2022/02/12 | 0 | 5131
سيميائية الظلال في ديوان المعيبد
ربما تقرأغلاف كتاب، وترى فيه ما تبادر لذهنك، وقد تقول كما يقال: الكتاب يبين من عنوانه.
إذن العنوان أصبح واقعًا مظهرًا من مظاهر التجلي للنصوص.
وحينما تشرفت بتكليف القائمين على خيمة المتنبي لي بتقديم ورقة نقدية حول ديوان الشاعر الجميل عبدالله المعيبد "توقيع شخصي للظلال" وجدت بأن الديوان ثريّ بما يمكن أن يقال عنه، ويستدعي التأمل والإبراز.
وحيث يمكن تناول أبعاد شتّى لكن لا يتسع المجال إلا لما تتسع له الفرصة هنا ، على أن الديوان مكمن ومشهد للشاعرية الحقيقية.
ومن أجل تحرير عنوان الورقة التي كتبتها يجب أن يتم تحرير العنوان الموضوع للورقة وهو" سيميائية الظلال في ديوان المعيبد"
ولذلك نحرر كلمة سيميائية بما عرّف سعيد بنكراد بأنها “دراسة حياة العلامات داخل الحياة الاجتماعية، ويقول بأنها في حقيقتها كشف واستكشاف لعلاقات دلالية غير مرئية من خلال التجلي المباشر للواقعة، كما يقول بأنها تدريب للعين على التقاط الضمني والمُتوارِي والمتمنع، لا مجرد الاكتفاء بتسمية المناطق أو التعبير عن مكنونات المتن”.
وهي -أي السيميائية- ضمن مجموعة من المواضيع التي أثارتها قراءتي للديوان وقد يتم التطرق لها لاحقًا .
وحيث كما هو معلوم أن العنوان من أوائل العتبات التي يجب أن يمر بها القارئ والباحث كذلك.
ولا أدل على أهمية العنوان من قول المتنبي :
ورب جواب عن كتاب بعثتَه وعنوانه للناظرين قتامُ
حيث كما هو معلوم أن العنوان "توقيع شخصي للظلال"
وبنظرة فاحصة للعنوان في محاولة تأويلية له فإنه ممكن أن نقول بأن التوقيع هو الشعر، وكلمة شخصي تدل على شخص الشاعر وهو الأخ عبدالله،
والظلال وهي انعكاسات للأشخاص داخل الديوان مع الأماكن والأمور القيمة كما أحسب.أي أننا سنقوم بالتجلية، والتجلية إظهار ما هو مراد من المحتوى المعنون للنصوص، وإبرازه في الدلالات والآثار التي تدل وتشير على العنوان.
وهذا بإرجاع الدلالة لاستقصاء كلمات الظلال والظل وظل وما شاكها لفظا بطريقة مباشرة، بل وكذلك معنى وإن اشتركت الدلالة في جزئية تَؤول للعنوان بطريقة غير مباشرة.
حيث لن نستدل فقط بالمعنى اللفظي للكلمة واشتقاقاتها وقربها من مادة الظل، بل وسنمتد للمعاني المقتربة من الظل كالأثر والصدى والمصاحبة، والانعكاس وما إلى ذلك.
وفي القسم الأول سنستعرض الدلالات اللفظية المباشرة ، وهي أبرز العلامات ، ومن باب ضرب المثل هذا البيت :
إذا رمتُ المسيرَ وتاه خطوي
سأرسم بالنشيد ظلال دربي
هديلي في المدى ضد المنافي وسرب حمائم الغرباء شعبي
كما نرى هنا للظلال انعكسات المكان والوطن والاستئناس بآثاره، فللخطوات آثار المسير والدرب.
ولنأخذ مثالا آخر:
وبعد ذلك لم يرجع لجنته
إلا غريبا يواسي شخصُهُ ظلَّهْ
وكذلك:
وصايا الأرض أحفظها
وأعرف حكمة النخلِ
ولي ناي يرافقني
إلى منفاي كالظلِّ
وستجد أيضا هنا ذات الانعكاسات حيث المكان والوطن في مقابل الغربة والمنفى من خلال ظلال الوطن.
ويقول :
أمامي الآن ظل من تغربنا
يوحي لروحي بعضا من هوى هجري
فالظل هنا يعيد الحنين للوطن .
وكما ترون وتلاحظون فقد تكررت هذه الثيمة باستخدم مباشر لكلمة الظل، وهنا نسأل هل كان ذلك أيضا بشكل واع أو لا واع ؟
هنا في الأمثلة السابقة استحضار للوطن وما يدل على وطن من علامات ، وفي بعض الاستشهادات كذلك استحضار للشخوص ، ومن الشخوص جده في البيت الآنف الذكر :
وبعد ذلك لم يرجع لجنته
إلا غريبا يوسي شخصُه ظلَّه
وهنا أكتفي بالقسم الصريح حتى لا يضيع الوقت في أمثلة واضحة الدلالة على المطلب إلى القسم الثاني وهو الكلمات ذات العلاقة سيميائيا بما ذكرنا لكن دون لفظ صريح كقوله :
سرى ولكن بظل الليل كيف سرى وهو الذي فل غيم الضوء فانهمرا
وهنا سرى والليل متلازمتان، والغيم والانهمار بالمطر وإن كان هنا الضوء في انزياح وإسقاط على أمر آخر.
هذه القصيدة ذات دلالة على أشخاص أو أشياء قيمة لدى الشاعر وهي هنا شخصية دينية .
على أن هناك أيضا ما يشبه ذلك :
والنخل ميقاتي إلى حج الهوى
لم ينعقد بسوى الحسا إحرامي
أهرقت عطر الأمنيات مدثرا
هذا الوجود بنفحة الأنغامِ
فالحج والإحرام متلازمان كالظل والضوء، والحسا والنخل كذلك .
ويقول في بيت آخر:
كالعطر حين يشم يحضنني المنى كالفجر حين يضيق يرقبني الغدُ
للحب رائحة الحياة فموعد
يمضي سريعا حيث يشرق موعدُ
ومن هنا نلاحظ العلاقة بين الحب والحياة والعطر في الموعد كمراسيم ، والعلاقة بين الفجر والغد .
وهنا يقول:
لي أن أفكر في الوجود حديقة خضراء من دون تجعد وشحوبِ
ويقول أيضا:
أنا الصوفيّ ملء تأملاتي
وترقد حكمة الروميّ قربي
فالوجود والحديقة الخضراء من دون الشحوب هي أدل ما يدل على الحياة ونضارتها.
وجدير بنا أن نرى هذه الكرنفالية المحتفية بالحياة في هذا الديوان البديع، فالتعالق والتآزر اللفظي والمعنوي ملمح جمالي.
ورؤى هذه الديوان أيضا الداعية والمقبلة للحياة متواجدة بكثرة في روح الطفل ، والحب وتنظيراته العميقة ، والسلام الذي هو سر وغاية الوجود ، كل هذه المعالم حاضرة بقوة إن أردنا تناولها .
وستجد أن هذه اللغة المبسوطة لم تكن مهمةُ بسطِها سهلةً كما قد يبدو للعيان ، وذلك لأنها خطرة وحساسة في ظل الالتزام الرسالي الموجود لدى الشاعر الذي لم يُؤْثر الدخول والانغماس في الحب الايرتوكي ، فهو يمشي بحذر وسط ألغام من الآيدلوجية ، تجاوزها برشاقة ، وكذلك يمشي مجازا طول نصوصه تقريبا من دون التعثر في شباك وأشواك المباشرة والتلقين الخاضع للوصايا .
وستجده كثيرا ما يجعل الحب حكما في القضايا التي لا ينتصر فيها السيف ولا الكلمة وحدهما.
ونجمل ما يمكن القول بأن هذا الديوان حصيلة بل زبدة تجربة قاربت العقدين تقريبا في كتابة الشعر.
جديد الموقع
- 2024-11-05 كلية الحاسب بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل تستضيف ورشة عمل مبادرة منح رواد البحث والابتكار في الأمن السيبراني
- 2024-11-04 القراءة وكسر التنميط
- 2024-11-04 لماذا يكثر الكتّاب في آيسلندا؟
- 2024-11-03 حسن اليحيى عريسا في قاعة الاحساء
- 2024-11-03 قراءة في يسرق الليل نجومي
- 2024-11-02 تكريم التشكيلي الصندل بعد 13 عاما من وفاته
- 2024-11-02 الأحساء منفذ للتأشيرة الموحدة
- 2024-11-02 التوازن الدقيق بين الانفعالات الايجابية والسلبية
- 2024-11-02 الأنف يكشف علاقتنا بالإنفعالات
- 2024-11-02 عبر أربعة إصدارات جديدة نادي خيمة المتنبي يدشن مجازه الأول