
2017/07/11 | 0 | 1213
الشيخ حسين العباد :شهر التقوى والتربية الروحية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾().
صيام الجوارح:
في الحديث الشريف عن الإمام الباقر (ع) يخاطب جابر بن عبد الله الأنصاري قال: «يا جابر، من دخل عليه شهرُ رمضان، فصام نهاره، وقام ورداً من ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغض بصره، وكف أذاه، خرج من الذنب كيومَ ولدتُه أمُّهُ» قال جابر: قلت: جعلت فداك، ما أحسن هذا من حديث! فقال (ع): «ما أشد هذا من شرط»().
يخاطب الإمام الباقر جابر بن عبد الله الأنصاري بهذا الخطاب، الذي يعتبر منهجاً لأتباعه، لا أنه خاص بجابر، وهو أحد الأعلام في هذه المدرسة.
يبدأ الإمام الباقر (ع) هذا المنهاج بقوله لجابر: «فصام نهاره» وهذه المفردة يشترك فيها الجميع، وتتحقق عنده بالمعنى العام، وهو الإمساك من الفجر إلى المغرب.
ثم يقول (ع): « وقام ورداً من ليله» وهذا أيضاً يتحقق للكثير من الأصحاب والأتباع، لأن أقل ما يتحقق به الورد صلاة ركعتين في جوف الليل.
ثم ينتقل (ع) إلى معنى أعمق مما سبق، وذلك بقوله (ع): « وحفظ فرجه ولسانه» أي أنه ينتقل إلى ما يُعرف بصوم الجوارح، فحفظ اللسان يكون بكفه عن الغيبة مثلاً، صحيح أن الشياطين مغلولة في هذا الشهر الشريف، ولكن البعض لا يلتفت إلى أن الغيبة في هذا الشهر، بل على الإطلاق، هي من الذنوب الكبيرة التي تحجب الإنسان عن الإقبال على الأعمال الصالحة.
ثم يقول (ع): «وكفّ أذاه» أي منع أذاه عن الآخرين في محيطه العام أو الخاص، سواء كان في البيت أم خارج البيت، فهو عنوان عام، وأمر مطلوب، لا سيما في هذا الشهر الشريف.
أما نتيجة هذه الشروط فهي أن يخرج المسلم من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فكأنه لم يكن عليه تكليف سابق، فيستأنف العمل من تلك اللحظة. وهذا أشبه بمن تكون لديه حسابات مالية لدى صاحب المتجر الذي يشتري منه طيلة السنة، فهناك الكثير من الديون والمتعلقات طيلة السنة، إلا أنه يعمل على تصفية حسابه مع صاحب المتجر، فيدفع إليه ما بذمته، ويفي بدَينه، عندئذٍ يبدأ معه صفحة جديدة وكأنه لم يكن عليه دين سابق، أو أنه بدأ المعاملة لتوّه.
وهكذا الحال فيمن يمتثل لتلك الشروط في خصوص شهر رمضان، وهي شروط قد نتصورها يسيرة، وهو ما تبادر إلى ذهن جابر، إذ قال للإمام (ع): جعلت فداك، ما أحسن هذا من حديث! أي ما أيسره وأسهله. فقال (ع): «ما أشدَّ هذا من شرط».
إننا كثيراً ما نستسهل الشرط في حال النطق باللسان أو القراءة أو السماع، ولا ننتبه إلى صعوبة التطبيق والتجسيد. فالشروط التي ذكرها الإمام (ع) شروط يسيرة من حيث اللفظ والعنوان العام، إلا أنها بلحاظ التطبيق عملياً صعبة المنال. فالكثير منا يتجاوزها بشكل أو بآخر، بقليل أو كثير، والمصداق الأوضح في حياتنا اليوم هو الغيبة. فلا يكاد أحدنا يجلس مجلساً إلا ويسمع أن فلاناً فيه ما فيه، أو عليه ما عليه، أو فعل، أو ترك. ولو أنك نصحت البعض بترك هذا، وذكّرته أننا في شهر الرحمة والمغفرة، لأجابك قائلاً: إنني لم أقل فيه قيد أنملة إلا بما هو فيه حقاً. وهذه عين الغيبة كما هو معلوم ومعروف لديكم. فالغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره، فإن لم يكن فيه ما يكره فهو البهتان، وهو أشد منها.
من هو الشقي؟
وعن النبي الأكرم (ص) قال: «من ذكرني فلم يصلِّ عليّ فقد شقي. ومن أدرك رمضان فلم تصبه الرحمة فقد شقي. ومن أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرَّ بهما فقد شقي»().
الشقاوة ما يقابل السعادة، وقد أكّدت الكثير من الروايات على المسالك والمناهج التي يسلكها المسلم للوقاية من الشقاوة، لا سيما في هذا الشهر الشريف.
فمن تلك المسالك أن يجعل من هذا الشهر الفضيل مناسبة للفوز بالسعادة، فمن لم يُغفر له في هذا الشهر فقد شقي، أي أن يخرج هذا الشهر الشريف، ولم يعطه حقه من العبادة والتوجه إلى الله تعالى، بالصيام والقيام وكف الجوارح والجوانح عن الوقوع في الذنب.
فالشيطان في غير هذا الشهر يلازم الإنسان كظله، ويرافقه، لا سيما المؤمن، أما غير المؤمن فلا يحتاج إلى جهد كبير من الشيطان. ومن ميزات هذا الشهر أن الشيطان يكون فيه في أضعف حالاته بعد أن يُغلّ ويقيّد، فيصبح من السهل قهره، وبالتالي الفوز بالرحمة والمغفرة.
شهر البركة:
وفي الخطبة العصماء للنبي الأكرم (ع)، التي تعتبر مدرسة ومنهاج عمل، يفترض بنا أن نتعاهدها في كل آنٍ من هذا الشهر، وهي من التراث الإسلامي الخالد، يخاطب (ص) الناس قائلاً: «أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة»()، وهذه العناوين الثلاثة لم ترد في أي موضع آخر، ولا في أي شهر آخر.
وهذه الخطبة تتضمن الكثير من الأمور العبادية والمعنوية والمادية أيضاً، وهي خطبة مطولة رواها الشيخ الصدوق في فضائل الأشهر الثلاثة، وعيون الأخبار، والأمالي.
فالصوم فرض على جميع الديانات، ولكن كل ديانة بحسب ما أرسل إليها، إلا أن العنوان العام يشمل جميع الديانات كما نص على ذلك القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾(). كما أن الهدف المشترك بين جميع الديانات من خلال تشريع الصوم هو التقوى.
وهذه الحالة لها الكثير من الشواهد والنظائر في الديانات السماوية الأخرى. فالطهارة مثلاً مطلوبة ومشرَّعة في جميع الديانات، ولكن الكيفية تختلف من ديانة إلى أخرى، وقد تميزت بأنها الأمة المرحومة بنبيها وآل بيته (ع).
فكان في بعض الديانات مثلاً أن النجاسة إذا وقعت على الثوب أو البدن تُقرض بالمقاريض! ولكم أن تعرفوا مقدار العسر والحرج بل حتى الضرر في ذلك(). فانظروا كيف رحم الله تعالى هذه الأمة.
وكذلك في الصيام، إذ كتب على السابقين، ولكن ليس من المعلوم أن يكون كما هو الحال في شهر رمضان في هذه الأمة المرحومة. كل هذه الرحمة بسبب وجود النبي (ص) وأهل بيته (ع).
يقول النبي (ص): «أيها الناس قد أقبل عليكم شهر الله» فالشهور كلها لله، لكنه خص هذا الشهر الشريف بالله تعالى. كما أن المواضع كلها لله، لكنه خص بعض المواضع به جل وعلا، فالمسجد بيت الله، والكعبة المشرفة بيت الله، وهو أول بيت وضع للناس في مكة. وهكذا نسب الشهر إليه مباشرة، مع أن الشهور كلها لله.
ثم إنه وصف هذا الشهر بالبركة، فالبركة تتعلق بكل شيء في هذا الشهر، فما من شيء فيه إلا وهو بركة. في قيامك وقعودك وأنفاسك وأعمالك وكل شيء بركة، كما تشير إليه العديد من الروايات.
ومفردة البركة وردت في القرآن الكريم والسنة المطهرة. قال تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكَاً أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيَّاً﴾(). وقال تعالى: ﴿رَبِّ أَنْزِلْنِي مَنْزِلَاً مُبَارَكَاً وَأَنْتَ خَيْرُ المنْزِلِيْنَ﴾().
وعن الإمام علي (ع): «بالعدل تتضاعف البركات» فكم هو جميل أن يكون المرء عادلاً! لا سيما في هذا الشهر الشريف، فمن عدل مع الناس، مع القريب منهم والبعيد، مع الأسرة والأولاد، تضاعفت لديه الحسنات والبركات كما يقول الإمام أمير المؤمنين (ع).
نسأل الله تعالى أن يرزقنا خير هذا الشهر، وأن نحظى بالبركة والمغفرة والرحمة، إنه سميع مجيب.
جديد الموقع
- 2025-05-21 محاضرة "أخلاقيات السرد " للدكتور كميل الحرز وسط حضور نخبوي
- 2025-05-21 من المتوقع أن يتحلل الكون في 1078 سنة، أي قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا
- 2025-05-21 بيئة الأحساء تُفعّل اليوم العالمي للنحل في لولو مول
- 2025-05-21 الجامعة الأهلية بالبحرين تتوسع في استقطاب الطلبة السعوديين المتميزين وتطلق حملتها من "الأحساء مول"
- 2025-05-21 برعاية سمو المحافظ : انطلاق منتدى ( الاحساء صديقة الطفل ) 25 مايو
- 2025-05-21 وفد الجامعة العالمية يلتقي الملحق الثقافي العراقي في لندن
- 2025-05-21 تخرج احفادي من الابتدائية فرحة اعادت لي ذكرياتي الاولى
- 2025-05-20 سمو محافظ الأحساء يُقلّد مدير الدفاع المدني بالمحافظة رتبته الجديدة
- 2025-05-20 "قرع الطبول في زيارة إسطنبول" للكاتب منير المنيري
- 2025-05-20 برعاية سمو محافظ الأحساء وكيل المحافظة يشهد حفل تخريج طلاب أكاديمية الكفاح المتوسطة تحت شعار طموح