الشيخ حسين العباد : من تراث الامام السجاد (ع) التحذير من مصاحبة البخيل

( بريد الشبكة )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. (طه: 25 ـ 28).

ذكرى شهادة الإمام الحسن (ع) :

عظم الله أجورنا وأجوركم بمصابنا بالإمام الحسن المجتبى (ع).

في خطبة للإمام الحسن (ع) عند توليه زمام الأمور بعد استشهاد الإمام علي (ع) قال فيها: «أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد رسول الله (ص). أنا ابن البشير، أنا ابن النذير، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير. أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول‏: ﴿وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيْهَا حُسْنَاً﴾. (الشورى: 23). فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت». (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي16: 30).

نعيش في هذا اليوم السابع من صفر ذكرى استشهاده هذا الإمام العظيم كريم أهل البيت (ع). فهو سيد شباب أهل الجنة، وأحد اثنين انحصرت فيهما ذرية رسول الله (ص) وأحد الأربعة الذين باهل بيهم رسول الله (ص) نصارى نجران، ومن أهل آية التطهير الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ومن ذوي القربى الذين أمر الله تعالى بمودتهم في القرآن الكريم، وأحد أفراد الثقل الأصغر، الذين ورد ذكرهم في حديث الثقلين، اللَّذين من تمسك بهما لن يضل أبداً، ومن أهل سفينة النجاة الذين مثلهم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنهم غرق وهوى.

نشأ الإمام الحسن (ع) في حجر جده المصطفى (ص) فمكث سبع سنين، وهي مرحلة التربية الصحيحة في عمر الإنسان.

وبعد انتقال جده رسول الله (ص) من هذه الدنيا عاش ثلاثين سنة مع أبيه علي بن أبي طالب (ع). كما أنه تميز بميزة لم تتأتَّ لأحد قبله، وهي أنه أول وليد يولد من أبوين كعلي وفاطمة (ع)، وأول حفيد وسبط لرسول الله (ص) وهي خصوصية له، ثم لأخيه الحسين (ع) الحفيد والسبط الثاني للنبي الأعظم (ص).

بلغ عمره الكلي منذ ولادته حتى شهادته ثمانية وأربعين عاماً. وقد تميز بصفة خاصة، وكان يشار إليه بالبنان، فعندما يقال: كريم أهل البيت (ع) ينتقل الذهن بشكل مباشر للإمام الحسن (ع) فكل إمام من الأئمة (ع) كريم، لكن هذه الصفة تبرز بشكل كبير وتتجسد في الإمام الحسن (ع) بشكل واضح.

اجتاز الإمام الحسن (ع) ذات يوم في مزرعة فشاهد غلاماً يأكل رغيفاً ويمد يده إلى كلبٍ بجانبه، فقال له الإمام (ع): ما حملك على ذلك؟ فقال الغلام : إني لأستحي أن آكل ولا أطعم هذا الحيوان. فطلب منه الإمام (ع) أن ينتظر، ثم توجه إلى صاحب البستان، فاشترى منه الغلام، كما اشترى البستان، ثم رجع للغلام فأعتقه، ثم وهب له البستان. وهذه الحادثة ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية.

التحذير من مصاحبة البخيل :

ننطلق أيها الإخوة من هذه الصفة المحمودة (الكرم) التي تميز بها الإمام الحسن (ع) لنكمل ما بدأناه في خطب سابقة، وهو وصية الإمام السجاد (ع) وتحذيره من خمسة أصناف، وقد تحدثنا في الخطب السابقة عن عدم مصاحبة الكذاب وكذالك عدم مصاحبة الفاسق، وانتهى بنا المقام إلى قوله (ع): وإياك ومصاحبة البخيل، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه. فالإمام (ع) يتوجه إلينا ويحذروا بأن نتجنب مصاحبة البخيل لأنه يخذلك في أحوج ما تكون إليه في ساعة الشدة والحاجة للمال.

والبخل من الصفات الذميمة، ويعني: الإمساك من حيث ينبغي البذل. فعندما يكون هنالك ما يستحق البذل والإنفاق، كما في الأعمال الخيرية، ترى البخيل يمسك ولا تجود نفسه بشيء وهو يستطيع البذل والإنفاق. والسبب في ذلك حب الدنيا، فهو يظن أن ما ينفقه سوف يُنقص من ثروته وما يملك.

يقول تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفُقَرَاءُ﴾. (محمد: 38).

وفي الحديث الشريف عن رسول الله (ص) في هذا الصدد: «السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس، بعيد من النار. والبخيل‏ بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار» (روضة الواعظين، الفتال النيسابوري2: 385). فماذا ينتظر بعد ذلك؟.

وفي الحديث عن الإمام السجاد (ع): «إني لأستحي من ربي أن أرى الأخ من إخواني، فأسأل الله له الجنة، وأبخل عليه بالدينار والدرهم، فإذا كان يوم القيامة قيل لي : لو كانت الجنة لك لكنت بها أبخل وأبخل وأبخل». (وسائل الشيعة، الحر العاملي16: 387).

من هنا ينصحنا الإمام السجاد (ع) بل يأمرنا أن لا نصاحب البخيل، فإنك إذا مررتَ بضائقة مالية أمسك عنك في وقت أنت أحوج ما تكون فيه إلى المال. وهذا أوضح مصاديق البخل. فرب قائل يقول: أنا لا أستطيع أن أدفع أموالي في مجالات لا أطمئن فيها أنها تنفق في محلها، أو أنها تعطى للمستحق، وهذا قد يُلتمس له العذر، ولكن ما بالك بمن هو قريب منك ويعرف أنك محتاج فلا تجود نفسه بما يدفع عنك الحاجة؟

إن حقيقة الإنسان تظهر من خلال الصحبة والرفقة، فلو كان رفيقك بخيلاً خذلك في تلك المواقف. وهذا ما يحذر منه الإمام السجاد (ع).

وهنالك رواية أخرى عن رسول الله (ص) يقول فيها: «وجاهل سخيّ أفضل من ناسك بخيل». (بحار الأنوار، المجلسي68: 357). فالعابد البخيل لا يمكن أن يتقرب إلى الله تعالى وهو يمسك يده في وقت الحاجة عن أخيه المؤمن.

وعن رسول الله (ص) أيضاً أنه قال: «حرمت الجنة على المنان والبخيل والقتات». (وسائل الشيعة، الحر العاملي 9: 453. والقتات: النمام).

أنواع البخل :

ثم إن البخل أنواع ولا ينحصر في البخل بالمال، وإن كان ذلك أوضح المصاديق وأجلاها، فالبخيل من يبخل في إفشاء السلام أيضاً. فعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «البخيل من بخل بالسلام». (معاني الأخبار، الشيخ الصدوق: 246).

وهنالك مصداق ثالث من مصاديق البخل، وهو من يبخل بالصلاة على النبي (ص) وآله عندما يسمع باسمه (ص).

قال (ص): «البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي». (مكارم الأخلاق، الطبرسي: 312).

ولا بد لي هنا أن أذكّر، أن اسم النبي (ص) عندما يذكر في الأذان تُرفع الأصوات بالصلاة عليه، كما نجده في الكثير المجتمعات، لكننا نفتقده في مجتمعنا مع الأسف الشديد. مع أن رفع الصوت بالصلوات يذهب بالنفاق .

من آثار البخل :

مما لا شك فيه أن للبخل آثاراً كثيرة، أبرزها:

1 ـ قلة الأصدقاء : فمن يملك ولا يبذل يبتعد عنه الناس، ويقل أصدقاؤه، لا بسبب الحاجة وعدم البذل، إلا أن طبيعة الإنسان أنه يبتعد عن أصحاب هذه الصفة. وهو ما نلاحظه جميعاً.

2 ـ قساوة القلب: فعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «النظر إلى البخيل يقسي القلب». (تحف العقول، ابن شعبة الحراني: 214). فإن كان هذا حال من ينظر إليه فماذا عن البخيل نفسه؟

3 ـ الذل : فعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «من بخل بماله ذل». (غرر الحكم، الآمدي: 586).

4 ـ التعجيل بالفقر: ففي الروايات الشريفة أن البخيل يستعجل الفقر، وهو أمر طبيعي جداً، فهو يعيش عيشة الفقراء مع أنه غني. وربما أتاه مرض أودى بكل ما يملك. فعن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: «عجبت للبخيل، يستعجل الفقر الذي منه هرب، ويفوته الغنى الذي إياه طلب». (نهج البلاغة: 491. صبحي الصالح).

5 ـ قطيعة الرحم : فالبخل يؤدي لقطيعة الرحم، ففي القبيلة أو العائلة هنالك من هو محتاج، للزواج أو العلاج أو غير ذلك، فترى البخيل يبتعد عنه أيضاً، خشية أن يمد يده إليه.

6 ـ قلة الراحة وعدم الاستقرار: فالبخيل دائم التفكير في أمواله وما يلحقها من نقص وزيادة. ففي الرواية عن رسول الله (ص): «أقل الناس راحةً البخيل». (الأمالي، الشيخ الصدوق: 21). فالبخيل قليل النوم والاستقرار، فيما ينام الفقير نوماً هانئاً رغيداً.

7 ـ المعصية بحبس الحقوق : فمن الطبيعي أن البخيل لا يستطيع إخراج الحقوق الشرعية، من الزكاة أو الخمس أو غير ذلك.

علاج البخل :

كما هو معروف أن هذه الصفات الذميمة صعبة العلاج، لكنه ليس مستحيلاً، فيمكن للبخيل أن يستحضر دائماً مساوئ البخل ومحاسن الكرم الواردة في الروايات الشريفة، وأن يروّض نفسه على الإنفاق والبذل، ويبدأ بالتدريب والتمرين التدريجي، ولو بدافع الشهرة وحب الظهور، لأنه إذا تجاوز عقبة البخل استطاع فيما بعد تهذيب نفسه وتزكيتها.

وعلى المرء أن يتكل على الله تعالى في كل شيء، فمن يجمع المال خوف الفقر، أو لضمان مستقبل أولاده، عليه أن يضع نصب عينيه أن الله تعالى هو الرزاق الحي، وهو المفزع للعباد في كل آن.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .