عندما تتناول قرص أسبرين لعلاج ما تعانيه من صداع، كيف يعرف هذا القرص أن عليه أن ينتقل إلى رأسك ويخفف من ألمك؟
الإجابة المختصرة، القرص لا ينتقل إلى الرأس: الجزيئات لا تستطيع أن تنقل نفسها عبر الجسم، ولا تتحكم في أين ينتهي بها المطاف. ولكن يمكن للباحثين تعديل جزيئات الدواء كيميائيًا للتأكد من ارتباطها(1) بقوة بالأماكن التي يريدون أن ترتبط بها وترتبط ارتباطًا ضعيفًا بالأماكن التي لا يريدون أن ترتبط بها.
تحتوي الأدوية الصيدلانية على أكثر من مجرد الدواء الفعال(2) الذي يؤثر بشكل مباشر في الجسم. الأدوية تحتوي أيضًا على "مكونات غير فعالة(2)" أو جزيئات تعزز ثبات / استقرار الدواء [أي ثبات حالته الكيميائية والفزيائية والعلاجية(3( [ والامتصاص (4) ونكهة الدواء [وهي نكهة اصطناعية أو طبيعية كجزء من المكوِّن غير الفعال(5(] والخصائص الأخرى التي تعتبر بالغة الأهمية حتى يتسنى للدواء لأداء وظيفته. على سبيل المثال، قرص الأسبرين الذي يبلعه المريض له أيضًا مكونات تحميه من التفتت / التكسر أثناء الشحن / النقل وتساعده على التحلل في جسم المريض.
كباحث في علم الصيدلة، كنت أعمل دراسات على توصيل الأدوية(6، 7) على مدار الثلاثين سنة الماضية. لتطوير وسائل وتصميم مكونات غير دوائية تساعد على توصيل الدواء إلى الموضع المطلوب في الجسم. أفضل طريقة لمعرفة عملية التفكير الكامنة وراء كيف تُصمم الأدوية المختلفة، دعنا نتتبع الدواء من أول ما يدخل الجسم إلى حيث ينتهي به المطاف في الموضع المطلوب.
كيف تُمتص الأدوية في الجسم
عندما تبلع قرص (حبة) دواء، فإنه يذوب مبدئيًا في معدتك وأمعائك قبل أن تُمتص جزيئات الدواء في مجرى الدم(8). بمجرد دخوله مجرى الدم، يستطيع أن يسري وينتشر في جميع أنحاء الجسم حتى يدخل في الأعضاء والأنسجة المختلفة.
تؤثر جزيئات الدواء في الجسم وذلك بعد ارتباطها(1) بمستقبلات مختلفة على الخلايا(9) يمكن أن تؤدي إلى استجابة معينة. على الرغم من أن الأدوية مصممة لاستهداف مستقبلات معينة للحصول على التأثير المطلوب، فمن المستحيل منع هذه الجزيئات من الاستمرار في السريان في الدم والارتباط بمواضع غير مستهدفة، مما قد يسبب آثارًا (أعراضًا) جانبية غير مرغوب فيها.
العديد من العوامل، كعمر المريض ووراثياته (جينتكس) ونظامه الغذائي قد تؤثر في مدى تفاعل الجسم مع الدواء.
تتحلل أيضًا جزيئات الدواء الجارية في الدم بمرور الوقت وتغادر الجسم في النهاية مع البول. من الأمثلة المعروفة على ذلك رائحة البول القوية بعد أكل نبات الهليون(10) وذلك بسبب سرعة إزالة الكلى لحمض الهليون. وبالمثل، تحتوي الفيتامينات المتعددة عادةً على الريبوفلافين أو فيتامين B 2، مما يغير لون البول إلى اللون الأصفر الفاتح الذي نراه عند التبول. نظرًا لأن مدى كفاءة جزيئات الدواء في امتصاصها من قبل بطانة الأمعاء يمكن أن تختلف بناءًا على الخصائص الكيميائية للدواء، فإن بعض الأدوية التي يبتلعها المريض لا تُمتص مطلقًا ولذلك تخرج في البراز (الغائط).
نظرًا لأن الدواء لا يُمتص بالكامل، لذلك بعض الأدوية، مثل تلك المستخدمة لعلاج ارتفاع ضغط الدم والحساسية، تؤخذ بشكل متكرر لاستبدال جزيئات الدواء التي تم التخلُّص منها للحفاظ على تركيز عالٍ من الدواء في الدم حتى يحافظ على مفعوله في الجسم.
إيصال الأدوية إلى الموضع الصحيح
بالمقارنة مع الحبوب / الأقراص(11)، فإن الطريقة الأكثر فعالية لإدخال الدواء في مجرى الدم هي الحقن المباشر بالإبرة في الوريد injection. بهذه الطريقة، تنتشر جميع الأدوية في جميع أنحاء الجسم وتتفادي تحلُّلها في المعدة.
الكثير من الأدوية التي تُعطى عن طريق الوريد هي نوع "البيولوجيات(12)" أو "أدوية تقنية حيوية،" والتي تشمل مواد مشتقة من كائنات حية أخرى. وأكثرها شيوعًا هي أدوية السرطان التي تُسمى بالأجسام المضادة وحيدة النسيلة(13)، وهي بروتينات ترتبط بالخلايا السرطانية وتقتلها. تُحقن هذه الأدوية مباشرة في الوريد لأن المعدة لا تستطيع تمييز هضم بروتين علاجي من هضم بروتينات من برغر الجبنة (چيزبرغر).
في حالات أخرى، الأدوية التي تحتاج أن تكون بتركيز عالٍ جدًا حتى تكون فعالة، كالمضادات الحيوية التي تُعطى لحالات العدوى الحادة، لا يمكن إعطاؤها إلا بحقن الدواء السائل في الوريد IV infusion. على الرغم من أن زيادة تركيز الدواء يمكن أن يساعد في التأكد من ارتباط عدد كافٍ من الجزيئات بالمواضع الصحيحة حتى يصبح لها تأثير علاجي، إلّا أن هذا التركيز العالي يزيد أيضًا من احتمال ارتباطها بمواضع غير مستهدفة ويزيد من احتمال وجود أعراض جانبية.
تتمثل إحدى طرق توصيل الدواء بتركيز عالٍ إلى الموضع المناسب والمطلوب في وضع الدواء مباشرة في / على الموضع المطلوب، مثل فرك مرهم على طفح جلدي أو وضع قطرة عين في العين لعلاج حساسية العين. على الرغم من أن بعض جزيئات الأدوية ستُمتص في نهاية المطاف في مجرى الدم، إلَّا أن تركيزها سيخف بدرجة كافية بحيث تكون كمية الدواء التي تصل إلى مواضع أخرى منخفضة جدًا ومن غير المحتمل أن تسبب آثارًا / أعراضًا جانبية. وبالمثل ، أداة الاستنشاق(13) توصل الدواء مباشرة إلى الرئتين وتتفادى التأثير في باقي الجسم.
التزام المريض بالعلاج
أخيرًا، أحد الجوانب الرئيسة في جميع تصميمات الأدوية يتمثل في اقناع المرضى بأخذ الأدوية بالكميات المناسبة في الوقت المناسب.
نظرًا لصعوبة تذكر تناول الدواء عدة مرات في اليوم بالنسبة لكثير من الناس، يحاول الباحثون تصميم تركيبات دوائية بحيث لا يتطلب تناولها إلّا مرة واحدة فقط في اليوم أو أقل.
وبالمثل، تعتبر الأقراص وأدوات الاستنشاق وبخاخات الأنف أكثر ملاءمة من حقْن الأدوية السائلة في الأوردة IV infusion الذي يتطلب الذهاب إلى العيادة لحقنها في الذراع. كلما كانت إدارة الدواء أقل إزعاجًا وتكلفة، كلما زادت احتمالية التزام المرضى بتناول أدويتهم حسب المطلوب. بيد أنه، في بعض الأحيان، حقْن الأدوية السائلة في الأوردة IV infusion أو حقنها بإلإبرة injection يُعتبر الطريقة الفعالة الوحيدة التي يمكن من خلالها إعطاء بعض الأدوية.
حتى مع كل العلوم التي تدخل في فهم المرض فهمًا كافيًا لتطوير دواء فعال / ناجع، فغالبًا ما يكون الأمر متروكًا للمريض للإستفادة منه استفادة فعالة تمامًا كما هو مصمم لذلك الغرض.