2021/02/19 | 0 | 5571
في ذكرى ولادة الزهراء: فضل وآثار تسبيح الزهراء (ع) ـ 1
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أعداء الدين.
﴿رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ~ وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي ~ وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي ~ يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾. [طه: 25 ـ 28.].
نبارك لكم أيها الإخوة المؤمنون ذكرى ميلاد الكوثر (ع) السيدة الزهراء (ع) التي نعيش هذه الأيام ذكرى ولادتها.
وليدة النور، وأم أبيها:
عاشت السيدة الزهراء (ع) في ظلال أبيها محمد (ص) وهو سيد البشر، وفي أحضان أمها الطاهرة خديجة (ع) وهي أفضل نساء البشرية في وقتها قبل أن تولد السيدة الزهراء (ع). وقد ذكرنا فيما سبق من الخطب أن السيدة خديجة واحدة من أربع نساء اختارهن الله تعالى واصطفاهنّ من بين جميع نساء البشر.
ولدت فاطمة (ع) في مكة المكرمة بين رسول الله (ص) وخديجة، في يوم الجمعة، في العشرين من شهر جمادى الثانية، فاستقبل رسول الله (ص) هذه البنت الطاهرة الموعود بها من الباري جل وعلا، بالفرح والسرور والرضا، وسماها فاطمة. وهذه البنت الوليدة تحمل روح رسول الله (ص) وقد مرّ علينا فيما مضى قول النبي (ص) فيها: إنها روحي التي بين جنبيّ. كما أنها تحمل صفات رسول الله (ص) فكانت تشبهه في كل شيء، خَلقاً وخُلُقاً، وأخلاق النبي (ص) هي أخلاق القرآن الكريم، وقد حملت فاطمة (ع) أخلاق القرآن الكريم أيضاً. فكانت فاطمة (ع) الوارث والشبيه لرسول الله (ص). كما كانت علاقتها منذ ولادتها حميمية برسول الله (ص) وكانت تلك العلاقة تلفت أنظار المسلمين منذ الصدر الأول من الإسلام.
لقد ولدت الزهراء (ع) والصراع بين الجاهلية والإسلام على أشده، وعاشت المأساة في شِعب أبي طالب، والجميع يعلم ما كانت عليه المأساة في شعب أبي طالب، وماذا عانى رسول الله (ص) والمسلمون في ذلك الحصار التام الذي ضُرب عليهم، وكانوا يتضورون جوعاً وعطشاً.
في ذلك الشِّعب، وذلك الجو من الحصار القاسي، عاشت فاطمة الزهراء (ع) طفولتها. وهذا على رواية أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنوات، وأن خديجة (ع) توفيت في العاشرة من البعثة، فعلى هذه يكون عمر الزهراء (ع) عند وفاة أمها خديجة خمس سنوات.
لقد عاشت الزهراء (ع) اليتم منذ الصغر، ولكن عندما ماتت خديجة كانت الزهراء (ع) لأبيها بمثابة الأم، ولُقبت بأم أبيها. وكانت تحنو عليه أكثر مما تحنو الأم على ولدها، وتخفف عنه الآلام والأحزان، بعد أن خسر النبي (ص) ناصرَيه القويَّين، وهما خديجة وأبو طالب، حتى سمي عام فقدهما بعام الحزن، إلا أن الزهراء (ع) كانت تواسيه في ذلك الموقف، وهي في تلك المرحلة من العمر.
تسبيح الزهراء:
مما يجدر ذكره في تأريخ الزهراء (ع) وسيرتها أن النبي (ص) أهداها هدية عُرفت باسمها، ألا وهي تسبيح الزهراء (ع) الذي ورد أنه أفضل من ألف ركعة يصليها المسلم عدا الفريضة. ويُقرأ بعد كل فريضة كما هو معروف. وهو عمل بسيط في ظاهره لا يتجاوز الدقائق القليلة، وقد لا يتجاوز دقيقة أو دقيقتين، إلا أن العبرة ليست في حجم العمل، لا في طوله ولا في قصره، إنما العبرة في نوعه، وهذا العمل منصوص عليه أنه يعدل ألف ركعة. فميزان الأفضلية في العمل يحدده الباري سبحانه وتعالى.
روى الصدوق بسنده عن أبي هارون المكفوف، عن أبي عبد الله الصادق (ع) أنه قال: «يا أبا هارون، إنا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (ع)، كما نأمرهم بالصلاة، فالزمهُ، فإنه لم يلزمه عبد فشقي».[الكافي، الكليني3: 343.]. وليس بعد هذا الفضل من فضل، فكما أن العبد يأمر أبناءه بالصلاة الواجبة، يأمرهم بتسبيح الزهراء (ع) كما يقول الإمام الصادق (ع).
إن الإنسان معرض للكثير من المخاطر والمنزلقات، فالشيطان لا يفتأ يوسوس للإنسان كي يستزله ويغويه، فعليه أن يبحث عن المحصّنات، ومن تلك المحصنات تسبيح الزهراء (ع). فما لزمه عبدٌ فشقي كما يقول الإمام الصادق (ع). ومن مصاديق الشقاوة الكفر والضلال.
وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): «من سبَّح تسبيح فاطمة الزهراء (ع) قبل أن يَثنيَ رِجليه من صلاة الفريضة، غفر الله له، وليبدأ بالتكبير». [الكافي، الكليني3: 342.].
هذه بعض الآثار المترتبة على هدية النبي (ص) لسيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع)، ولا يعلم فضل هذا التسبيح ومنزلته إلا الله تعالى، ومن اختصهم بعلمه. وهل يتمنى العبد ويأمل أكثر من أن يغفر الله تعالى له ذنبه.
وروى الكليني في حديث آخر، عن الإمام الباقر (ع): «ما عُبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (ع) ولو كان شيءٌ أفضلَ منه لنحله رسول الله (ص) فاطمة (ع)».[الكافي، الكليني3: 343.].
وفي رواية أخرى يرويها الصدوق عليه الرحمة «عن الإمام الصادق (ع) أنه سئل عن قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثيراً﴾. [الأحزاب: 41]. ما هذا الذكر الكثير؟ قال: من سبح تسبيح فاطمة (ع) فقد ذكر الله الذكر الكثير».[ معاني الأخبار، الشيخ الصدوق: 193.].
وهنالك روايات كثيرة في هذا الباب، نقتصر على هذا القدر منها.
كيفية تسبيح الزهراء (ع):
أما عن كيفية هذا التسبيح، فهو عبارة عن قول: الله أكبر 34 مرة، والحمد لله 33 مرة، وسبحان الله 33 مرة. ويقدَّم التكبير أولاً، ثم التحميد، ثم التسبيح. وهنالك رواية تقول بتقديم التسبيح على التحميد بالعدد المذكور.
فقد روي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال في تسبيح فاطمة (ع): «تبدأ بالتكبير أربعاً وثلاثين، ثم التحميد ثلاثاً وثلاثين، ثم التسبيح ثلاثاً وثلاثين».[تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي2: 106.]. وهذا هو المشهور.
وقد جعلت فاطمة (ع) خيطاً من صوف، وصنعت فيه عدداً من العقد بعدد التسبيحات، وكانت تلتزم بها، إلى أن استشهد حمزة (ع) في معركة أحد، فأخذت طيناً من قبره، وجعلته مسبحة.
وقد يسأل سائل: المتداول اليوم هو طين قبر الحسين (ع) فهل تكون المسبحة منه أو من طين قبر حمزة؟ الجواب: لو أن الزهراء (ع) أدركت ما أدركتموه أنتم من طين قبر الحسين (ع) لقدمتها على تربة حمزة. فالتسبيح بتربة الإمام الحسين (ع) أفضل، وتربته أفضل ما يُسبَّح به. ومن لم يتيسر له طين قبر الحسين (ع) فيمكنه التسبيح بالمسبحة المتداولة في المساجد وغيرها. فإن لم تتيسر حتى هذه المسبحة، فيمكن التسبيح بأصابع اليد.
أسرار تسبيح الزهراء:
لقد ورد في الروايات الشريفة الكثير من الآثار والأسرار لهذا التسبيح الشريف، ومنها:
1 ـ الابتعاد عن الشقاوة، والقرب من السعادة: وقد تقدم هذا في الرواية التي ذكرناها.
2 ـ حسن العاقبة: فمن آثاره الثبات على الحق، وحسن العاقبة، وعدم الانزلاق في مزالق الشيطان.
3 ـ طرد الشيطان، ونيل رضا الرحمن: فالشيطان ألد أعداء الإنسان، فمنذ أن أُخرج من الجنة وهو يترصد الإنسان، ويقعد له في كل طريق. قال تعالى يصف حال الشيطان وكيف يتوعد بني آدم: ﴿قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعين ~ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِيْنَ﴾. [ص: 82، 83.]. فالعبد المخلَص لا بد أن يداوم على العبادة، ومن ذلك تسبيح الزهراء (ع). وإلا فإن الشيطان يترصد للمسلم في كل آنٍ ومكان، ولا يفتأ يلاحقه في كل شأن من شؤونه، لا في العبادة فقط، إنما في أسرته ومجتمعه ونفسه وفي كل طريق يريد أن يسلكه المسلم. فمن المنجيات المداومة على تسبيح فاطمة (ع).
4ـ الشفاء من الأمراض: فقد دخل رجل على أبي عبد الله (ع) وكلّمه فلم يسمع كلام أبي عبد الله، وشكا إليه ثقلاً في أذنيه، فقال له: ما يمنعك ـ أو أين أنت ـ من تسبيح فاطمة (ع)؟ فقال له: جعلت فداك، وما تسبيح فاطمة؟ فقال: تكبر الله أربعاً وثلاثين، وتحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وتسبح الله ثلاثاً وثلاثين، تمام المائة. قال: فما فعلت ذلك إلا يسيراً حتى ذهب عني ما كنت أجده».[مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، أبو الفضل، علي بن الحسن الطبرسي: 278.].
وهناك آثار أخرى لا يسع الوقت لذكرها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
جديد الموقع
- 2024-12-29 المرأة في الشعر الإسلامي الزهراء أنموذجًا
- 2024-12-28 افراح البقشي تهانينا
- 2024-12-28 القبلة بوصفها ملاذًا للذاتقراءة في ديوان «قبلة تسرق الحزن» للشاعر عبدالله العطية
- 2024-12-28 المخطوطات الأحسائية والعالمية والباحث في التاريخ
- 2024-12-28 أفضلية الورقي.. أسباب أخرى
- 2024-12-28 برامج جديدة متاحة لعلاج للمصابين بالتأتأة
- 2024-12-28 بقايا دخان السجائر الإلكترونية من المواد الكيميائية المترسبة على أسطح الأشياء قد تلحق ضررًا بالجهاز المناعي للأجنة
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟