
مسجد الامام علي بالمطيرفي ومسجد العباس بالمطيرفي ومسجد الشيخ الاوحد بالمطيرفي
2018/02/25 | 0 | 1179
الشيخ حسين العباد :اللسان في حياة المؤمن
( موقع المطيرفي )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾.(طه: 25 ـ 28).
عن رسول الله (ص) أنه قال : «وهل يكب الناسَ على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم». ( الكافي، الكليني2: 115).
وقيل لرسول الله (ص) : يا رسول الله، فيم النجاة؟ قال (ص) : «املك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك». (إرشاد القلوب، الديلمي1: 103). فعندما يُمسك الإنسان لسانه يستطيع التحكم به، لأنه آلةٌ ذات حدين. وقد وردت في اللسان روايات كثيرة عن النبي (ص) وعن أهل البيت (ع). فبإمكان اللسان أن يجعل الإنسان في أعلى عليين في الجنان، أو في أسفل السافلين، وفي الدرك الأسفل من النار. فإن هو أمسكه أنجاه، وإن ترك له العنان، فسوف يدخله إلى جهنم.
فاللسان يمكن أن يكون لسان خير، أو لسان شرّ. فما هو لسان الخير؟ وما هو لسان الشر؟
لسان الخير هو ما لا ينطق إلا بذكر الله جل وعلا، وما هو مفيد في الدين والدنيا، ويشكر الله تعالى على نعمه الكثيرة التي منحها للإنسان. ولعل البعض يتصور أن النعمة لا تكون إلا في الأمور المادية، حال أن هناك الكثير من الناس يملكون الملايين لكنهم فقدوا الصحة، فهم يعيشون في ضنك وشقاء، ولا يستطيعون بهذه الملايين أن يستجلبوا الصحة والعافية. فمن يعيش بصحة وعافية هو في نعمة عظيمة.
تصور أن هناك من فقد بصره أو سمعه، كيف تتصور طبيعة حياته، وهل أنه يعيش سعيداً؟ وكذلك من فقد بعض أعضاء جسده. والصحة في الأصل هي صحة الجسم بعد صحة التمسك بأهل البيت (ع).
فلسان الخير الذي أشارت إليه الروايات الشريفة هو ما يداوم على ذكر الله وشكره والتهليل والتسبيح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وما ينفع في الدين والدنيا، أما لسان الشر فعلى العكس من ذلك، فهو ما لا يذكر الله تعالى، ويلهج بالغيبة والنميمة وإفشاء السر والوقيعة بين المؤمنين.
فهذه الآلة ـ أيها الإخوة المؤمنون ـ سلاح ذو حدين، يمكن استخدامه في الخير أو في الشر.
ففي الحديث عن رسول الله (ص) : «لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه». (عوالي اللآلئ، ابن أبي جمهور الأحسائي1: 279). فإن لم يكن اللسان بصدد الخير لا يستقيم قلبه، وإن لم يستقم القلب لم يستقم الإيمان، وهذه الأمور يترتب بعضها على بعض. فلا بد أن يبدأ الإنسان من اللسان ثم القلب، ثم تترتب الغاية من وجود الإنسان في هذه الحياة، وهي الإيمان.
وعن الإمام الصادق (ع) أنه قال : «من خاف الناس لسانه فهو في النار». (الكافي، الكلين2ي: 327). ولعل الكثير منا يلاحظ ذلك في المجتمع، أي أن بعض الناس تسمعه يقول : كفانا الله شر لسان فلان، وهذا ليس ناظراً إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مثلاً، إنما هو ناظر إلى الغيبة والنميمة والبهتان وإفشاء السر وغيرها. فصاحب هذا اللسان من أصحاب النار والعياذ بالله.
ويقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماء﴾. (إبراهيم: 24). فهذه الآية الشريفة تضرب لنا مثلاً في الكلمة الطيبة الصادرة من لسان الخير، فتكون كالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها، ويأوي في ظلها الجميع، ويستمتع برائحتها الجميع. وكذلك الشجرة المثمرة التي يحين وقت قطاف ثمرها، حيث يتوجه الناس إليها ينتفعون بثمرها.
فالقرآن الكريم وأحاديث النبي (ص) وأهل بيته تؤكد أن الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، ومن مميزات الشجرة الطيبة أنها تنمو باستمرار وتثمر باستمرار، وشكلها جميل جذاب، فكذلك الكلمة الطيبة، فمن اعتاد لسانه على الكلمة الطيبة تلاحظ أن الكثيرين يتوجهون إليه يتحدثون معه ويجالسونه ويستمتعون بحديثه، فالباري في هذه الآية الشريفة يمثل الكلمة الطيبة بالشجرة، فكما أن الناس تأوي إلى الشجرة الطيبة تلقائياً، كذلك الكلمة الطيبة، يأوي الناس لصاحبها تلقائياً.
والآية الأخرى تشير إلى ما هو العكس من ذلك، فيقول تعالى: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ﴾. (إبراهيم: 26). فانظر كيف أن الباري جل علا مثّل الكلمة الطيبة والكلمة الخبيثة، بالشجرة الطيبة والشجرة الخبيثة. فهنالك من الأشجار ما ضرره كبير، ولا يقاس بنفعه.
انظروا إلى الشجر الأمريكي في هذا البلد، الذي خصصت له حملة من البلدية ومن المجتمع، فالجميع يقلع هذه الشجرة الضارة ليتخلص منها بالخصوص داخل الأحياء وقريبة المنازل . حال أن الإنسان بطبيعته ينجذب للشجر والزهر، فيجلبه إلى بيته لا سيما في أيام الربيع. فانظر حكمة الباري وكيف أنه مثّل بالشجرة الطيبة والأخرى الخبيثة.
وروي أن أمير المؤمنين (ع) «مرّ برجل يتكلم بفضول الكلام، فوقف عليه ثم قال : يا هذا، إنك تملي على حافظيك كتاباً إلى ربك، فتكلم بما يعنيك، ودع ما لا يعنيك». (من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق4: 396). إلا أننا نجد أن الكثير من الناس في المجالس يتحدثون فيما يعنيهم وما لا يعنيهم، حال أن ما لا يعني قد يلحق الضرر بالمتكلم، كما أشار أمير المؤمنين (ع).
إن الكلام أيها الأحبة المؤمنون يعبر عن مستودع الضمائر، فالإنسان كما يقول أمير المؤمنين (ع) مخبوء تحت طيّ لسانه، فنحن نحترم الكثيرين ما داموا ساكتين، لكنهم عندما يتحدثون ينبذهم الجميع ويبتعد عنهم.
السكوت والكلام:
ولعل سائلاً يسأل : أيهما أولى وأفضل؟ السكوت أم الكلام؟ نقول : تارةً يكون السكوت أفضل، وأخرى يكون الكلام أفضل. ومن هنا ندرك لماذا جعلت بعض الروايات الكلام أفضل، فيما جعلت أخرى السكوت أفضل. فالكلام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في الإصلاح من أفضل الكلام، ولا يقاس بالسكوت، وهذا هو ديدن الأنبياء والمرسلين، فالباري جل وعلا لم يرسل الرسل لكي يسكتوا، إنما أرسلهم بالكلام والحديث، وإلا كيف يمكن إبلاغ الرسالات؟ وكذلك العلماء والعارفون. فالكلام يكون أفضل من السكوت بهذه القيود والشرائط، ولكن بالمقابل يكون السكوت أفضل، لأنه فقد تلك الشرائط والقيود، وصار يجلب الضرر.
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع) : «مغرس الكلام القلب، ومستودعه الفكر، ومقوّمه العقل، ومبديه اللّسان، وجسمه الحروف، وروحه المعنى، وحليته الإعراب، ونظامه الصّواب». (غرر الحكم ودرر الكلم، الآمدي: 709).
كما بين الأئمة (ع) أن الكلام أفضل بلحاظ، والسكوت أفضل بلحاظ آخر، فعندما يكون الحديث في الإصلاح والخير يكون الكلام أفضل، وإن كان في الشر والإفساد فالسكوت أفضل.
وعنه (ع) أنه قال: «إذا تكلمت بالكلمة ملكتك، وإن لم تتكلم بها ملكتها». (عيون الحكم والمواعظ، الليثي: 136). فإن خرجت الكلمة من اللسان ملكتك، فلن تستطيع ردها، أما إذا أمسكتها تكون قد ملكتها.
وعن رسول الله (ص) قال: «إن أولياء الله سكتوا، فكان سكوتهم ذكراً، ونظروا فكان نظرهم عبرة، ونطقوا فكان نطقهم حكمة». ( الكافي، الكليني2: 237).
ومن الحوادث الطريفة التي وددت أن أختم بها، أنه يحكى أن أحد الملوك الذين كانوا في زمن رسول الله (ص)، كان قد أعلن في مملكته أن من نطق بكلمة طيبة من رعيته فله جائزة أربعمئة دينار، وهو مبلغ طائل. وفي يوم من الأيام كان الملك يسير، فرأى فلاحاً عجوزاً، وله من العمر تسعون عاماً، وهو يغرس شجرة زيتون، فقال له الملك : تعيش في هذا العمر وتغرس شجرة الزيتون؟ وأنت تعرف أنك لا تستطيع أن تأكل من ثمارها إلا بعد عشرين سنة؟!
فقال الفلاح : زرع السابقون فأكلنا، ونزرع فيأكلون. فأمر الملك بإعطائه الجائزة المخصصة، وقال له : أحسنت على هذا الكلام الطيب. فابتسم المزارع، فقال له الملك: أراك ابتسمت؟! قال: يأكل غيري بعد عشرين عاماً، وأنا أكلت الآن. فأمر الملك بإعطائه جائزة أخرى مماثلة. فابتسم مرة أخرى، فسأله الملك أيضاً عن سبب ابتسامته، فقال: المزارع يزرع ثم يحصل في سنة كاملة على ثمر هذا البستان، وأنا حصلت على ضعف ما أحصل عليه في سنة.
فقال الملك : أعطوه جائزةً ثالثة، فأعطوه، ثم سار الملك بسرعة، فقال له مستشاروه : نراك استعجلت المسير؟ فقال : لو أطلت الوقوف مع هذا الرجل لأعطيته جميع ما أملك في ميزانية الدولة.
من هنا ندرك أثر الكلمة الطيبة في المجتمع والحياة العامة، ونسأله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وسوف نواصل في الأسابيع التالية الحديث عن آفات اللسان ومحاسنه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 " آل الشيخ ولي العهد صانع تاريخ وباني مجد
- 2025-05-14 " آل الشيخ ولي العهد صانع تاريخ وباني مجد
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأحد أصدقائه
- 2025-05-13 سيري أليام
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يرعى حفل ختام النسخة الثانية من برنامج علماء المستقبل ويكرم الطلبة المشاركين
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يرعى حفل ختام النسخة الثانية من برنامج علماء المستقبل ويكرم الطلبة المشاركين
- 2025-05-13 والشعراء يمخرون بحر الطويل بأشرعة خافقات