
مسجد الامام علي بالمطيرفي ومسجد العباس بالمطيرفي ومسجد الشيخ الاوحد بالمطيرفي
2018/03/10 | 0 | 1182
الشيخ حسين العباد :اآفات اللسان
( موقع المطيرفي )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. ( طه: 25 ـ 28).
سئل الإمام السجاد (ع) عن الكلام والسكوت، أيهما أفضل؟ فقال (ع): «لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات فالكلام أفضل من السكوت. قيل: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: لأن الله عز وجل ما بعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحقت الجنة بالسكوت، ولا استوجبت ولاية الله بالسكوت، ولا وقيت من النار بالسكوت، ولا تُجُنِّبَ سخط الله بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام». (وسائل الشيعة، الحر العاملي12: 188).
لا زال الحديث مرتبطاً بالجمعة الماضية، وقد تحدثنا هناك عن الكلام والسكوت واللسان، وخرجنا بنتيجة أن اللسان تارةً يكون لسان الخير وأخرى لسان الشر، وفي هذه الجمعة افتتحنا الكلام بحديث عن الإمام زين العابدين (ع) وأنه عندما يسلم اللسان من الآفات، يكون الكلام أفضل من السكوت. وفي هذه الجمعة المباركة نتحدث عن آفات اللسان. وهي كما يلي :
1 ـ كثرة الكلام واللغو: فمن آفات اللسان كثرة الكلام واللغو. يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): «ومن كثر كلامه كثر خطؤه». (نهج البلاغة، 536. صبحي الصالح). فمن يتكلم كثيراً، ولا توجد لديه ضوابط محسوبة في الحديث فلا شك أنه يخطئ كثيراً.
وقد أشارت الكثير من الآيات إلى اللغو، وأنه من الصفات الذميمة، وقبل ذكر الآيات الشريفة لا بد من تعريف اللغو فنقول : هو كل قول لا فائدة فيه، ولا طائل من ورائه، فمن أراد أن يتحدث لا بد أن ينظر أولاً ما هي الفائدة المترتبة على هذا الحديث؟ صحيح أنه يتكلم بكلام مباح، إلا أن المحذور هو أن يقع في الخطأ، لأن كثرة الكلام بلا هدف عقلائي كثيراً ما تؤدي إلى الخطأ، بل قد يقود صاحبه إلى الغيبة والنميمة والبهتان وغيرها. ففي الأعم الأغلب يكون صدور تلك الذنوب بسبب كثرة الكلام.
فالكلام خير من السكوت بشرط أن يسلم من الآفات، ومن آفاته اللغو. فإذا احتمل المتكلم عروض الآفات على حديثه فعليه أن يسكت، والسكوت أفضل، مع أن السكوت أحياناً يكون ذنباً، كما لو سمع السامع الغيبة فلم ينصر المغتاب، فمن سمع ذلك ولم يتكلم كان شريكاً في الذنب. وأضعف الإيمان أن تنسحب من مجلس الغيبة، فهي كبيرة من الكبائر.
يقول تعالى: ﴿وَالَّذِيْنَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُوْنَ﴾. ( المؤمنون: 3). وهذه الآية في وصف المؤمنين كما هو معروف. واللغو مما يستحق سخط الله تعالى إذا ترتبت عليه الآثام والذنوب التي ذكرنا أمثلةً لها.
ومن أبرز مصاديق اللغو التي أشار إليها العلماء الغناء، فهم يستشهدون لحرمة الأغاني بآية الإعراض عن اللغو، ولكن العنوان العام للغو هو كل ما يسخط الله تعالى من قول أو فعل، فيجب الإعراض عن اللغو.
ومن صور الإعراض الابتعاد عن المكان الذي ترتكب فيه المعصية، وهو أضعف الإيمان، وإن جلست أيها الأخ المؤمن فأنت شريك في المعصية.
فيجب على المؤمن أن يكون هدفه في كل فعل أو قول معروفاً ومحدداً وصحيحاً، فعندما يتحدث لا بد أن يحدد الهدف، وعندما ينوي القيام بعمل فردي أو اجتماعي لا بد له من تحديد الهدف، وأن يكون للهدف فائدة أو ثمرة مفيدة.
أيها الإخوة: لخطورة هذا المفهوم (اللغو) فقد ذُكر في الآية الشريفة بين معنيين، هما: قوله تعالى: ﴿الَّذِيْنَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُوْن﴾، (المؤمنون: 2). وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِيْنَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُوْنَ﴾. ( المؤمنون: 4). فهذان العملان من أبرز وأفضل الأعمال، مما يؤكد أن الإعراض عن اللغو بمستوى الصلاة الخاشعة وبمستوى إيتاء الزكاة، وهو من علامات المؤمن المهمة التي ذكرتها السورة المباركة. فكما أن من لا يصلي ولا يؤتي الزكاة لا تشمله مواصفات المؤمنين، فكذلك من لا يُعرض عن اللغو.
2 ـ الخوض في الباطل والكلام في المعاصي : فعندما يخوض المؤمن في حديث بالباطل فذلك من أبرز آفات اللسان، وكذلك الحديث في المعاصي وإن كانت بعيدة. فلو أتى من هو غريب عن مجتمعنا وارتكب المعصية فينبغي عدم الخوض فيها معه بأي شكل من الأشكال، لا سيما الحديث عنها. فالبعض والعياذ بالله يشعر بالأنس عندما يتحدث عن المعاصي، فهذه إذن من آفات اللسان.
قال تعالى: ﴿وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَديثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقينَ وَالْكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعاً﴾. (النساء: 140).
وقال تعالى: ﴿وَإِذا رَأَيْتَ الَّذينَ يَخُوضُونَ في آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا في حَديثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِيْن﴾، (الأنعام: 68).
فالقرآن يؤكد عدم الجلوس مع من يخوضون في الباطل والمعاصي حتى يتغير حديثهم فيتحدثوا بحديث آخر لا معصية فيه.
لقد حذر القرآن الكريم المؤمنين، كما حذرت الكتب السماوية من قبله أن يجالسوا من يخوضوا في الباطل، ونزلت الآيات على النبي (ص) تؤكد هذا المعنى، وهو أن من يخوض في الباطل فلا بد من الابتعاد عنه وعن مجالسته.
كما يجب على المؤمن أن لا يسكت إذا كانت هنالك افتراءات على إنسان مؤمن، أياً كان هذا المؤمن، ويجب أن يدافع عنه، فإن أصر المتحدث على الحديث، فعندئذٍ لا بد من الانسحاب من ذلك المجلس.
يُنقل عن السيد الخوئي رحمه الله أنه كان يقول : سوف أعفو عن كل من أساء إليّ بكلامه، إلا طلبة العلم ورجال الدين، فقيل له : أليس هؤلاء أولى بالعفو؟ قال : لا، لأنهم يجيدون تبرير الحديث. أي أنهم إذا أرادوا الكلام عن أحد فسّقوه أولاً، وأخرجوه من دائرة الإيمان.
نعم، إن الإنسان يخطئ، ورجل الدين إنسان، وأي إنسان لا يخطئ سوى المعصومين؟ ولكن ليس هذا مبرراً لتسليط الضوء على عيوبه وكثرة الحديث عنه بسوء، ثم من أنت أيها المتكلم حتى تقيّم غيرك؟ أليس الأولى بك أن تنشغل بعيوبك؟ وهل أنت المعيار والميزان لنقيس أفعال الآخرين عليك؟.
فلا بد إذن لمن يسمع الحديث بالباطل أن يتحرك ويدافع ويمنع ذلك المتكلم، وإلا فهو شريك في ذلك الجرم والإساءة. فالمجاملة والسكوت تعتبر شراكة في المعصية، حتى لو قال: إنني لست راضياً بذلك الحديث، لأنه يجب عليه أن يخرج من المجلس الذي يخاض فيه بالباطل، وإلا فهو شريك.
يقول تعالى: ﴿وَكُنّا نَخُوْضُ مَعَ الخَائِضِيْنَ﴾. ( المدثر: 45). ويقول النبي الأعظم (ص): «إن أعظم الناس خطايا يوم القيامة، أكثرهم خوضاً في الباطل». (نهج الفصاحة، أبو القاسم باينده: 274). فعلى المرء أن يراجع نفسه في كل يوم وليلة لئلا يكون قد خاض في الباطل. فأكثر الناس خطايا هم من كانوا يخوضون في الباطل، ولعلهم لم يكونوا يعلمون ذلك، ولكن مع وجود هذه الطفرة المعلوماتية يكون مقصراً وليس قاصراً.
وقال رسول الله (ص): «ألا ومن سمع فاحشةً فأفشاها فهو كالذي أتاها». (من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق4: 15). فالبعض يسارع في إفشاء الفاحشة، بمجرد سماعها، بل قد يستعجل الخروج من المجلس ليفشيها في مجلس آخر، وهذا ومن أتى الفاحشة ونشرها سواء.
البعض ـ مع شديد الأسف ـ بمجرد أن تصله رسالة عن طريق (واتسب) أو غيره ينشرها بسرعة، دون التحقق منها، فربما كانت من الباطل، وربما ترتب عليها ضرر، أو ترتب عليها أذىً، أو غير ذلك. فهذا كله مسارعة في الباطل، وهو ما لا ينبغي للمؤمن، لأنه سيكون شريكاً في المعصية.
3 ـ الفحش والسب واللعن وبذاءة اللسان : والفحش هو التصريح بما هو مستقبح، مما لا يجوز إلا بين الزوجين. والسب هو الشتم، ومواجهة الأخرين بعبارات قبيحة، وهذه تؤذي من وُجّهت إليه بلا شك. وأما اللعن فهو الدعاء بالطرد من رحمة الله، ونزول العذاب على الآخر، فالبعض ـ مع شديد الأسف ـ أدمن تكرار عبارة: اللهم العن فلاناً من الناس، ولشدة تداولها صار البعض يلعن ابنه وأخاه وجاره وصديقه، وكأنها كلمة روتينية، وهي كلمة عظيمة جداً.
في الحديث عن رسول الله (ص) : «حرم الله الجنة على كل فاحش بذيء لا يبالي ما قال ولا ما قيل له». (وسائل الشيعة، الحر العاملي16: 36). وعن الإمام الباقر (ع): «إن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينهما، فإن وجدت مساغاً وإلا رجعت على صاحبها». ( الكافي، الكليني2: 360).
فمن لعن إنساناً آخر، فإن هذه اللعنة إن لم تجد في الملعون مسلكاً ومبرراً، عادت على صاحبها، فيكون القائل هو الملعون.
ويفترض بمن يوجه إليه اللعن أن يعالج الأمور بالتي هي أحسن، لأنه أيضاً سيكون مشمولاً بما سبق، فإن رد اللعن على المقابل كان محكوماً بتلك الأحكام، أي أن تلك اللعنة إن وجدت مساغاً فيه فبها ونعمت، وإلا رجعت عليه أيضاً، كما رجعت لعنة المقابل إليه. فالمطلوب أن يدعو له بالمغفرة كما نصت الروايات الشريفة، وأن لا يصب الزيت على النار.
فقد سمع الإمام أمير المؤمنين (ع) رجلاً يشتم قنبر، فرام قنبر أن يرد عليه، فناداه الإمام قائلاً: «مهلاً يا قنبر، دع شاتمك مهاناً، تُرضي الرحمن، وتُسخط الشيطان، وتعاقب عدوّك. فوَ الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمنُ ربه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطان بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت». (الأمالي، الشيخ المفيد: 118).
فمن اعتدى عليك وتركته دون رد، فإن النتيجة ستكون كما ذكرها أمير المؤمنين، وهو أن يكون مهاناً، وأن الله تعالى يرضى عنك، وهذه هي الغاية التي يريدها الإنسان ويسعى إليها، وأن الشيطان يسخط ويتأذى من ذلك، وسوف تعاقب الخصم الذي شتمك.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2025-05-21 محاضرة "أخلاقيات السرد " للدكتور كميل الحرز وسط حضور نخبوي
- 2025-05-21 من المتوقع أن يتحلل الكون في 1078 سنة، أي قبل وقت أطول بكثير مما كان يُعتقد سابقًا
- 2025-05-21 بيئة الأحساء تُفعّل اليوم العالمي للنحل في لولو مول
- 2025-05-21 الجامعة الأهلية بالبحرين تتوسع في استقطاب الطلبة السعوديين المتميزين وتطلق حملتها من "الأحساء مول"
- 2025-05-21 برعاية سمو المحافظ : انطلاق منتدى ( الاحساء صديقة الطفل ) 25 مايو
- 2025-05-21 وفد الجامعة العالمية يلتقي الملحق الثقافي العراقي في لندن
- 2025-05-21 تخرج احفادي من الابتدائية فرحة اعادت لي ذكرياتي الاولى
- 2025-05-20 سمو محافظ الأحساء يُقلّد مدير الدفاع المدني بالمحافظة رتبته الجديدة
- 2025-05-20 "قرع الطبول في زيارة إسطنبول" للكاتب منير المنيري
- 2025-05-20 برعاية سمو محافظ الأحساء وكيل المحافظة يشهد حفل تخريج طلاب أكاديمية الكفاح المتوسطة تحت شعار طموح