
2017/07/13 | 0 | 1114
الشيخ حسين العباد وداع الشهر الفضيل رقم (٣)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾().
أفضل الشهور:
كان كلامنا في خطبة النبي (ص) في شهر رمضان، التي افتتحنا بها الحديث منذ أول الشهر، وبلغ بنا المقام إلى قوله (ص): «شهرٌ هو عند الله أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات».
إن الله جل وعلا اختار من البشرية جمعاء نبيه الأكرم محمداً (ص) واختار من الأمكنة مكة شرّفها الله، ومن البيوت بيته، كما اختار من الأزمنة شهر رمضان المبارك كما ورد في الخطبة الكريمة. فهو شهر عند الله أفضل الشهور، بلياليه وأيامه وساعاته، فجميع لحظاته تتميز عن مثيلاتها في سائر الأزمنة في غير شهر رمضان المبارك.
وفي الدعاء الشريف الذي يُقرأ في هذا الشهر بعد الفريضة نجد هذه الحقيقة شاخصة أمامنا، حيث ورد فيه: «يا علي يا عظيم، يا غفور يا رحيم، أنت الرب العظيم الذي ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، وهذا شهر عظّمته وكرّمته وشرّفته وفضّلته على الشهور، وهو الشهر الّذي فرضت صيامه عليّ، وهو شهر رمضان الذي أنزلتَ فيه القرآن هدىً للناس وبينات من الهدى والفرقان، وجعلت فيه ليلة القدر، وجعلتها خيراً من ألف شهر...».
فمن أبرز مزايا هذا الشهر أنه جُعل ظرفاً لنزول الكتاب الكريم، القرآن العظيم. ومن هنا ندرك السر في تعظيمه وتكريمه وتفضيله على الشهور، إذ تفرّد بمزايا وصفات كثيرة، منها أنه جُعل ظرفاً لنزول أفضل كتاب على الإطلاق، وهو القرآن الكريم. بل ظرفاً لنزول الكتب السماوية التي سبقت القرآن الكريم. فنحن نجد أن الله تعالى اصطفى هذا الشهر من بين الأشهر، في جميع الأزمنة، ليكون ظرفاً لنزول الكتب السماوية جميعاً، ومنها القرآن الكريم.
ثم إنه فرض فيه الصيام، وكتبه علينا كما كتبه على الذين من قبلنا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون﴾().
كما جعل فيه ليلة القدر، وهي خير من ألف شهر، كما نص على ذلك القرآن الكريم، أي أن العمل فيها أفضل من العمل في ثلاثة وثمانين عاماً، وهي تعدل عمراً طويلاً للإنسان، فلو أن أحداً عمل ثلاثة وثمانين عاماً منذ سن التكليف، قام ليلها وصام نهارها، وعبد الله ما عبد، فإنه لا يحظى بفضيلة ليلة واحدة هي ليلة القدر، لأنها أفضل من تلك الفترة الزمنية بكاملها.
ومن فضائل هذا الشهر الكريم أيضاً أن من قرأ آية واحدة فيه، فهو كمن ختم القرآن في غيره. فلو أن أحداً قرأ البسملة مثلاً ـ على مذهب من يرى أنها آية مستقلة ـ فذلك يعادل قراءة القرآن الكريم بكامله في غيره من الشهور.
وداع الشهر الشريف:
إننا نعيش الساعات الأخيرة من هذا الشهر العظيم، فهذه أيامه قد تصرمت، ولياليه قد انتهت، وكان قد حل فينا ضيفاً كريماً.
أيها الأخوة: من يتتبع سيرة النبي (ص) وأهل بيته (ع) يلاحظ أنهم في آخر شهر رمضان يعيشون حالة من التفجع والحزن على فراق الشهر، ومن الطبيعي أن يقع ذلك منهم، لأنهم أدركوا فضله العظيم . ونحن لم نستطع أن نذكر سوى جزئيات صغيرة على نحو الفهرسة فيما يخص ذلك، ولا يسعنا أن نستوعب جميع ما فيه من الفضل في هذه الأيام القلائل، بل لو تصدى لذلك عالم متخصص في تلك الفضائل لما وسعه أن يأتي بها جميعاً، ولو بأكثر من هذا الوقت بكثير. ولكن مع هذا اليسير القليل الذي أشرنا إليه في فضل الشهر الشريف، نجد أن أحدنا يتفجع لذهابه، فكيف بمن عرفوا فضلة حق المعرفة؟
أيها الإخوة : لنغتنم هذه الساعات القلائل المتبقية من الشهر الفضيل، فمن قرأ فيها آية واحدة كان كمن ختم القرآن في غيرها من الساعات . وليس من المعلوم أن الله تعالى كتب لنا في ليلة القدر أن نعيش للسنة الآتية لنحظى بهذا الشرف والعظمة والمكرمة. فالكثير من الإخوة من الشباب الذين كانت أعمارهم كأعمارنا، بل أقل من ذلك ارتحلوا من هذه الدنيا، ولم يوفقوا أن يعيشوا شهر رمضان في هذه السنة.
فمن الطبيعي إذن أن يتفجع العارفون على فراق هذا الضيف الكريم، لا سيما سادة العرفاء وأساس المعرفة الربانية، وهم أهل البيت (ع).
عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: دخلت على رسول الله (ص) في آخر جمعة من شهر رمضان، فلما بصر بي قال لي: يا جابر، هذا آخر جمعة من شهر رمضان، فودّعه وقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه، فإن جعلته فاجعلني مرحوماً ولا تجعلني محروماً، فإنه من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين: إما ببلوغ شهر رمضان من قابل، وإما بغفران الله ورحمته().
فمجرد أن يوفَّق العبد أن يعيش إلى شهر رمضان المقبل يعدّ نعمة عظيمة، فضلاً عن أن يأتي فيه بأعمال خاصة، لأن أيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل الساعات، النوم فيه عبادة، والأنفاس فيه تسبيح. فمجرد البقاء للعيش في شهر رمضان المقبل يعتبر نعمة عظيمة. وهذه إحدى الحسنيين من الدعاء المذكور.
وأما الأخرى فهي غفران الذنوب، وهو ما يتطلع إليه العبد في حركته وعلاقته مع الله تعالى، بأن يغفر له ويعتقه من النار. وقد ورد الحث الأكيد على الاستغفار في هذا الشهر العظيم.
أسأل الله تعالى أن يمنّ علينا بالمغفرة، وأن يرزقنا بلوغ شهر رمضان المقبل، لنحظى بالحسنيين معاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2025-05-21 محاضرة "أخلاقيات السرد " للدكتور كميل الحرز وسط حضور نخبوي
- 2025-05-21 من المتوقع أن يتحلل الكون في 1078 سنة، أي قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا
- 2025-05-21 بيئة الأحساء تُفعّل اليوم العالمي للنحل في لولو مول
- 2025-05-21 الجامعة الأهلية بالبحرين تتوسع في استقطاب الطلبة السعوديين المتميزين وتطلق حملتها من "الأحساء مول"
- 2025-05-21 برعاية سمو المحافظ : انطلاق منتدى ( الاحساء صديقة الطفل ) 25 مايو
- 2025-05-21 وفد الجامعة العالمية يلتقي الملحق الثقافي العراقي في لندن
- 2025-05-21 تخرج احفادي من الابتدائية فرحة اعادت لي ذكرياتي الاولى
- 2025-05-20 سمو محافظ الأحساء يُقلّد مدير الدفاع المدني بالمحافظة رتبته الجديدة
- 2025-05-20 "قرع الطبول في زيارة إسطنبول" للكاتب منير المنيري
- 2025-05-20 برعاية سمو محافظ الأحساء وكيل المحافظة يشهد حفل تخريج طلاب أكاديمية الكفاح المتوسطة تحت شعار طموح