
2017/07/20 | 0 | 1374
الشيخ حسين العباد :الفقهاء قادة الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾().
وصية الحجة بالفقهاء:
جاء في التوقيع عن الإمام الحجة (عج): «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنهم حجّتي عليكم وأنا حجة الله»().
وفي توقيع آخر: «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»().
أسعد الله أيامكم في هذه الأيام، أيام العيد السعيد، الذي مر في الأسبوع الفائت.
أيها الإخوة الأحبة: إننا نعيش هذه الأيام جريان هذا التوقيع الصادر عن صاحب العصر والزمان (عج) فقد كانت للإمام الحجة غيبتان، الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى. ففي عام 329 هـ في اليوم الرابع من شهر شوال بدأت الغيبة الكبرى، وذلك عندما انتقل السفير الرابع إلى جوار ربه. أما في الغيبة الصغرى فكان هنالك أربعة سفراء للإمام الحجة (عج)، يتواصلون معه، وكان الناس يتواصلون مع الإمام عن طريق هؤلاء الأربعة، الذين لم يكونوا في عرض واحد، إنما جاؤوا الواحد تلو الآخر. وكان الناس يرجعون إليهم بوصية من الإمام في أخذ الأحكام الشرعية.
وعند انتقال السفير الرابع علي بن محمد السمري إلى جوار ربه، في الرابع من شهر شوال سنة 329 هـ كان الإمام الحجة (عج) قد أوصاه أن لا يوصي إلى أحد من بعده، فكان الانتقال من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى. بل أخبره الإمام أنه سوف يرحل من هذه الدنيا بعد أيام قلائل، وهكذا وقع ما أخبر به، وانتقل إلى رحمة الله تعالى.
لقد ورد عن الإمام التوقيع بأن الغيبة الكبرى ليس فيها رجوع مباشر للإمام الحجة (عج) إنما ترك خطوطاً عريضة للأمة والمجتمع، بل للبشرية بأجمعها كي لا تضل من بعده، حيث قال في التوقيع الشريف: «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا» أي الموضوعات المستجدة التي تحتاج إلى بيان الحكم الشرعي فيها، فهذه يُرجع فيها إلى رواة الحديث، وهم الفقهاء الأمناء العدول.
مواصفات الفقيه:
وفي التوقيع الآخر بيّن الإمام الحجة (عج) مواصفات الفقهاء الذين يجب الرجوع إليهم في غيبته، بقوله: «فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه»(). أي يرجع إليه العوام في أخذ الأحكام الشرعية عنه. ويتمثل ذلك في مراجع الدين العظام في وقتنا الحاضر.
إن مشروع المرجعية بدأ مباشرة عند بداية الغيبة الكبرى، فكان الناس يرجعون إلى الفقهاء العدول الأمناء على الشريعة، ممن تجتمع عليهم الطائفة، وتبرزهم الحوزات العلمية. فالفقيه يقطع مشواراً طويلاً في الحوزة العلمية، في الدرس والبحث والتدريس والتحقيق، ويشهد له أهل الخبرة بالتقدم والأعلمية. فلا يكفي أن يمكث في الدراسة سنة أو سنتين أو عشر سنوات، إنما يمضي سنوات طويلة، يصل ليلها بنهارها، في التمحيص والتدقيق لكي يحقق المسائل الشرعية، وقد يقضي أياماً وليالي متواصلة في البحث عن مسألة واحدة فقط، يناقشها مع تلامذته في البحث الخارج الذي لا يقل الحضور فيه أحياناً عن الألف من خيرة الطلبة، كما هو الحال في المسجد الأعظم في قم، وكما كان الحال في النجف الأشرف أيضاً.
إن مسألة شرعية واحدة لا تتعدى الأحكام التكليفية الخمسة: الواجب، المستحب، الحرام، المكروه، المباح، قد تستغرق وقتاً طويلاً لكي تخرج لمساحة الفتوى، مع هذا الحضور الهائل من الطلبة المؤهلين للبحث الخارج، والقابلية الاستثنائية لأستاذ البحث الخارج، وهو الفقيه العادل الجامع للشرائط.
فالحكم الشرعي والفتوى لا تصدر جزافاً بلا تأمل، إنما يُبذل في صدورها الجهد والوسع والوقت، وتأخذ المساحة الكافية من البحث والتدقيق والتحقيق والمناقشة والأخذ والرد.
يُنقل عن بعض الفقهاء أنه عندما يصل إلى مرحلة إصدار الفتوى في مسألة شرعية، بعد البحث والدراسة والتحقيق، يبكي خشية من الله تعالى، فهناك عينٌ ناظرة من الله جل وعلا، ومن الإمام الحجة (عج) والفقيه محاسب على ذلك. فليس من الصحيح أن يتصور البعض أن إصدار الفتاوى عندنا من الأمور السهلة اليسيرة.
السيد السيستاني نموذجاً:
قبل أكثر من عشرون عاماً تشرفنا بزيارة الإمام أمير المؤمنين (ع) ووفقنا لزيارة السيد المرجع، وكان في زاوية المجلس الذي يُستقبل فيه الزوار ، فجاء أحد الفقراء المحتاجين يطلب من السيد أن يجيز له البقاء في البيت الذي يسكن فيه، وهو لأحد المهجّرين . وكانت مشكله يعايشها الكثير من أهل النجف وكربلا بعد التهجير القسري لي اصحاب الدور من قبل النضام البائد ، فكان الرجل يلح على السيد راجياً منه الإذن بالبقاء في البيت، فقال له السيد: الحكم الشرعي لا يسمح لك أن تسكن في بيت ليس لك دون إذن المالك. فكرر الرجل الطلب مراراً حتى رفع صوته على السيد، فالتفت له السيد قائلاً: هذه مسألة شرعية، وأنا مسؤول أمام الله. فقال الرجل للسيد : تجلسون تحت التكييف (المبردة) ولا تشعرون بنا. فسكت السيد قليلاً، ثم قال: هذا التكييف لكم أنتم، أما المكان الذي أقضي فيه طيلة وقتي للمطالعة والقراء فلا توجد فيه سوى مروحة.
فهذا الرجل العظيم لا يجلس تحت التكييف في بيته. ولا توجد في داره وسائل الراحه التي هي متوفرة عند اقل الناس ، بل طلب منه بعض أثرياء المنطقة قبل تسعة عشر عاماً أن يبني له بيتاً فقال له: عندما يسكن كل فقير في بيت يملكه عندئذٍ أسكن في بيت أملكه. ولا زال يسكن في بيت متهالك مساحته ستون متراً، وليس ملكاً شخصياً، إنما هو إيجار سنوي، وقد قضى فيه ستين عاماً.
هذا نموذج واحد من فقهائنا الذين نقلدهم، وهكذا سائر الفقهاء. فلا نتصور أن الفتوى أو المسألة الشرعية عندما تصدر تكون مسبوقة براحة ودعة وأنس، إنما سبقتها وصحبتها الكثير من الجهود والعناء.
فرضوان الله على السفراء الأربعة، ورحم الله الفقهاء الماضين، وحفظ الفقهاء المعاصرين، ونسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير، وآخر دعوانا الحمد لله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2025-05-21 محاضرة "أخلاقيات السرد " للدكتور كميل الحرز وسط حضور نخبوي
- 2025-05-21 من المتوقع أن يتحلل الكون في 1078 سنة، أي قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا
- 2025-05-21 بيئة الأحساء تُفعّل اليوم العالمي للنحل في لولو مول
- 2025-05-21 الجامعة الأهلية بالبحرين تتوسع في استقطاب الطلبة السعوديين المتميزين وتطلق حملتها من "الأحساء مول"
- 2025-05-21 برعاية سمو المحافظ : انطلاق منتدى ( الاحساء صديقة الطفل ) 25 مايو
- 2025-05-21 وفد الجامعة العالمية يلتقي الملحق الثقافي العراقي في لندن
- 2025-05-21 تخرج احفادي من الابتدائية فرحة اعادت لي ذكرياتي الاولى
- 2025-05-20 سمو محافظ الأحساء يُقلّد مدير الدفاع المدني بالمحافظة رتبته الجديدة
- 2025-05-20 "قرع الطبول في زيارة إسطنبول" للكاتب منير المنيري
- 2025-05-20 برعاية سمو محافظ الأحساء وكيل المحافظة يشهد حفل تخريج طلاب أكاديمية الكفاح المتوسطة تحت شعار طموح