الشيخ حسين العباد :من تراث الإمام السجاد (ع) التحذير من مصاحبة قاطع الرحم

( موقع المطيرفي )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.

﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. ( طه: 25 ـ 28 ).

التحذير من قطيعة الرحم:

لا زال الكلام في وصية الإمام السجاد (ع) لولده الإمام الباقر (ع) في التحذير من مصاحبة الأصناف السيئة، وكنا قد توقفنا بمناسبة زيارة الأربعين وشهادة رسول الله (ص). وقد بلغ بنا المقام إلى قوله (ع): «وإياك ومصاحبة قاطع الرحم» (الكافي، الكليني 2: 376) .

. وفي هذه الجمعة نحاول أن نختم الكلام حول هذا الحديث.

ومن الملاحظ هنا أن الصفات الأربع المتقدمة كانت متعلقة بالفرد، وهي الفسق والبخل والكذب والحمق، أما الصفة الأخيرة فتتعلق بالمجتمع، وهي صلة الأرحام. وهذه الصفة وردت فيه الآيات والروايات والأحاديث الكثيرة عن رسول الله (ص) وأهل بيته (ع).

فمن الآيات الشريفة قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ‏ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً﴾. (النساء: 1.) أي أنه تعالى جعل مرتبة الأرحام منه جل وعلا، وهي الصفة الوحيدة التي ارتبطت بالخالق لعظمتها وأهميتها. فقطيعة الرحم تعني القطيعة مع الله تعالى. وعندما يكون القيامة، أول ما ينظر فيه هو الرحم، فإن وصلت وصلها الله تعالى، وإن قطعت قطعها الله. والرحم تخاطب الله تعالى قائلةً: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، فالوصل والقطع من الله تعالى تابع للرحم من حيث الوصل والقطع.

والرحم مفهوم يحدده العرف تارة والشرع تارة أخرى، والأرحام مفهوم واسع لكن القدر المتيقن من الرحم التي يجب صلتها هو الأبوان، والإخوة والأخوات، وأولادهم، وكذلك الخالات والأخوال والعمات والأعمام وأولادهم. والإسلام وإن دعا إلى الألفة والتواصل والتعاون في المجتمع بشكل عام، إلا أنه أولى الرحم أهمية خاصة، وجعل لها خصوصية فريدة، فأوجب صلة الرحم على العباد.

ففي الرواية عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: «إن الرحم معلقة بالعرش، تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني، وهي رحم آل محمد، وهو قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِيْنَ يَصِلُوْنَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوْصَلَ﴾، ورحم كل ذي رحم». ( الكافي، الكليني 2:151 ) .

وعنه (ع) أنه قال: «أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم، تقول: يا رب، من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه». ( الكافي، الكليني2: 151).

وقطيعة الرحم من الذنوب الكبيرة، والجرائم العظيمة، ومع الأسف الشديد أننا نلاحظ أن البعض يختلف مع رحمه فيسلط عليه لسانه بل سيفه أحياناً، ويبتعد عنه، وهذا باتفاق جميع المسلمين من كبائر الذنوب. فهنالك من يقطع الصلة بينه وبين أقاربه، كالأعمام والأخوال والإخوان، بل هنالك ما هو أشد، وهو القطيعة مع الأبوين، وهذا أعظم وأشد الكبائر.

كما نلاحظ أيضاً ما هو أشد من القطيعة مما يترتب عليها، إذ لا يقف الحد عند القطيعة، إنما يتعدى ذلك إلى العداوة والتشهير والهتك والغيبة وإفشاء الأسرار، وغير ذلك. فالقطيعة بحد ذاتها كبيرة من الكبائر، فكيف يكون الحال لو ترتبت عليها كبائر أخرى؟.

أما عن آثار وعواقب قطيعة الرحم، فأولها أنها تُدخلُ النار، وتُغضب الرب، ولا شك أن المؤمنين جميعاً يسعون إلى نيل رضا الله جل وعلا والابتعاد عن غضبه، والقطيعة مما يوجب غضبه سبحانه وتعالى.

ففي الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: «إياكم وعقوقَ الوالدين، فإنَّ ريح الجنة توجد من مسيرة ألف‏ عام،‏ ولا يجدها عاقٌّ، ولا قاطع رحم، ولا شيخٌ زانٍ، ولا جارُّ إزاره خُيلاء، إنما الكبرياء لله رب العالمين‏». ( الكافي، الكليني 2: 349).

فقاطع الرحم لا يشم رائحة الجنة فضلاً عن دخولها، مع أن رائحتها توجد من مسيرة ألف عام.

ومن آثار القطيعة أيضاً أن تتحول الأموال بأيدي الأشرار، فالمجتمع الذي تشيع فيه القطيعة تتحول فيه الأموال إلى أيدي الأشرار والعياذ بالله. ففي الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: «وإذا قَطعوا الأرحام جُعلت الأموالُ في أيدي الأشرار». ( الكافي، الكليني 2: 374) .

إن تفشت قطيعة الرحم في المجتمع فلا صدقة ولا دفع للحقوق ولا تعاطف مع الفقراء والمحتاجين، ولا غير ذلك من أعمال البر.

ومن الآثار السلبية لقطيعة الرحم أيضاً أنها تعجل بالفناء، فعن علي (ع) أنه قال: «أعوذ بالله من الذنوب التي تعجل الفناء، فقام إليه عبد الله بن الكواء اليشكري فقال له: يا أمير المؤمنين، أوَتكون ذنوبٌ تعجل الفناء؟ فقال: نعم، ويلك، قطيعة الرحم، إن أهل البيت ليجتمعون ويَتَوَاسَوْن وهم فجرة فيرزقهم الله، وإن أهل البيت ليتفرقون ويقطع بعضهم بعضاً فيحرمهم الله وهم أتقياء». ( الكافي، الكليني 2: 347).

ومن آثارها أيضاً أنها تؤدي إلى حلول النقم في المجتمع والعياذ بالله، وقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (ع) قوله: «حلول النقم في قطيعة الرحم». ]عيون الحكم والمواعظ، الليثي: 234) .

ومن آثارها أيضاً عدم نزول الرحمة على قاطع الرحم ولا على المجتمع الذي هو فيه، لأن المجتمع عليه مسؤولية أيضاً في الوقوف بوجه قاطع الرحم، لأن الشر لا يخص من ارتكب القطيعة وحده. ففي الحديث النبوي الشريف: «لا يجالسنا قاطع رحم، فإنّ الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم». (مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي 9: 107).

وهو واضح في أن الرحمة لا تنزل على الجميع، وليس على قاطع الرحم وحده.

فعلينا أن نسعى للإصلاح إذا شاهدنا أرحاماً متقاطعة، فأحياناً تكون القطيعة لأتفه الأسباب، كأن يكون شجاراً بين أطفال، أو سوء فهم في قضية معينة. فيجب علينا كمجتمع مؤمن موالٍ أن نسعى لحلحة المشاكل بين أبناء العمومة والإخوة والأرحام، لأن العقوبة سوف تنزل على المجتمع برمته كما أسلفنا.

ماذا تعني صلة الرحم؟:

إن صلة الرحم تعني إشراك الأقارب بالمال والجاه وسائر الخيرات، فصلة الرحم لا تنحصر بالتزاور، وإن كان أحد مصاديقها، ولكن الصلة أبعد من ذلك بكثير، بأن تقدم لرحمك مما رزقك الله، من المال والجاه وكل ما من شأنه إعانته واحترامه. فالرحم الفقير تصله بالمال، وهذا ليس صدقة، إنما هو عنوان آخر يندرج تحت مصداق من مصاديق صلة الرحم.

كما أن هنالك درجة عليا من درجات صلة الرحم، هي صلة ذي الرحم الكاشح، فإن كنت أنت الذي تبادر لصلة الرحم القاطع كان ذلك أفضل، لأنك لو لم تبادر شملكما العذاب كما في الرواية الشريفة. يقول النبي الأعظم (ص): «لا تخن من خانك فتكون مثله، ولا تقطع رحمك وإن قطعك». ( مستدرك الوسائل، النوري الطبرسي 15: 254 ).

وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «سئل رسول الله (ص): أي الصدقة أفضل؟ قال: على ذي الرحم الكاشح». ( الكافي، الكليني 4: 10).

وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال: «صِلْ‏ رَحِمَك‏ ولَو بِشَرْبَةٍ من ماء، وأفضلُ ما توصلُ بِهِ الرَّحِمُ كَفُّ الأَذَى عَنْهَا وصلَةُ الرَّحمِ مَنْسَأَةٌ فِي الأجَلِ مَحْبَبَةٌ فِي الأَهْلِ». ( الكافي، الكليني 2: 151).

عواقب وآثار صلة الرحم:

أما الآثار الإيجابية لصلة الرحم فعلى رأسها زيادة الأعمار، وجميع أبناء البشر يتطلعون لذلك، وليس هنالك من لا يريد أن يطول عمره.

فعن الإمام أمير المؤمنين (ع) أنه قال لنوف البكالي: «يا نوف، صل رحمك يزد الله في عمرك». ( الأمالي، الشيخ الصدوق: 210).

ومن آثارها أيضاً نيل رضا الله تعالى، والأمن من سخطه، وهذا بحد ذاته أثر عظيم يعتبر رجاء كل مسلم ومؤمن. فصلة الرحم عبادة وأية عبادة.

كما أن صلة الأرحام تهون سكرات الموت، وهي شديدة مهولة، كما ورد في الروايات الشريفة عنهم (ع). لكن صلة الرحم تهون من تلك السكرات.

يقول الإمام الصادق (ع) في هذا الصدد: «من أحب أن يخفف الله عز وجل عنه سكرات الموت فليكن لقرابته وصولاً ولوالديه باراً، فإذا كان كذلك هوّن الله عليه سكرات الموت، ولم يصبه في حياته فقرٌ أبداً». ( الأمالي، الشيخ الصدوق: 389).

فصلة الرحم أيها الإخوة الأعزاء تنفي الفقر وتجلب الخيرات وتزيد في الرزق وتعمر الديار. فلا بد أن تكون هذه الصفة من أبرز ما يميز المؤمن من بين الصفات الحميدة، ولا بد أن نسعى في إصلاح ذات البين والأقارب كي تكون صلة الأرحام متفشية في المجتمع.

هذا ما أحببنا أن نتطرق إليه في هذه الجمعة المباركة لنختم به ما بدأناه من وصية الإمام السجاد (ع).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.