
2008/12/30 | 0 | 540
الاستخفاف تخلف إيماني
وسيكون حديثنا هذه الليلة في مجالين :
1- الاستخفاف بالحرمات : والحرمات هي مصطلح شرعي ، ونعلم أن اللغة الشرعية تعتبر منطق العقل والنفس ، وما كان كذلك لابد أن تتجلى فيه قدرات وهي :
أ / سرعة التأثر في مكامن النفس والعقل .
فلو خاطبتَ متدينا هم بفعل شيء ما ، وقلت له هذا من الحرمات ، فإنه ينقطع عن فعله ويخالف إرادته لما في هذه العبارة من الأثر على عقله ونفسه .
ب/ مصطلح الحرمات لا يخيف بل يحبب لمكامن الإنسان ،
لأنه بامتثاله يقرب من الله سبحانه بالتزام أوامره واجتناب نواهيه ، فإذا قيل للمؤمن مثلاً هذا حرمه رسول الله سرعان ما نتأثر ويرق قلبه لمحبته لرسول الله صلى عليه وآله . فلهذه الكلمة تأثير ساحري تولد الشعور بالمحبة .
ج/ تبعث في النفس قوة الردع والزجر .
فإذا امتنع المؤمن عن أمر ما احتراما لحرمة ذلك الشيء ، فهذا معناه قوة الردع لديه قوية بحيث نفسه وعقله يبعدانه محبة لذلك .
والمصطلحات الشرعية تنسجم مع مكامن النفس والعقل هذا لمن يفهمها ، لكن إذا لم يفهمها يكون متخلفا إيمانياً بعيداً عن الفطرة السليمة التي يؤيدها العقل و النفس . فلو أخذنا كلمة ( ميت ) ، ولم نقرنها بدون قرينة معها تكون جافة وغير مؤثرة بشكل واضح ، ولو تم مقارنتها بكلمة حرمة الميت كحرمته حياً أعطت تميزا للعبارة ، وأخذت من النفس والعقل مساحتها ، فيتحرك بدافع قوي نحو الميت ، وقيامة كل ما من شأنه أن يعطي للميت قيمته كما لو كان حياً . هذا لو كان الميت مؤمناً عاديا ، فما بالك لو قلنا حرمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن معاني السمو والعظمة تتجلى في شخص النبي ، فمن الخطأ الفادح والمشين ما يقال وهو أن رسول الله لا ينفع ولا يضر لأنه قد مات هذا من التخلف الإيماني ، وعدم الوعي بالمصطلحات الشرعية .
كما أن هذا الداء لم يقتصر على المتخلفين إيمانياً ، بل طرأ على بعض المسلمين والمحسوبين على التدين . فقد جاء رجل للإمام الصادق عليه السلام يقول له : ( كسرت عظم إنسان ميت ). فقال له الإمام معاتباً:( إن حرمة الميت أعظم من حرمته حياً ) فكأن هذا الرجل أراد أن يخفف ما فعله فيكون ذلك استخفافا . وهناك مغسلي الأموات من الرجال والنساء الذي هو فرض كفائي على الأمة تجده في عزلة و يستوحشون الناس من مجالسته والحديث معه وهذا تعدي على حرمة المؤمن وكأن هذه المهنة شيء مشين . ومن الأخطاء أيضاً بعض مغسلي الموتى يترك الملاصق الطبية على جسد الميت ، وكم من الموتى لم يحسن المغسلون تغسيلهم ؟! وهنا يتبادر سؤال وهو لماذا يطالب الإسلام بحرمة المسلم ؟
إن ما يتبادر للأذهان أن الحي تذهب حرمته وقيمته بمجرد موته ، وهذا تصور خاطئ ن فقد بين الإمام الصادق عليه السلام أن حرمته أعظم إذا مات . فجاء الإسلام يؤكد احترام حرمة الميت ، وجاء في الأثر عن أهل البيت عليهم السلام : (اللهم أدخل على أهل القبور السرور ) . بل أبعد من ذلك الميت لا يجوز غيبته ، ولا يُسخر منه . ولذا جاء في الأثر : ( اذكروا محاسن موتاكم ) . لذلك عندما أوجد الفقهاء علم الرجال كانت أول مسألة فقهية هي الحذر من جرح الرجال ، واحترامهم ، وعدم إطلاق التهم عليهم إلا بتوفر بينة قاطعة عليه . والإسلام أمر باحترام المسلم العادي فما بالكم بسيد البشرية محمد صلى الله عليه وآله وأهل بيته . فإن رسول الرحمة صلى الله عليه وآله يجب احترامه حياً و ميتاً، كما ذكرنا سابقاً من الأدلة ، وقد جاء القران متباينا على ما ذكرناه بقوله تعالى : { فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا }.[1]
والاستخفاف يكون لدوافع :
أ / الاستخفاف بالآخر يكون لإبراز الشخصية عن طريق توجيه التهم للطرف الأخر ،
وينقل أن أبا جعفر المنصور لما رأى مكانة الإمام الصادق في نفوس الناس كان يعتبر هذا صرفاً لولاء الناس له .
ب / الجرأة والتجاسر على الغير .كقول أحدهم أن الحسين خرج عن حدة فقتل بسيف جده
.وهي تنم عن جهل صاحبها ولمجرد المخالفة بحيث أغمض عينيه عن حقيقة أن يزيد فاسقاً قاتلا و شاربا للخمر . وقد خطب يوما معاوية بن يزيد أن جدي تسلم السلطة وهو ليس كفأ لها ، ثم عقدها لابنه يزيد ولا خلاف على فسقه . ولذلك لم يبق بعد خطابه إلا أربعين ليلة ، وفي رواية أخرى قتل بعد عشرين يوماً من خطابه . وكذلك ما كان يفعله ابن الكوى وهو يصلي خلف أمير المؤمنين عليه السلام فكان يرفع صوته بسورة تخالف السورة التي كان يقرأها أمير المؤمنين استخفافا بإمام زمانه ، وغيرها من أمثلة الاستخفاف التي تنم عن جهل صاحبها .
2- الاستخفاف بالمحترمات .
تعتبر المحترمات طبيعة شرعية ، وهدف إسلامي ، وأدب ديني ، وهو وضع الأمور في مواضعها ، ولذا الفطرة تلزم باحترام المحترمات .
والمحترمات تأتي بثلاث أنواع وهي :
-
أ / احترام الذات مثل احترام النبوة و الإمامة .
-
(ب)احترام حفظي . مثل احترام الابن من أجل أبيه .
-
(ج) احترام تقديري أي تكشف الشيء المحترم . مثل احترام عقول الناس .
وهناك مثال يدل عدم احترام العقل في قصة نبي الله موسى وهارون لما حضرا عند فرعون ، وقال مستخفا بهما بعد أن ألزماه بالحجة الدامغة قال : " إنهما من قومنا ضعافاً وجب علينا أكرمهما ، لأن الفقر يحدث في نفوسهم وألسنتهم بالقول السقيم والهذيان بالقول " .
وهناك من يتعرض للفتوى ، وهو ليس أهل لها ، ويفتي بالحلال والحرام بغير علم كقول أن حجاب المرأة ما يضرب على الصدر فقط ،وأن لها حرية كشف الشعر وغيره من محاسنها ، وقول آخر أنه يجب أن تخرج المرأة من قيود السلطة الدنية ، وفسح المجال أمامها لتأخذ الحرية في بعض ممارساتها السلوكية من غير احترام المحرمات والمقدسات الدنية .
وهناك من أستخف بأكثر من ذلك وهو يزيد بن معاوية حينما أمر بقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكذا إباحته المدينة ، وضرب الكعبة بالمنجنيق ، ومختلف الهتك في محترمات ومحرمات الله عز وجل . شهد بذلك كله معاوية بن يزيد حينما وقف خطيباً ولم يبرح إلا قليل ، وقُتل سريعاً ، وليس له ذكر في التاريخ ، لأنه ضد مصالحهم ، ولم يكتفوا بذلك ، فذهبوا لمربيه وقتلوه ظناً منهم أنه هو الذي علمه احترام محمد وآل محمد .
للاستماع للخطبة ( هنــــــــــا)
إعداد الاستاذ: زاهر العبدالله
جديد الموقع
- 2025-04-26 العمل التطوعي بين التنظير والممارسة
- 2025-04-26 تجربتان شعريتان في أمسية ابن المقرب
- 2025-04-26 أفراح الجاسم بالمطيرفي والبوحسن والخليف تهانينا
- 2025-04-25 سمو محافظ الأحساء يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ماتحقق من إنجازات لرؤية المملكة 2030
- 2025-04-25 سمو نائب أمير المنطقة الشرقية: رؤية السعودية 2030 تواصل ترسيخ مكانة المملكة في مصاف الدول المتقدمة
- 2025-04-25 سمو أمير المنطقة الشرقية: رؤية السعودية 2030 حققت إنجازات نوعية تؤكد ريادة المملكة عالميًا
- 2025-04-25 افراح الجوهر و بوعبيد في قاعة الاحساء
- 2025-04-25 محيسن يحكي أعمالا بطولية لشخصيات أحسائية
- 2025-04-25 الشيخ الصفار والدور الرسالي
- 2025-04-25 كيف يتأثر دماغ وسلوك الطفل وحيد أسرته حين يصل إلى مرحلة الرشد