
2017/07/25 | 0 | 1222
الشيخ حسين العباد آداب الانتظار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين. واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾.
أسباب الغيبة الكبرى:
ورد عن النبي الأعظم (ص): «أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج».
لا زال الحديث متصلاً بما تناولناه في الجمعة الماضية من التوقيعين الواردين عن الإمام الحجة (عج) من أمره بالرجوع للفقهاء رواة الحديث، وكذلك صفة الفقيه الذي يصح الرجوع إليه، من صون النفس، ومخالفة الهوى، وإطاعة المولى. كما تحدثنا عن الغيبتين الصغرى والكبرى، وأن الغيبة الصغرى تميزت بوجود النواب الأربعة، وقد انتهت بوفاة السفير الرابع علي بن محمد السمري، ثم كانت الغيبة الكبرى. فما هي الأسباب التي أدت إلى غيبة الإمام الحجة (عج) في هذه المرحلة؟
لقد ذكر العلماء عدة أسباب لذلك، منها:
1 ـ خوف القتل: فقد تتبّع بنو العباس الأحاديث التي وردت عن رسول الله (ص) وأئمة أهل البيت (ع) في شأن الإمام الحجة، والتأكيد على حتمية وجوده وظهوره، وأنه الإمام الثاني عشر. فكانوا يسعون لخلق البلبلة والتشويش في أذهان المؤمنين في تلك المرحلة، فوضعوا الأحاديث المختلفة، وسموا باسم المهدي، فكان المهدي العباسي، لخلق التشويش في أذهان المؤمنين بأن يكون المذكور هو المهدي المنتظر المشار إليه في روايات أهل البيت (ع)، وقبل ذلك الأحاديث عن رسول الله (ص).
ففي مرحلة الإمامين الهادي والعسكري (ع) كانت الظروف قاسية جداً، لا لأنهم أئمة أهل البيت (ع) فقط، بل لأنهم كانوا يعيشون مرحلة خاصة تمثل حالة الترقب لولادة الإمام المهدي (عج). لذا قاسى هذان الإمامان من العذاب والمضايقات ما يفوق حدّ التصور، لا سيما الإمام العسكري (ع).
لقد كانت هناك مراقبة تجسسية دقيقة لنسائه وجواريه كي لا يخرج هذا المولود المشار إليه من رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) في رواياتهم. فكانت هناك نساء من قبل السلطة يترددنَ على بيت الإمام (ع) باستمرار لملاحظة ما يجري داخل بيته، ومراقبة النساء واستطلاع أخبارهنّ.
لذا تميزت ولادته بميزات غير طبيعية، سواء من حيث الحمل غير البيّن، الذي لم تظهر علائمه على والدة الإمام، أم من حيث الولادة.
ولعل أحداً يسأل: هل أن الخوف من القتل منقصة بحق الإمام المعصوم؟ الجواب: أن الخوف لم يكن على نفسه هو، ولم يخف من الموت بما هو موت، إنما هو الخوف على الأمة، كي لا تخلو الأرض من حجة. فليس لدينا إمام من الأئمة (ع) يخاف على نفسه من القتل بما هو قتل، إنما خوفهم على الأمة.
يقول الشيخ الطوسي معللاً غيبة الإمام الحجة (ع): لا علة تمنع من ظهوره إلا خوفه على نفسه من القتل، لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمل المشاق والأذى، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء (ع) إنما تعظم لتحملهم المشاق العظيمة في ذات الله تعالى.
2 ـ الامتحان والاختبار للأمة: لا سيما للجماعة المؤمنة. فلو أننا لاحظنا الفترة الزمنية منذ بدء الغيبة الكبرى إلى يومنا هذا، لوجدنا أن الكثير انزلق عن الجادة، فهناك دعاوى بالنيابة الخاصة عن الإمام مثلاً، أو السفارة الخاصة، أو اللقاء الخاص بالإمام، أو الرسالة الخاصة عنه، وهكذا، وكلها دعاوى باطلة وأكاذيب لا واقع لها من الصحة، فنّدها الأئمة (ع) قبل العلماء. وهناك بعض الأحداث من هذا القبيل حدثت قبل ألف سنة، أي قرب بداية الغيبة الكبرى.
فلا وجود لنيابة خاصة، ولا لسفارة خاصة. والإمام الحجة (ع) يصرّح بذلك قبل موت علي بن محمد السمري، فقد كان يعلم أن هناك من يخرج ويدعي ذلك. يقول (ع): «وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة، ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفترٍ».
فمن أسباب غيبته (ع) امتحان الأمة بتلك الغيبة، لا سيما شيعة أهل البيت (ع) وهذا ما يشير إليه الإمام الصادق (ع) بقوله: «أما والله ليغيبَنَّ إمامُكم سنيناً من دهركم، ولتُمَحَّصُنَّ حتى يقالَ: ماتَ، قُتل، هَلكَ، بأي وادٍ سلك، ولَتَدمعَنَّ عليه عيونُ المؤمنين، ولتُكْفَؤُنَّ كما تُكفأ السفن في أمواج البحر، فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان، وأيده بروح منه، ولتُرفعَنَّ اثنتا عشرة راية مُشتبِهة، لا يُدرى أيٌّ من أيٍّ.
وقد حصل من ذلك الكثير، لا من المدارس الأخرى، إنما ممن انتحلوا اتّباع أهل البيت (ع) بلحاظ اعتبارات دنيوية. بل حصل ذلك في حياة الأئمة (ع) كما هو الحال في علي بن حمزة البطائني، وهو وكيل عن الإمام الكاظم (ع)، فقد ادعى أن الإمام (ع) لم يمت، إنما رفع إلى السماء، من أجل أن يستأثر بالأموال التي كانت عنده.
فالفئة الناجية عند الامتحان والاختبار هم أولئك الذين تدمع عيونهم لفراقه كما تذكر الرواية الشريفة، والذين أخذ الله ميثاقهم، وكتب في قلبوهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، ونسأل الله جل وعلا أن نكون منهم.
والامتحان والابتلاء سنة إلهية جرت في عباد الله، وهنيئاً لمن نجح فيهما. يقول جل وعلا: ﴿الَّذي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزيزُ الْغَفُور﴾. ويقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُون﴾. فلا بد أن يمر الإنسان بمرحلة الافتتان والابتلاء والامتحان والاختبار، ليميز الخبيث من الطيب، أو لينقل المؤمن إلى درجة أعلى.
فالابتلاء للمؤمن رفع درجة، ومن أبرز مصاديق الابتلاء والامتحان في هذه المرحلة الغيبة الكبرى.
3 ـ الغيبة سر من أسرار الله جل وعلا: فالأسباب التي ذكرها العلماء إنما هي استنتاجات علمية، لكن الحقيقة التي لا محيص عنها أن هذه الآراء مهما بلغت فلا يستطيع أحد أن يدعي أنها عين الواقع والحقيقة، فتبقى الغيبة سراً من أسراره التي لا تنكشف إلا عند ظهور الإمام الحجة، وما ذكر لا يتعدى الاحتمالات.
دور المؤمن في زمن الغيبة :
في المرحلة المهمة والخطيرة من حياتنا لا بد أن نتذكر أن هنالك آداباً ووظائف لا بد من مراعاتها، نذكر منها:
1 ـ انتظار الفرج: وهو أفضل العبادة كما ورد في الرواية الشريفة، أو أفضل الأعمال.
2 ـ الدعاء له بتعجيل الفرج: لا سيما الدعاء المعروف: «اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن، صلواتك عليه وعلى آبائه، في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً، ودليلاً وعيناً، حتى تسكنه أرضك طوعاً، وتمتعه فيها طويلاً». فهنالك حث وتأكيد من العلماء والعرفاء على التزام هذه العبارات التي وردت عنهم. وفرج الإمام الحجة إنما هو فرج للمؤمنين كما ورد في الروايات الشريفة أيضاً.
3 ـ الاقتداء بالإمام: أي التعرف على صفات الإمام وسجاياه وشمائله وسيرته، فمن يتبع أحداً ويعتني بأمره لا بد أن يعرف صفاته وشمائله. فمن يصاحب أحداً نجد أنه يهتم لمعرفته أيما اهتمام، فكيف بمن يتبع الإمام؟ فلا بد أن نطلع على صفاته وأخلاقه وشمائله، فهو إمامنا الذي ارتبط فرجنا بفرجه، ونجاتنا بظهوره.
فمن الجميل بالمؤمنين الذين يقيمون الدعوات والولائم في استضافة العلماء وطلبة العلم أن يطلبوا إليهم أن يتحدثوا لهم قليلاً عن الإمام الحجة (عج) ليكون ذلك من المجالس التي أحبها الله جل وعلا وبارك فيها، وحث عليها الأئمة (ع). فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال لفضيل: «تجلسون وتُحدِّثون؟ قلت: نعم، قال: تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. يا فضيل، من ذكَرَنا أو ذُكرنا عنده، فخرج عن عينيه مثلُ جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر».
فمن الجميل أن نطلب من المدعو أن يتحدث ولو يسيراً عن الإمام الحجة (عج). فذكر سيرتهم وحياتهم عبادة، حتى وإن كان السائل يعرف الكثير عنهم، فالتكرار بحد ذاته عبادة، كما أن تكرار الآيات الشريفة وتلاوتها عبادة، فهذا قرآن صامت، وأولئك قرآن ناطق، وهما عدل الكتاب الكريم بنص حديث الثقلين، وهناك ملازمة أكيدة بين القرآن والعترة.
فالحديث عن الإمام (ع) وحياته وعلائم الظهور والأحداث الأخرى في عصر الظهور وغير ذلك، من الأمور المؤكدة، وهي عبادة وعمل صالح.
4 ـ إظهار المحبة للإمام: وهذه ليست مخصوصة برجال الدين فحسب، إنما تعني الجميع.
5 ـ التصدق عن الإمام: والدعاء له بالسلامة عند التصدق، لا سيما في ليلة الجمعة.
6 ـ إهداء ثواب الأعمال للإمام (عج): فهناك الكثير من الأعمال التي يمكن إهداء ثوابها للإمام، كما في الصلوات على محمد وآل محمد ليلة الجمعة، أو غيرها من الأعمال. وكذلك الزيارة نيابة عنه، وإهداء ثوابها له. فعين الإمام الحجة ناظرة إلينا، وأعمالنا تعرض عليه كل خميس وإثنين.
7 ـ الأدعية المخصوصة: ومنها دعاء العهد في كل صباح، ودعاء الفرج، وغيرهما.
وهناك آداب أخرى كثيرة ينبغي التزامها مع الإمام الحجة في غيبته، نكتفي بهذا القدر منها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
جديد الموقع
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 فصول مزهرات بالقصائد في بيت الشعر بالشارقة
- 2025-05-14 " آل الشيخ ولي العهد صانع تاريخ وباني مجد
- 2025-05-14 " آل الشيخ ولي العهد صانع تاريخ وباني مجد
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يكرّم مواطنًا تبرع بكليته لأحد أصدقائه
- 2025-05-13 سيري أليام
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يرعى حفل ختام النسخة الثانية من برنامج علماء المستقبل ويكرم الطلبة المشاركين
- 2025-05-13 سمو محافظ الأحساء يرعى حفل ختام النسخة الثانية من برنامج علماء المستقبل ويكرم الطلبة المشاركين
- 2025-05-13 والشعراء يمخرون بحر الطويل بأشرعة خافقات