2021/09/15 | 0 | 3982
الصورة الشعرية عند الوسمي
إن ولوجنا في تجربة أي شاعر من الشعراء لابد وأن يقوم على أسس موضوعية، وركائز هي أساس في عملية التوغل في هذه الملامح التي تعطي مؤشرات وتفاصيل دقيقة يمكن ملاحظتها سيميائيا أو لنقل عبر التحليل والنظر للغة والبنية التركيبية والصورة الشعرية ومفاهيم ميتالفظية تنبعث من خلال الإيحاء ليس الإحالة في رأيي الشخصي، وسأقف قليلا هنا وأركز على أهمية الصورة الشعرية في السلك الشعري للدخول لموضوع القراءة مباشرة، وخير ولوج إليها تعريفها عبر الناقد سي دي لويس سيسل على أنها -أي الصورة الشعرية- رسم قوامه الكلمات.
إذن هذه الصورة الفنية الشعرية لدى شاعر معين تقوم على ركائز منها ما هو محسوس يمكن رؤيته وتجربته وتخزينه في اللا وعي.
وهو باعتقادي تكثيف دلالي قائم على مشاركة المحسوس مجردات الكلمة بما يصنع الصورة والمشهد الشعري والتعبير الشاعري .
وإن نزوع أي مشهد تعبير باعتقادي نزوع للإحالة، فهو غالب ما يقوم به الوصف، ولكن المشهد التصويري والإيحائي في الصورة الشعرية ينبني على أساس يعطي مفاتيح، ولا يعطي كل شيء في الشعر، وهنا تأتي أهمية ما يسكت عنه، وما لا يسكت عنه في الشعر..
وفي دخول عميق لشعر الأستاذ ناصر الوسمي سنرى شعريته وشاعريته تقوم على ركيزة من الملاحظة والصورة البصرية التي يحتفظ بها عقله الباطن ويخرجها في انفعالاته الشعرية، كحال معظم الشعراء الذين يتخذون من القالب الكلاسيكي ثيابا لشعريتهم وشاعريتهم متمسكين بالتماس الكامل مع المتلقي بما يحقق تفاعله معهم، وما يحقق أيضا إشباعهم لأفكارهم ومبانيهم الشعرية والشاعرية، خذ على سبيل المثال هذه الصورة المحسوسة والبصرية من تجربة الشاعر ناصر الوسمي إذ يقول :
هذا انكساري كانكسار يراعة
والحبر ينزف في الجوى منسابا
نثروا عليك قلوبنا ونشيجها
لم ينثروا حزنا عليك ترابا
وتراه يتمثل بمقومات البلاغة العربية التقليدية تارة باستخدام الجناس قائلا في قصيدته بوح على خطى الجود:
عطاياك الندى والورد غنى
صباحك إذ يصوغ نداك نايا
تسيل رؤى ومنك القلب نبع
تسلسل بالجمال لنا مرايا
فانظر للندى ونداك ونايا، وانظر لتسيل وتسلسل مدركا هذا النسق.
وتراه أيضا يحسب حسابا لليل وللصباح، للشمس وللقمر في مشاهداتهما ، فيقول في قصيدة شجن الليالي:
الليل يعشق من سكونك نجمه
إذ منك يلمع في الليالي الحسنُ
ويقول :
قد رحت تغزل للصباح خيوطه
والشمس لحنك واشتهاك اللحنُ
وتارة أخرى تجد تشابه الأطراف كضرب من ضروب ترابط الكلام دون نفرة بين الأول والآخر تشاكلا وتشابها دون تباعد أو تنافر في قصيدة
ناي الشجى:
أنت الأبي وفيك يأتلق الإبا
وأبوك قد ساد الورى بإباء
أو قوله:
وكذا يعظم من يسود بمجده
وكذا تكون مسيرة العظماء
وفي غمرة هذه الملامح التقليدية يشع الشاعر ناصر الوسمي بصورة شعرية فنية حداثية بقوله:
وملكت ليلك إذ وهبت له السنا
والليل يلبس حلة الأضواء
وهنا نحيل القول تساؤلا: أيعوق الشاعر ناصر الوسمي أن يتخفف من عبء التراث الأسلوبي مشرعا أبواب ونوافذ الشعرية على مصراعيها في النسق الحديث ؟
وهو لعمري مطلب ليس بالسهل فهناك ما يغري هذا الشاعر الوفي للشاعرية الأصيلة التقليدية بقالبها الخليلي العمودي على غرار الجواهري وغيره من الشعراء الذين وجدوا في اللغة والبلاغة والتماس مع الجمهور وأن يكونوا لسانا معبرا باسم المجتمع مشاركين له في سرائه وضرائه ، في أفراحه وعزائه، في تكريمه وتتويجه، بل وإنه لذو قدرة على الارتجال الذي طالما قيل بأن فيه مقتل الرجال، وهو من الصامدين الثابتين على هذه الأغراض.
لذلك من هذه البوابة نفهم سبب وفاء الوسمي للسهولة في تناول معانيه لمن يتلقاها سيجدها سائغة هنية وروية، تحاكي حال من عايش وجرب، وما رأى وما خبر، فهو ذو لياقة للكتابة في شتى المحافل والمناسبات، بل وهو قادر على أن يقدم شتى أنواع من الأغراض ، ولعل الرثاء من أجود شعره إذا أضفنا له شعره المحلى برومانسية يتغنى بها العشاق .
إن الشاعر ناصر الوسمي لا يختلف شعرا وشاعرية في شعره الولائي المناسباتي والوجداني والعاطفي، وهذا أيضا من ملامح اللياقة في الكتابة لديه، إنه بحق شاعر من الشعراء الذين تبرز لديهم القناعة بسهولة الكلمة وفي نفس الوقت قدرتها على أن تكون متوغلة باعثة.
جديد الموقع
- 2024-12-22 احنا جيرانه (ص) أهداها الله كفوفه (1)
- 2024-12-22 يا يوم لغتي .. أينك أم أيني عنك
- 2024-12-22 ألم الرفض الاجتماعي
- 2024-12-22 نمط حياتك قد ينعكس على صفحة دماغك ويؤدي إلى شيخوخته أبكر مما تظن
- 2024-12-22 الكتاب السادس عشر لـ عدنان أحمد الحاجي (تطور اللغة واضطراباتها وعسر القراءة عند الأطفال)
- 2024-12-22 تأثيرات لغوية للقراءة الرقمية
- 2024-12-22 الزهراء (ع) .. المجاهدة الشهيدة
- 2024-12-22 نحو كتب في الشوارع
- 2024-12-22 بين فيزيائية الكتب وكيميائية الكلمات
- 2024-12-22 من أجل القراء المترددين