2019/11/07 | 0 | 4755
قبلة على جبين الصحافة
أظنني لا أجانب الصواب حين أنظر إلى الصحافة في عهد ازدهارها بصفتها أحد أهم إمدادات الطاقة الثقافية، التي شكلت الذهنية النقدية لدى المتلقي، وأهم الروافد المعرفية، بين فئات المجتمع ببساطتها؛ فهي وسيلة الاتصال الكفيلة بانتشار ما ينشر فيها المبدع، بالإضافة إلى ما تتمتع به في حينها من قاعدة جماهيرية عريضة على امتداد الوطن، إضافة إلى سهولة اقتنائها، وقراءتها في أي مكان؛ ولأن المشهد آنذاك غير منشغل بالعالم الرقمي المفتوح؛ فقد كان لزاماً أمامه أن يلزم التأليف، ويعكف على القراءة والمتابعة، كأحد أهم اهتمامات الجيل من مبدعي الشعر، والرواية، والقصة، وبالتأكيد فإن كل مبدع من مبدعي هذه الفنون يتوق لقراءة أصداء إبداعه عبر النقاد، الذين كرسوا جهودهم في خدمة المشهد الثقافي والأدبي، حين يتلقفون إصدارات المبدعين، والكتابة عنهم بشكل مكثف ولافت، إذا وجدوا في ذلك بغيتهم؛ فأنتجوا عبر سلسلة مقالاتهم كتباً تزخر بها المكتبات، ومن خلالها أبرزوا تجارب إبداعية على جميع الأصعدة، وقدموها إلى الساحة متناولين فنياتها، وسلبياتها على السواء، بالإضافة إلى ما لم يتيسر لبعض النقاد من طباعة إنتاجهم في إصدارات حول تلك التجارب، وإن أخذت سبيلها للنشر صحفياً ولاقت أصداء واسعة جدا.
وإذا عرضنا على سبيل المثال الدكتور غازي القصيبي _ رحمه الله_ حين كتب زاويته الشهيرة في المجلة العربية (شاعر من الخليج)، أو الناقد الأستاذ سعد البواردي في زاويته بملحق الجزيرة الثقافي (استراحة داخل صومعة الفكر)، وما قدمه من نماذج شعرية رائعة، أو الأستاذ مبارك البوبشيت الذي ظل ردحاً من الزمن يواصل حلقاته النقدية حول التجارب الشعرية الأحسائية في زاويته بجريدة اليوم (شاعر من الأحساء)، بالإضافة إلى العشرات من الكتاب، والنقاد الذي تناولوا التجارب الشعرية بأدوات نقدية غاية في الدقة والإبداع، كما يوجد عشرات الكتاب، والنقاد الذين يكتبون في الشأن الأدبي والثقافي بشكل عام، كالدكتور عبدالله الغذامي، والدكتور سعد البازعي، والأستاذ محمد الحرز، والأستاذ محمد العباس، والكثير الكثير ممن لهم زوايا صحفية كنا ننتظرها بشغف كبير؛ صنع بيننا وبين الورق ارتباطاً وثيقاً، وليس من المبالغة في شيء إذا قلت أن مثل هذه الزوايا النقدية كانت سبباً في ولعنا بالكتابة الجامحة نحو التطوير من مستواها؛ مستفيدين مما نتلقاه من أمثال هؤلاء النقاد في صحفنا المحلية.
أما وإنها أصبحت الآن بحكم عوامل التطور الجديد في عالم الاتصال؛ ينظر لها على أنها وسائل بدائية، فيما هي كانت الأكثر نفعاً وحضوراً أقوى، وألذ في وقعها على روح القارئ؛كونه ينتظر زاوية لكاتب ما لا يراها إلا بعد أسبوع مثلاً، إن لم تكن زاوية شهرية.
وأود أن أشير هنا إلى أن شأن الصحف شأن سواها من وسائل التواصل والنشر، فإنها كما قدمت تجارب إبداعية خصبة، اعتنت بها اعتناءاً كبيراً فإنها أيضاً ساهمت في تقديم تجارب أقل، عبر ممارسة بعض الكتاب مهنة المديح المبتذل لتجارب لم تنضج بعد، إما من باب المعرفة والعلاقات الشخصية، أو من باب التودد لمسؤول أو وجيه، ما يجعل القارئ الذكي يشكك في ذائقة الناقد الذي يراه متصفاً بكل أدوات النقد الحصيفة، ومع ذلك ينظر إليه وهو ينحدر من قمة جبل النقد الراقي إلى هاوية المجاملة والمحسوبية على حساب الإبداع، وخاصةً إذا كان هذا المدح متعلقاً بفتاة (يغرها الثناء)، يجعل منه بطلاً استعراضياَ أمامها، في تقديم مهاراته اللغوية، وفنياته في صياغة عبارات الثناء الاصطناعي، وهذا مما يسهم في تعميم الرداءة الذوقية، والإجحاف في حق المبدعين بوضعهم في كفة واحدة مع من لايجيدون أبجديات الكتابة؛ لأن ممارسة الكتابة في نهاية المطاف هي أمانة ومسؤولية قبل كل شيء.
هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن الممدوح بغير استحقاق يُشفق عليه، ويُخشى من مغبة وقوعه في فخ الوهم، الذي يصطاده بنعومة، ثم يصنع منه شاعراً، أو قاصاً مثيراً للشفقة، والتهكم لدى الآخرين؛ جراء ما تلبسه من جن المدح، وعلى صفحات صحافة لها انتشارها وحضورها القوي على امتداد المشهد، ولكن بالمجمل كانت الكتابة الصحفية عن المبدع بمثابة دعم معنوي له، وكذلك هو حق مشروع لكل كاتب أن يقدم إبداعه للآخرين.
نأمل الآن وفي أفق العولمة الواسع ألا نرى ضياع البوصلة في هذا الزمن المشوب بالتعقيدات، وفي زحمة العالم الإلكتروني، ووفرة الأسماء، وتشعب الأنواع الإبداعية، والأجناس الأدبية والثقافية، وألا تركن همة النقاد في تقديم المفيد النافع، وألا يستسهل المبدعون واجبهم في صناعة النص المبدع الحقيقي الخلاق .
جديد الموقع
- 2024-11-17 أنا وأنتِ والنظرة الأخيرة
- 2024-11-17 تحت عنوان (تزهو الفيصلية بفتياتها) نسائي بر الفيصلية ينظم حفلا ترفيهيا للمتفوقات
- 2024-11-17 التأثير القوي لحليب الأم في صحة الرضيع
- 2024-11-16 أنت مثلي مقصر معهم؟
- 2024-11-15 كثير من الأطفال الرضع يتعرضون لاحتمال الاختناق والوفاة بسبب نوم أمهاتهم أثناء الإرضاع
- 2024-11-15 أمي لآخر عمري
- 2024-11-15 الصورة الإيقاعية في ديوان «مشاؤون بأنفاس الغزلان»
- 2024-11-15 عقد قران الشاب / عبدالله بن علي بن يوسف البطيان تهانينا
- 2024-11-14 البلدية والإسكان والبريد السعودي سبل يوقعان اتفاقية تقديم العنوان الوطني لتراخيص المنشآت التجارية
- 2024-11-14 السير الذاتية وتابوهات المجتمع