واحتاج من أخيه أمرا بسيطا ، فإنه لا يقترب منه مهما كانت حاجته . فكما قال أمير المؤمنين عليه السلام ( عاملوا الناس بالمعروف تكافؤ عليه ) . ولذلك يبقى المعروف هو الرابطة الأقوى .
2-المعروف ليست خصلة يحملها الإنسان ، بل هي سير لا تموت بموت الإنسان .
فقد قال الحسين عليه السلام : ( المعروف مكسب حمداً ومعقباً أجرا ) . فالإمام الحسين يجعل من المعروف لا يقف عند حدود الإنسان في حياته ، بل يطلب أن يكون المعروف مثالا يحتذي به بعد موته . ولذا حث آية الله بهجت المؤمنين على قراءة سيرة العلماء ، فقال : ( اقرؤوا سيرة العلماء ، وحدثوا بها الناس ) . كل ذلك لأن سير العلماء تتماشى مع هدي القرآن الكريم ، ولذا القرآن الكريم ذكر من القصص الكثيرة لتكون عبرة وأمثلة يحتذي بها الناس . ومن تلك القصص يروى أن رجل سافر إلى النجف الأشراف فركب البحر فهجموا القراصنة على السفينة فرمى كل ما عنده من مال في البحر كي لا يأخذوه فلما وصل إلى النجف زار أمير المؤمنين عليه السلام فنظر إلى ضريح الإمام معاتباً فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في المنام فقال له عليه السلام زر الميرزا جواد القمي في عصره فرآه مشغول بدرسه فلما فرغ ناده باسمه وقال : له خذ ما طلبت من أمير المؤمنين علي عليه السلام .
3- المعروف هو حظ من حظوظ الدنيا وحظ من حظوظ الأخرى ، وهي صفة لا تبارح أهلها في الآخرة .
وتشريع الله الإرث يعود إلى أن الله عز وجل جعل في الإنسان غرائز متعددة ، ومن ضمنها حب الأولاد وتأمين مستقبلهم ، لذا تجد كثيرا في يومنا اليوم من يشترك في نظام الادخار كي يؤمن لأبنائه حياةً كريمة بعد موته . ومن مصاديق الغرائز الإرث الذي يقسم بين الورثة ، ويكون ثلثين للأبناء ، والثلث الأخير من حق الميت ، فيُصرف في أعمال المعروف من الصدقة الجارية ، والصدقة للفقراء والمساكين وغيرها من وجه المعروف . وهذا إحساس اجتماعي رائع ومثال جميل ، ويبقى هذا المعروف ذخراً في قبر صاحبه ويوم حشره يوم الفزع الأكبر ، وعبرة لمن هم في الحياة الدنيا الفانية . يقول رسول الله صلى الله عليه وآله : ( يوم القيامة أهل المعروف تطفح حسناتهم فيبحث من المؤمنين من زلت قدمه ، وأثقلته ذنوبه ، فيعطيه من حسناته ) . وهنا قد يرد إشكال هو أن روايات الثواب من قبيل عدد الحسنات والحج أو غيرها ما يشعر الإنسان أنها وُضعت من أشخاص لتشجيع الناس على فعل المستحبات !
هذه العبارة فيها نوع من الصحة ، ولها قرائن تثبت ذلك ، فهناك من المحققين من بحث في سند رواية من روايات الثواب ، وسافر من بلد إلى بلد ليصل إلى نهاية السند في ثواب سورة من السور ، فكلما يذهب لبلد ليتحقق من السند أرسلوه لبد آخر حتى وصل إلى نهاية السند ، فقيل له : من أين أخذت هذا الثواب ؟ فقال : هذا من عندي ، فقد رأيت أن الناس ابتعدت عن قراءة القرآن الكريم ، فاخترعتُ هذا الثواب تشجيعاً في قراءة القرآن . وهذا لا يعني أن كل روايات الثواب بهذا الصورة ، بل أن معظم روايات الثواب صحيحة بدليل أن أحد زوجات الرسول كانت تسمعه يقول : ( من فعل كذا من الأمر كان له حجة من حججي . فقالت معترضة : حجة يا رسول الله ! . قال : بل عشر حجج ، قالت : عشر حجج ! .قال : بل عشرون . إلى أن وصل إلى سبعين حجة . فسكتت ، فقال : لو زدت لزدت ) .
فهنا نعرف أن رسول الله هو الذي كان يقدر أعمال الثواب ، وهذا من رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته ، وهدية لمن فوت على نفسه ، وبقى لسنوات غافلاً ثم تنبه ورجع لله . وتجد بعض الناس يعمل الصدقات طوال كثير من عمره ، ثم يمن على من أعطاهم ، فيحبط علمه ،فكيف يعوض هذه الخسارة العظيمة ؟!! يعوض ذلك عن طريق المستحبات التي ورد فيها من الثواب العظيم ليعوض خسارته .
4- المشاعر التي يورثها العمل بالمعروف :
يعكس الأمر بالمعروف أثره على نفس الإنسان في مشاعره ، منها زيادة الوعي . الإنسان تكثر عليه الأمراض ، ويحاول معالجة نفسه بالأدوية ، لكن ليس عنده وعيا بالبرنامج الغذائي الوقائي الذي يجعله لا يسقط في هذه الأمراض . فالأمر بالمعروف متروك لأن المجتمع لا يعي أهمية الأمر بالمعروف في صلاح المجتمع ، والأمر بالمعروف علاج لكثير من الأمراض ، ولا يقتصر الأمر بالمعروف بالنفع على المسلمين فقط ، بل يتعداه حيث ينظر له كعامل إنساني ، ويروى أن ذهب المعلم ابن حبيس مع الإمام الصادق إلى ظلة بني ساعدة ، وكان هناك فقراء نيام في جوف الليل ، فبدأ الصادق عليه السلام يضع الخبز تحت كل فقير ، ثم ذهب عنهم ، فقال له : مولاي هل يعرفون الحق أي إمامتكم على الخلق ؟ . قال : " لا ، وإنما المعروف يفعله أهله ويروى أيضا أنه جاء رجل إلى الإمام الصادق ، وهو في طريق الحج ، وقد بدا عليه التعب ، فقال له الإمام الصادق : " لعلك أنهكك العطش ". قال : بلى . فأشار إلى الماء له كي يشرب منه . فقال له : صاحبه يبدو أنه ليس من المسلمين . فقال له الإمام : " أعرف ذلك ، ولكنه المعروف "
5- الأمر بالمعروف له محاكم على الحرية :
ليس من الحرية أن تكون أنانياً بقولك لزوجتك : ( أنا حر في النفقة ) ، أو أن الحاكم ولي حق التصرف في أموال المؤمنين ، بل المؤمنين أولياء بعضهم بعض .
وأبو الفضل سجل أروع مقاييس الأمر بالمعروف في كل التي ذكرناها ، فقد سجل اسمه في مشروع الحسين الذي شعاره : ( ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا مفسداً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أمر بالمعروف وأنها عن المنكر ) . فكان من أحد أعمدة هذا الشعار أبو الفضل العباس بتفانيه وذوبانه في نهج وخط الحسين عليه السلام .
فالسلام على الحسين وعلى علي ابن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين .وعليك يا سيدي يا أبا الفضل العباس .
للاستماع للمحاضرة هنـــــــــــــــــــــا
الاستا> زاهر العبدالله
جديد الموقع
- 2025-04-26 العمل التطوعي بين التنظير والممارسة
- 2025-04-26 تجربتان شعريتان في أمسية ابن المقرب
- 2025-04-26 أفراح الجاسم بالمطيرفي والبوحسن والخليف تهانينا
- 2025-04-25 سمو محافظ الأحساء يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ماتحقق من إنجازات لرؤية المملكة 2030
- 2025-04-25 سمو نائب أمير المنطقة الشرقية: رؤية السعودية 2030 تواصل ترسيخ مكانة المملكة في مصاف الدول المتقدمة
- 2025-04-25 سمو أمير المنطقة الشرقية: رؤية السعودية 2030 حققت إنجازات نوعية تؤكد ريادة المملكة عالميًا
- 2025-04-25 افراح الجوهر و بوعبيد في قاعة الاحساء
- 2025-04-25 محيسن يحكي أعمالا بطولية لشخصيات أحسائية
- 2025-04-25 الشيخ الصفار والدور الرسالي
- 2025-04-25 كيف يتأثر دماغ وسلوك الطفل وحيد أسرته حين يصل إلى مرحلة الرشد