أبي ذر الغفاري رضوان الله عليه الجزء الثاني

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(ما أقلت الخضراء ولا أضلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ) هذا الحديث جاءت صيغته عامة وشاملة بلا حدود ومطلق فلم يستثني حتى رسول الله فلم يقل إلا رسول الله أو إلا أمير المؤمنين فكيف نتعامل مع هذا الحديث ؟؟والمسلمين أطبقوا على صحته وضمنوه الصحاح من كتبهم فإذا لم يكن هذا حلاَ فسننتقل لطور آخر وهو أن نجعل لهذا الحديث جواب حاسم ورد على بعض الاستنكارات الغير متزنة التي يستشكلون بها على الشيعة فيقولون مثلاً تعليقاً على رواديدهم بتفضيلهم أهل البيت على الرسول فيستدل على ضلال الشيعة فتجد بعض المقاطع لمشاهير الرواديد من الكاسيتات فيقولون أنظر فقد أرتقوا بعلي إلى مالم يصل إليه الرسول (علي التبر والذهب المصفى وباقي الناس كلهم تراب )ورسول الله سيكون في باقي الناس أي أن رسول الله في نظر الشيعة من التراب وأخذوا هذه اللصيقة ليلصقوها بالشيعة فهنا في الحديث (ما أقلت الخضراء ولا أضلت الغبراء ) أين رسول الله ؟ أ ليس هو من تحت أديم السماء وعلى يبس الأرض ؟هل هو أقل صدقاً ولهجة من أبو ذر ؟فما الجواب ؟!

نقول رداً على هذه التساؤلات أن أبا ذر قيد بهذا الحديث وأبو ذر لايقاس برسول الله أو بأمير المؤمنين عليهما السلام فحينما نعطي سلفاً حكماً للإمام  علي عليه السلام فنحن نعرف أنه لايقاس برسول الله صلى الله عليه وآله ولكننا أبتلينا في هذا الزمن بجماعة لا عرف لغوي ولا وعي بلاغي عندها وهذا شيء طبيعي فأبن تيمية أنكر وجود مجاز مطلقاً فلما سئل عن الآية (واسأل القرية )ما معناها ؟هل تسأل القرية ! قال :نعم !!وأثر هذا سلباً علينا فكل كلمة نقولها لا يفهم منها ما نقصده للأخذ بظاهر الكلام فقط..وهذه الشبهة ربما تولدت في عصر الإمام الصادق عليه السلام فسئل أحدهم الإمام :أوليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله ما أقلت الخضراء ولا أضلت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر ؟قال الإمام :بلى . فقال الرجل : أين رسول الله وأين الإمام علي وأين الحسن والحسين ؟؟ وكان مجلس الإمام الصادق عليه السلام عاماً يحضره المؤالف والمخالف وكلاً يسأل على قدر عقله فأجابه الإمام يا هذا كم السنة شهراً؟ فقال :أثنى عشر شهراً. فقال :كم منها حرم ؟فقال:أربعة .فسأله الإمام شهر رمضان في عداد الأشهر الحرم ؟فقال الرجل : لا. فسأله الإمام : هل تقول أن هذه الشهور الحرم أفضل من بقية الشهور وفي رمضان ليلة تعدل ألف شهر بل خير من ألف شهر .فإنا أهل البيت لا يقاس بنا أحد.

كان أحمد بن حنبل يقول :أن أهل البيت لايقاس بهم أحد ولكن نرى البعض حينما يروون في كتبهم أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة فتراه يتساءل وأين الرسول  صلى الله عليه وآله وأين الإمام علي ؟ ولماذا الحكم مطلق ؟ أقول إذا كنا بهذه الذهنية سنضع هذا التراث جانباً فالحديث له طرق متعددة جاء في بعض طرقه (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما )فلا يمنع . وهكذا نعرف منزلة أبو ذر فكان من حيث صدق لهجته ودعوته للإسلام لا يعادل بأحد من الصحابة أطلاقاً .لأنه كان متشيعاً لأهل البيت عليهم السلام من أيام رسول الله فلم يكن جديداً في التشيع بل كان تشيعاً أصيلاً لأن لفظة التشيع كان لقباً لأربعة سلمان المحمدي وأبو ذر والمقداد وعمار بن ياسر .يقول الكشي في أقدم كتاب  لعلم الرجال يعرفه الشيعة أنه كان الهاتف بفضائل أمير المؤمنين – يعني أبا ذر- يقول عنه في كتابه أنه أقتصر الهتف والهاتفية بالفضائل على أبو ذر وهناك الكثير من الصحابة ومنهم الأربعة أ لم يكن سلمان بلغ درجة من اليقين و الإيمان وأبو ذر أقل منه فما معنى اقتصار هذه الرواية على أبو ذر ؟؟                                                  

نقول رداً على ذلك : الدعوة لأهل البيت لا تحتاج إلى العلمية الوافرة بل إلى ذهنية قدّاحة وسرعة خاطرة وحضور بديهة فلا يقهر في حوار من الحوارات ,فقد يكون ذا علم ولكن لا يستطيع مخاطبة الناس شفهياً , وسلمان كان لا يصلح لهذا بل يصلح أن يدعو الناس بسلوكه لكن بلسانه فلا لإنه ذا لكنة فارسية ولذا حينما جاءه خبر سقيفة بني ساعده تأوه بالفارسية فبث مهموم بالفارسية فقال ( فعلتم وكأنكم ما فعلتم )أي خطوتم تلك الخطوة . فلا بد أن يتصدى لها أبو ذر لأنه فصيح اللسان فلا يمكن أن توصد الأبواب في وجهه في حوار من الحوارات وهكذا بقي التشيع محصوراً في الأربعة .

الكثير يتهم الشيعة تهمة هم منها براء - براءة الذئب من دم يوسف- وهي أنهم يقولون أن جميع الصحابة ارتدوا إلا أربعة !! وهذه مقالة لا يقولها أي شيعي فهنالك ألفاظ تستخدم بمعنى لغوي ثم أصبحت تستعمل بمعنى اصطلاحي على سبيل المثال / إذا قيل يكره يعني يحرم بينما الآن فيكره أقل من الحرام،وقد كان تستخدم كلمة مرتد في صدر الإسلام لمن يتنازل عن بعض معتقداته أما اليوم فتستخدم عند علمائنا تطلق على الذي بدل دين النبي وعدم التنبيه لهذا التفاوت يخلط هذا بذاك . الدليل على عدم قول الشيعة على الارتداد بالمعنى الأعم للارتداد لا الخاص .وتراهم يأتون إلى هذه الحجة ( من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية ) المعنى أنهم انقلبوا من الإسلام إلى الكفر وهذا الحديث روي من قبل السنة والشيعة فلا بد من أن نضع في الاعتبار لما نطارح لا يعني أننا نستقل هؤلاء حتى أن بعضهم يقول أن الإمامة من أصول الدين لا يتجاوز العشرة .ما رأيك أن الأحاديث أطلقتها على غير الإمامة :-(من مات - على فراشه - ولم يكتب وصية فقد مات ميتة جاهلية )(من مات وقد شرب الخمر مات ميتة جاهلية )فلا يمكن التعامل معها على أنها تعني الكفر .

2.أهل البيت وضحوا هذا المعنى فلا يحتاج وللاستعانة بباب الخمر والوصية يدخل رجل على الصادق ويسأله أوليس يروى عن رسول الله قوله من مات ولم يعرف إمام زمانه مات  ميتة جاهلية .قال :بلى .نتعامل معهم معاملة كفر ؟ قال :لا بل معاملة أهل الضلال .

وهكذا تتجلى حقيقة الحال وتهمة الارتداد لصيقة لنا . نعم نرى الإمامة من أصول الدين ولكن لا يمكنك أن يلازم كفر من يقول به . على هذا يفهم أن اللصيقة لا حقيقة لها ورواية ارتدوا إلا أربعة يتبجحون علينا بها ولكنها لم تفهم فهماً صحيحاً , فلو جئنا إلى أعلام الشيعة ومنهم شرف الدين فنجده يعدد من الصحابة ما ينيف على المائة ويوافقه على ذلك أحد 

ويزيد النصاب مع التو ستري في كتابه الرد على الصواعق المحرقة الصحابة الذين ثبتوا يزيدون على الثلاث مئة .

كاشف الغطاء أصل الشيعة وأصولها عدد قال ولو أردت أن أعدد لك الصحابة الذين كان يتولون أمير المؤمنين لأحوجني ذلك إلى مجلد ضخم

الحر العاملي يقول أن الذين والوا أهل البيت من الصحابة أكثر من الألف ويجمع الروايات بشكل جميل ( كانوا أربعة ثم أثنى عشر ثم وصلوا ألف  أو يزيد ولا زال الإقبال على أهل البيت فلما أرادوا الحياد عن الإمام بثوا المخاوف على دولة الإسلام فلا يمكن تحصينها إلا برفض ولاية الإمام فما شأن حفظ الإسلام بحرق بيت فاطمة الزهراء فتنبهت الناس لشيء أعظم , الذين خرجوا إلى بيت علي مع من خرج كانوا ثلاث مئة ولم يكن كلهم جرئ على الله بل تفرقوا جميعهم ولم يبقى إلا أربع عشرة رجلاً نزع الله منهم الرحمة من قلوبهم يمكن أن تتخاذل الناس ولكن الجرأة شيء آخر لأجل هذا توجه الناس إلى أهل بيت النبوة , أستاذ يقول :مال إلى القوم لكن سرعان ما رجعوا فهناك عليه تلبس إلى أن بلغوا الحافة فرجعوا إلى أهل البيت في زمن الثالث

نخلص أن تهمة الإرتداد اللصيقة نحن منها براء وهؤلاء الذين رجعوا لأهل البيت نتيجة أتعاب , وأبو ذر تعب  ببث التشيع فالجيوش تفنى وتموت ولكن أبو ذر يبقى دوره ظاهراً جلياً فيختلف حتى أقبل عليه الشاميون كانوا يحلون قضاياهم مع أبو ذر وتركوا القاضي فكتب إذا كان لك حاجة في الشام فنفي أبا ذر للشام ثم للمدينة وثم للربذة وبقي بها وحده وقد سبقه إلى الموت من أولاده من سبقه وهذا حكم جائر بالإعدام التدريجي فبدأ يشكو الظمأ و يتضور جوعاً ولم يبقى معه إلا أبنته ذرة  فقالت وهي تبكي إذا أنت مت فلا أستطيع  أن أوري جثمانك . قال لها : أخبرني رسول الله بقوله لا أموت حتى يحضرني ثلة من المؤمنين وعمل له وسادة من التراب وأبنته تلوح وإذا بغبرة تعلو وإذا هو مالك الأشتر وجماعة من المؤمنين ولما عادوا إليه فإذا هو خامد الأنفاس فصلى عليه ولفه بحلية تقدر بأربعة ألاف درهم تعظيماً له ثم أدرجه في ملحودته هكذا كان أبو ذر .

                                                                                                                                  

تلخيص الاستاذة : ظلامة فاطمة