
مسجد الامام علي بالمطيرفي ومسجد العباس بالمطيرفي ومسجد الشيخ الاوحد بالمطيرفي
2018/02/09 | 0 | 995
الشيخ حسين العباد :الروح محور الكمال
( موقع المطيرفي )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ (طه: 25 ـ 28).
عن رسول الله (ص) أنه قال لعلي (ع): «يا علي، إذا مات العبد قال الناس: ما خلّف؟ وقالت الملائكة: ما قدّم» (من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق4: 363).
علاقة الروح بالبدن :
من الظواهر التي نلاحظها دوماً في هذه الحياة، أن الإنسان إذا انتقل من هذه الدنيا يسأل الناس عما خلّفه من ورائه، من أموال وأولاد وما إلى ذلك، وهذا هو البشر بطبيعته، أما الملائكة فيسألون عما قدّم.
نتحدث في هذه الجمعة عن الإنسان بما هو إنسان، فالإنسان يتكون من بدن وروح، وكل من عاش في هذه الدنيا أو يعيش اليوم، أو سوف يعيش فإنه يتكون من هذين العنصرين، الروح والبدن.
أما البدن فيعيش في هذه الدنيا مصاحباً للروح، فلا يستطيع الإنسان أن يعيش بروحه فقط، ولكن بعد الانتقال إلى البرزخ ينفصل هذان العنصران عن بعضهما، ويبقى عنصر واحد وهو الروح. فالبدن ينتهي بالموت ويفنى، وتبقى الروح هي المحاسبة وهي التي تجزى وتعاقب أو تثاب.
إننا نجد أن الإمام الهادي (ع) عندما أُحضر إلى مجلس المتوكل العباسي، وكان المتوكل ثملاً، طلب منه أن يغني، فلم يجبه الإمام لذلك بالتأكيد، فطلب منه أن يشرب، فقال له : إنه لم يخالط دمي ولا لحمي . فقال له : إذن عظنا، فاستثمر الإمام (ع) هذه الفرصة فأنشد بعض أبيات الوعظ ومنها:
أين الوجوه التي كانت منعمةً من دونها تضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ
الى اخر القصيدة . يقال : فبكى المتوكل العباسي لما سمع بتلك الأبيات ذات المعاني العميقة، وقد طرقت أسماعه من فم إمام معصوم سار على منهج رسول الله (ص) الذي لا ينطق على الهوى ﴿إِنْ هُوَ إِلّا وَحْيٌ يُوْحَى﴾ (النجم: 4). وما يخرج من فم صادق، ومن قلب سليم، فلا شك أنه يقع في القلب، لذلك بكى المتوكل .
فالدود يقتتل على هذا الجسد الفاني، ولا يقتتل على الروح الباقية، ولكن الجسد ليس نهاية الإنسان، فالإنسان مرتبط بالروح التي هي الهدف من وجود الإنسان وهي قوام بقائه، وسوف تنتقل إلى الآخرة لتخلد في الجنان أو النيران والجحيم، بعد أن تحاسب على كل صغيرة وكبيرة .
ويثبت الأطباء أن آلاف الخلايا تموت في الإنسان في كل لحظة، وبعضها تعيش أياماً وبعضها سنوات، فهو في حالة موت دائم، والجسد ما هو إلا ظرف للروح ومحل لها. فعندما يخطئ الإنسان في هذه الدنيا فإن المحاسب هي الروح وليس الجسد، لأنه عندما يخطئ في لحظة ما فإن خلاياه الجسدية بعد ساعة غير موجودة. فالروح هي المعيار والمحور للمحاسبة وللعقاب والجزاء.
الروح محور الكمال :
ويتساءل البعض: هل يرتقي الإنسان في مراتب الكمال بروحه أم بجسده؟ الجواب: لا شك أنه يرتقي بروحه لا بجسده، فهنالك الكثير من البشر ضخام الأجساد، ويتمتعون بالقوة الجسدية الكبيرة، لكن هذا ليس المعيار في الكمال، فهنالك من تراه هزيلاً ضعيفاً، لكنه يرتقي بروحه إلى مستوى أرقى من الملائكة، فالإنسان باستطاعته أن يكون أرقى وأفضل من الملائكة ،كما أنه يمكن أن يكون بمستوى أدنى من الحيوانات، فالباري تعالى خلق الحيوان شهوة بلا روح، وخلق الملائكة روحاً بلا شهوة، وخلق الإنسان مركباً من روح وشهوة، فهو مرهون بتغليب أحدهما على الآخر، فإن غلبت شهوته روحه وعقله صار أدنى من الحيوانات، وإن حصل العكس وغلبت روحه شهوته صار أفضل من الملائكة.
وقد يقال هنا: هل ينبغي للإنسان أن يدع كل ما في الدنيا من لذائذ ونعم وخيرات؟ الجواب: إن تلك النعم واللذائذ من حقه، ولم يحرّم الله تعالى عليه ذلك، إلا أن هذه وسيلة وليست غاية، فالأكل والشرب ليسا هما الهدف، بل وسيلة لتقوية الجسد ليكون قادراً على تحمل متطلبات الروح، لأن الروح هي الهدف الأساس، فيرتقي بها إلى أرفع الكمالات. فهذه النعم والخيرات من المأكل والمشرب والمسكن والمركب وغيرها ليست هي الهدف، إنما هي وسيلة لبلوغ الهدف. لذا لا يمكن للإنسان أن يمنع نفسه منها بحال من الأحوال، ولم يمنعه الشرع من ذلك.
يقول الحق سبحانه وتعالى في بيان الطريق الذي رسمه للإنسان ليختار بنفسه ذلك الطريق أو يحيد عنه: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوّاهَا ~ فَأَلْهَمَهَا فُجُوْرَهَا وَتَقْوَاهَا ~ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ~ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ ( الشمس: 7 ـ 10). فمن لا يهيئ المقدمات في هذه الحياة لا يستطيع أن ينقذ تلك الروح التي بين جنبيه، ومن خلط الحلال بالحرام دون تمييز بينهما لا يستطيع أن يرتقي بتلك الروح، ومن لم ينصف أهله ونفسه مما يملك لا يستطيع أن يرتقي بالروح إلى مراتب الكمال. فلا بد من الإفادة مما نملك في هذه الحياة، ولكن يجب أن نسخر ذلك لخدمة الروح.
ويقول تعالى أيضاً: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوْءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيْدَاً﴾ (آل عمران: 30). فمن لم يقدم لنفسه خيراً سوف يتمنى بعد ذلك أن يكون بينه وبينها أمد بعيد.
الباقيات الصالحات :
عن الإمام الصادق (ع) أنه قال للحصين بن عبد الرحمن: «يا حصين، لا تستصغر مودتنا، فإنها من الباقيات الصالحات فقال الحصين: يا ابن رسول الله، ما أستصغرها، ولكن أحمد الله عليها» (مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب4: 215). وهي إشارة إلى قوله تعالى: ﴿وَالبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابَاً وَخَيْرٌ أَمَلَاً﴾ (الكهف: 46). فمن أهم الباقيات الصالحات مودة أهل البيت (ع). وإنما سميت الطاعات صالحات لأنها أصلح الأعمال للمكلف، بها يحاسب فيثاب أو يعاقب، فإن قبلت قبل ما سواها، وإن رُدت رد ما سواها، وأفضل ذلك كله ولاية ومودة أهل البيت (ع) من حيث أمر بها الله تعالى، ووعد الثواب عليها، وتوعد بالعقاب على تاركها.
وبناءً على ما قدمنا نلاحظ أن الكثير من الناس يسأل عن الإنسان إذا انتقل من هذه الدنيا فيقول: ماذا ترك؟ وماذا خلّف وراءه؟ إلا أن الصحيح أن يقال: ماذا قدم بين يديه لربه وآخرته؟
صحيح أن ما يقدمه الإنسان هو أمر خاص فيما بينه وبين ربه، وليس مطلوباً منا أن نستكشف الأسرار ونسأل عن الخفايا، إنما نحن مكلفون بالتعامل مع الظاهر. ولكن المقصود هنا أن ما يقدمه الإنسان بين يديه هو الأهم، وليس ما يخلفه وراءه.
في الرواية الشريفة: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم كان علمه الناس فانتفعوا به، وولد صالح يدعو له» (شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد20: 258). فمن يترك خلفه ولداً صالحاً يكون سبباً في ثوابه المستمر، ففي الوقت الذي خلفه وراءه وتركه خلفه، قدمه بين يديه أيضاً ليكون زاداً له في آخرته. وهذا من الأمور الظاهرة التي نراها بأعيننا، أما البواطن فعلمها عند الله تعالى.
فحقيقة الموت إذن هي الانتقال من حياة إلى أخرى، وليس الفناء. والله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس بنص القرآن الكريم. قال تعالى: ﴿اللهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِهَا﴾ (الزمر: 42).
ومن خطبة لأمير المؤمنين (ع) بهذا الصدد: «فلو أن أحداً يجد إلى البقاء سلماً، أو لدفع الموت سبيلاً، لكان ذلك سليمان بن داود (ع) الذي سُخِّر له مُلكُ الجن والإنس، مع النبوة وعظيم الزلفة، فلما استوفى طُعمته، واستكمل مدته رمته قِسيُّ الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة وورثها قومٌ آخرون» (نهج البلاغة: 262. صبحي الصالح).
وقد تقدم فيما مضى أن من أعظم الباقيات الصالحات حب وموالاة النبي (ص) وأهل البيت (ع). قال رسول الله (ص): «حبي وحب أهل بيتي نافع في سبعة مواطن أهوالهنّ عظيمة، عند الوفاة، وفي القبر، وعند النشور، وعند الكتاب، وعند الحساب، وعند الميزان، وعند الصراط»().
فمن يحب النبي (ص) وأهل البيت (ع) ويتمسك بهم، ويسير على نهجهم، فإنه سوف ينتفع بذلك في سبعة مواطن ذكرها الحديث الشريف الماضي.
ومما يحسن ذكره هنا تلك القصة المعروفة بقصة السيد الحميري، وهو من أبرز شعراء أهل البيت (ع) وقصة انتقاله إلى مذهب أهل البيت (ع) معروفة.
يقول الحسين بن عون: دخلت على السيد بن محمد الحميري عائداً في علته التي مات فيها، فوجدته يُساق به، ووجدت عنده جماعة من جيرانه، وكانوا عثمانية، وكان السيد جميل الوجه، رحب الجبهة، عريض ما بين السالفتين، فبدت في وجهه نُكتة سوداء مثل النقطة من المداد، ثم لم تزل تزيد وتنمي حتى طبقت وجهه ـ يعني اسوداداً ـ فاغتم لذلك من حضره من الشيعة، فظهر من الناصبة سرور وشماتة، فلم يلبث بذلك إلا قليلاً حتى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء، فلم تزل تزيد أيضاً وتنمي حتى أسفر وجهه وأشرق، وافتر السيد ضاحكاً، وأنشأ يقول:
كذب الزاعمون أن علياً لن ينجّ محبَّه من هناةِ
قد وربي دخلت جنة عدنٍ وعفا لي الإله عن سيئاتي
فابشروا اليوم أولياء عليٍّ وتولوا علياً حتى الممات
ثم من بعده تولوا بنيه واحداً بعد واحدٍ بالصفات
ثم أتبع قوله هذا: أشهد أن لا إله إلا الله حقاً حقاً، وأشهد أن محمداً رسول الله حقاً حقاً، أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقاً حقاً، أشهد أن لا إله إلا الله، ثم أغمض عينيه بنفسه، فكأنما كانت روحه ذُبالة طَفئت (فتيلة)، أو حصاة سقطت().
ذكرى معركة الجمل:
في العاشر من جمادى الأولى عام 36 هـ وقعت حادثة مأساوية جداً، وثقيلة على قلوب المسلمين، وشديدة على قلب علي بن أبي طالب (ع) إذ فقد المسلمون خمسة عشر ألف رجلاً منهم، فيهم القراء والحفاظ والرموز من الصحابة، تلك هي حادثة الجمل، التي وقعت بين المسلمين.
كان الطرف الأول يتمثل بعلي بن أبي طالب وأصحابه ومنهم محمد بن أبي بكر وعمار بن ياسر وغيرهما، والطرف الثاني يتمثل بطلحة والزبير وأم المؤمنين عائشة، فنصحهم أمير المؤمنين (ع) وأرسل إليهم الرسل لكي يردهم عن غيهم، إلا أنهم بلغ بهم الحال أن يقتلوا الرُّسُل! فلم يبق خيار أمام عليّ (ع) إلا أن يناجزهم القتال، فوقعت تلك الواقعة، وانهزم الطرف الآخر بعد أن حدثت مقتلة عظيمة.
ووقف علي بن أبي طالب على رأس المرأة، وكان معه محمد بن أبي بكر، فخاطبها قائلاً: هل أمرك رسول الله (ص) بذلك؟ ألم يأمرك أن تقرّي في بيتك؟ والله ما أنصفك الذين أخرجوك، إذ صانوا حلائلهم وأبرزوك. ثم أمر أخاها محمد بن أبي بكر أن يعيدها إلى المدينة المنورة. فرجعت مع مجموعة من بني عبد القيس، من أهالي هذه المنطقة، ثقةً بهم، بصحبة محمد بن أبي بكر. فأعادوها معززةً مكرّمة. ولنا أن نفخر بذلك الوسام الذي منحنا إياه علي بن أبي طالب (ع). وانتهت تلك المعركة بفقد الآلاف من المسلمين.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لكل خير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2025-05-21 محاضرة "أخلاقيات السرد " للدكتور كميل الحرز وسط حضور نخبوي
- 2025-05-21 من المتوقع أن يتحلل الكون في 1078 سنة، أي قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا
- 2025-05-21 بيئة الأحساء تُفعّل اليوم العالمي للنحل في لولو مول
- 2025-05-21 الجامعة الأهلية بالبحرين تتوسع في استقطاب الطلبة السعوديين المتميزين وتطلق حملتها من "الأحساء مول"
- 2025-05-21 برعاية سمو المحافظ : انطلاق منتدى ( الاحساء صديقة الطفل ) 25 مايو
- 2025-05-21 وفد الجامعة العالمية يلتقي الملحق الثقافي العراقي في لندن
- 2025-05-21 تخرج احفادي من الابتدائية فرحة اعادت لي ذكرياتي الاولى
- 2025-05-20 سمو محافظ الأحساء يُقلّد مدير الدفاع المدني بالمحافظة رتبته الجديدة
- 2025-05-20 "قرع الطبول في زيارة إسطنبول" للكاتب منير المنيري
- 2025-05-20 برعاية سمو محافظ الأحساء وكيل المحافظة يشهد حفل تخريج طلاب أكاديمية الكفاح المتوسطة تحت شعار طموح