2021/11/13 | 0 | 6556
{الصداقة في الإسلام}
يوم الجمعة ٢٩ / ٣ / ١٤٤٣ هـ
تقبل الله أعمالكم ، وغفر الله لنا ولكم ، أوصيكم ونفسي بتقوى الله سبحانه وتعالى ، وكثرة الاستغفار ، وكثرة الصلاة على محمد وآل محمد ، ( اللهم صلِّ على محمد وآله محمد ) .
ورد في الخبر : ( عليك بأخوان الصدق فإنهم زينة في الرخاء ، وعصمة في البلاء )
محاور الكلمة :
المحور الأول : مقدمة :
مسألة الصداقة من الأمور التي تدعوها الفطرة البشرية ، فالإنسان بطبعه يميل إلى تكوين العلاقات ، والارتباطات الاجتماعية ، وهذه العلاقات تقوى وتضعف ، بحسب الارتباط مع الطرف الآخر ، ومن العلاقات والارتباطات والتي تعتبر ارتباطاً قوياً هي قضية الصداقة ، والصحبة .
المحور الثاني : تأثر الصديق بصديقه :
للصديق وللصاحب أثر على تكوين شخصية الإنسان إما فكرياً ، وكذلك أخلاقياً وسلوكياً .
فإن الصاحب والصديق يؤثر على صاحبه ، وصديقه .
المحور الثالث : الصديق بنظر الإسلام :
أولت الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيراً لقضية الصديق ، والصاحب ، بحيث أشارت مَن نصاحب ومن نصادق ؟ ؛ لأن الصديق له أثر على شخصية صديقه ، وكما نُعبر ( الصاحب ساحب ) ، يعني يتأثر به الإنسان .
لذلك على الإنسان كما يهتم بمأكله ، وملبسه ، ومشربه ، في الأمور المادية ، كذلك ينبغي عليه أن يهتم بعقله ، بسلوكه ، بأخلاقه ، ولذلك يختار الصديق والصاحب الذي يدعوه أولاً إلى الاستقامة ، إلى الصلاح ، إلى الإيمان ، ويكون محفزاً ومشجعاً له في هذه الحياة .
فالإنسان إذن لابد أن يترك أثراً إيجابياً تجاه من يعاشرهم ، ومن يخالطهم .
يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " خالطوا الناس مخالطة ، إن عشتم معها حنوا إليكم ، وإن متم معها بكوا عليكم "
يعني لابد أن الإنسان يترك أثراً إيجابياً
، أثراً إيمانياً ، تجاه من يخالط ، وخصوصاً الصديق .
فنجد أن الإسلام يؤكد على أن الإنسان يختار له صديقاً ، يختار له صاحباً ، لكن أيضاً في المقابل بين صفات ذلك الصديق .
المحور الرابع : الحث على اتخاذ الأصدقاء :
هناك بعض الأخبار التي تؤكد على أن الإنسان يختار له صديقاً ؛ - لأن الإنسان لا يعيش العزلة ، بطبعه يميل إلى الاجتماع - مثلاً ورد :
أ- عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " عليك بأخوان الصدق ، فأكثر من اكتسابهم ، فإنهم عدة عند الرخاء ، وجنة عند البلاء " .
يعني الصديق له أثر في الوقوف مع صديقه في الملمات ، في البلاء ، في المصائب ، وليس فقط في الرخاء مع صديقه .
وأيضاً ورد :
ب - عن الإمام على بن موسى الرضا ( عليه السلام) ، قال : " من استفاد أخاً في الله استفاد بيتاً في الجنة " .
لما يختار الإنسان له صديقاً في الله تبارك وتعالى فكأنما بنا له بيتاً في الجنة ، وهذا إشارة بأن الصديق له أثر على استقامة الإنسان ، بحيث أن هذه الاستقامة تؤثر على سلوكه ، وعلى طاعته ، وعلى عبادته ، فالنتيجة يكون من أهل الجنة .
وورد أيضاً عن :
ت - أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " أعجز الناس من عجز عن اكتساب الأخوان ، وأعجز منه من ضيع من ظفر منهم "
الإنسان العاجز الذي لا يستطيع أن يكون علاقات طيبة ، صالحة مع الآخرين ، ويكون أصدقاء ، ولكن الأنكى ، والأعظم أن الإنسان عنده أصدقاء ظفر بهم ، ولكنه بعد ذلك ضيعهم ، ربما مشكلة خفيفة ، بسيطة ، يمكن أن تُحل ، ولكن كل طرف يعاند ، ويريد من الطرف الآخر أن يعتذر له ، فتكون هناك قطيعة بينهما ، وفي رواية أيضاً :
ث - " ما اكتسب العبد بعد الإيمان أفضل من أخ في الله " .
فإذن هذه الروايات ، وغيرها تؤكد على الإنسان أن يختار صديقاً وصاحباً .
ولكن السؤال من تصادق ؟
المحور الخامس : من نصادق ؟ :
هل نختار كل أحد ، نصادقه ، نخالطه ، نجعله أخاً لنا ، أو أن نختار أشخاصاً تجسدت فيهم صفات خاصة ، نختار الذي يكون له عوناً على استقامتنا ، وعلى صلاحنا ، لماذا ؟ لأنه - كما أشرنا - بأن الصديق له أثر على سلوك صديقه .
أ - ورد عن نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) يقول : " المرء على دين خليلة ، فلينظر أحدُكم من يخالل " .
من يخالل يعني من يصاحب ، ما معنى على دين خليله ؟ ، يعني يتأثر بسلوكه ، بأخلاقه ، باستقامته ، لذلك الإنسان ينظر ، ويلاحظ من يصادق ومن يخالل .
ب - و ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : " ومن لم يجتنب مصادقة الأحمق - الذي لا يُحسن التصرف - أوشك أن يتخلق بأخلاقه " .
إنسان لما يصاحب له إنسان لا يُِحسن التصرف ، عبثي في تصرفاته ، عنده فوضى ، وبالنتيجة يكتسب الإنسان ذلك الحُمق
فإذن السؤال من نصادق ؟
نصادق ما أشارت إليه الروايات الوردة عن أهل البيت ( عليهم السلام ) ، نذكر بعض النصوص سريعاً - حتى لا نطيل عليكم -
١- أن يكون عاقلاً لبيباً :
يتصرف بعقلانية ، بحكمة ، بهدوء ، لا يكون إنساناً أحمقاً ، أو يكون إنساناً عبثياً .
٢- أن يكون متحلياً - يعني متصفاً - بالإيمان ، والصلاح ، وحُسن الخلق :
أ- ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا ذر - وهذا الكلام لأبي ذر ، ولكنه وصية لكل إنسان يريد صاحباً صالحاً - " لا تصاحب إلا مؤمناً " . أن الإنسان يحاول أن يصاحب مؤمناً ؛ حتى يكتسب منه الإيمان .
ب - و ورد أيضاً في الخبر : " مصاحبة الأبرار توجب الشرف " - عندما تصاحب مؤمناً صالحاً الناس تنظر إليك ، تقول قد صاحب فلاناً ، ولكن إذا صاحب إنساناً منحرفاً فاسقاً - والعياذ بالله - أيضاً هذا يسيء إلى شخصية الإنسان - " ومصاحبة الفجار توجب التلف " ، التلف في الأخلاق وفي السلوك .
٣- الوفاء:
وهو أن يكون هناك وفاء بين الأصدقاء ، وهذا الوفاء لا يُعرف إلا عند الشدة ، والبلاء .
١- ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ أخاه - يعني يكون وفياً - في ثلاث : في نكبته - في مصيبته لا أنه إذا أصبح في مصيبة وبليه يبتعد عنه - ، وغيْبَته - إذا كان غائباً يحفظه ، إذا أحد تكلم عليه يدافع عنه ، إذا أُسيء إليه يدافع عنه في عرضه - و وفاته - يعني هذه العلاقة لا تنقطع بموت الصديق ، إذا عندي صديق حميم وعلاقة قوية مدى العمر لا يمكن أنساه ، أذكره بالخير ، بالدعاء ، أعمال صالحة ، فهذه العلاقة لا تنقطع ، فهذا من الوفاء للصديق ، بأن يذكره حتى بعد موته" .
٤ - الصدق :
سُمي الصديق صديقاً ؛ لأنه لابد أن يكون صادقاً في صداقته ، وأخوته ، لا أن تكون صداقته لمصالح ، ولأهداف ، إذا انتهت تلك الأهداف وتحققت تلك المصالح ترك صديقه .
أ- ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " عليك بأخوان الصدق ... " .
ب - وأيضاً ورد- في الرواية التي ذكرناها في بداية الكلام - : " عليك بأخوان الصدق ، فإنهم زينة في الرخاء - ما أجمل الإنسان إذا كان في رخاء ، في زواج ، في فرح وإذ بصديقه يؤازه ، فيكون جمالاً له ، عوناً له - وعصمة في البلاء - العصمة يعني المنع ، نقول هذا معصوم يعني يمتنع الوقوع في الرذائل ، كذلك الصديق يكون عصمة ، و مُؤازِر لأخيه في البلاء ، وفي المحن -" .
ت - وأيضاً ورد عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال : " من النعم - هذه نعمة أن الإنسان يحوز على صديق - الصديق الصدوق " .
صديق لكن ليس كل صديق وإنما صدوق أيضاً ، صدوق في قوله ، وفي تصرفاته ، وفي مواقفه .
المحور الخامس : ماهي حدود الصداقة ؟ :
وورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) يبين حدود الصداقة ،
يقول : " لا تكون الصداقة إلا بحدودها - ما هي حدودها ؟ ، يا أبا عبدالله الصادق :
أولاً : أن تكون سريرته وعلانيته لك واحدة .
يعني الذي يُظهر مثل الذي يبطن ، واضح ، ليس عنده غموض ، إذا أظهر شيئاً فهو يُبطنه .
وثانياً :أن يرى زينك زينه، وشينك شينه .
فكأنما الشيء إذا زانك زانه هو ، وإذا شيء شانك شانه ، روح واحدة في جسدين .
وثالثاً : أن لا تُغيره عليك ولاية ، ولا مال .
يعني عندما كان أمره طبيعي ، ليس عنده مسؤولية ، ليس عنده وجاة ، ليس عنده منصب يكون معك ، لكن لما أصبح صاحب منصب ، وصاحب ولاية ترفع وتكبر عليك ، عندما كان فقيراً معدماً كان معك ، لكن لما أصبح صاحب مال تركك ، فإذن يقول : " أن لا تغيره ولاية - يعني مسؤولية - ولا مال " .
ورابعاً : لا يمنعك شيئاً تناله مقدرته .
بعني عندك حاجة يستطيع أن يقضي تلك الحاجة لا يمنعك عنها ، وإنما يبادر ويسارع من أجل أن يسد هذه الحاجة .
وخامساً : أن لا يسلمك عند النكبات .
في المصائب ، في البلايا ، والمحن ، أصبحت في موقف - ( بتعبيرنا ذبك على صخر ) - وتركك تجود بنفسك .
٦- إظهار المحبة :
إنسان إذا كان يحب صديقه عليه أن يُظهر تلك المحبة ، وأن يُطهر تلك العلاقة ، بقوله ، وأيضاً بفعله ، لا يكفي بأن الإنسان عنده محبه لصديقه في الله تبارك وتعالى ويكتم تلك المحبة ، وإنما يجب عليه أن يُطهرها .
أ - فكما ورد عن نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) : قال " إذا أحب أحدُكم أخاه فليعلمه ( وفي رواية فليخبره ) فإنه أصلح لذات البين "
تكون العلاقة وطيدة عندما يقول له أحبك ، أظهار المحبة يوطد العلاقة أكثر وأكثر .
٧- النصح :
من حقوق صفات الصديق النصح ، يعني ،؟عندما أرى صديقي يعمل خطأ ، يعمل غلطاً ، منحرفاً ، من حقوق الصداقة أن ينصحه ، لا أجامل ، أو أداهن ، ويستمر في هذا الخطأ ، وهذا ليس من الصداقة ، الصداقة النصح ، كما ورد :
أ - عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " الصديق من كان ناهياً عن الظلم و العدوان ، معيناً على البر والإحسان "
إذن الصديق هو الذي ينهى عن الظلم والعدوان ، ويعين على البر والإحسان ، عندما أراه يعمل البر والإحسان أُشجعه ، أحفزه ، عندما أراه إنساناً يعمل الصالحات يكون هناك تشجيع وتحفيز له .
المحور الخامس : من لا تصادق :
نحن بينا من نصادق ، الآن نبين من لا نصادق ، من لا يستحق المصادقة ، بل نبتعد عنه ، ونفر عنه فرارنا من الأسد ، أو من الجذام .
أ - ورد عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) عن أبيه الباقر ، قال : قال أبي علي بن الحسين ( عليه السلام ) : خمسة لا تصاحبهم :
١ - إياك ومصاحبة الكذاب ، فإنه بمنزلة السراب ، يقرب لك البعيد ويبعد لك القريب .
٢- وإياك ومصاحبة الفاسق ــ الذي لا يتورع عن محارم الله سبحانه وتعالى ــ ، فإنه بايعك باكلة ، أو أقل من ذلك .
٣- وإياك ومصاحبة البخيل ، فإنه يخذلك في ماله أحوج ما تكون إليه
٤- وإياك ومصاحبة الأحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك .
٥- وإياك ومصاحبة القاطع لرحمه ، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله عز وجل .
ب - وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : " إياك ومصاحبة الفاجر فإنه يبعك بالتافه " .
الخلاصة :
خلاصة الكلام - حتى لا نطيل عليكم -، بأن الصداقة هي علاقة محبة ، ومودة بين الأصدقاء .
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين .
جديد الموقع
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا