الشيخ امجد الاحمد :يسر الدين و تشدد المتدينين

انطلق الشيخ من خلال الأية الكريمة قال تعالى :" يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ  "

 و تناولها في ثلاثة محاور

 المحور الأول / الدين مشروع لحياة أفضل .

 نعتقد أن الله غني عن خلقه و انما أنزل هذا الدين و التشريع لمصلحة الإنسان و ليس لمصلحته هو " ان تكفروا فإن الله غني عنكم "

 قال أمير المؤمنين " إن الله خلق الخلق حين خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم لأنه لا تضره معصيه من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه "

 هذا الدين جاء لمصلحة الإنسان و سعادته الدنيوية و الأخروية خلافا لما يتصوره البعض يعتقد أن الدين جاء لسعادة الأخرة فقط و بعضهم يقول أن الحياة الدنيا لا تجتمع مع الآخرة و ولابد أن نسير  في طريق التعب و المشقة و الرهبنة ولابد أن يعذب نفسه و ينام على الأشواك و المسامير وكل ما يعذب نفسه في الدنيا أكثر كلما ينجو يوم القيامة و نفس هذا التصور موجود عن بعض المسلمين و يستدلوا ببعض الروايات التي تدل على حقارة الدنيا وعدم قيمتها وهذه نظرة قاصرة لأنها انتقائية في أخذ النصوص التي تتكلم عن الدنيا المذمومة فقط  و هناك نصوص قرآنية و روائية كثيرة تدل على انّ الدين مشروع لحياة أفضل

 " استجيبوا لله و للرسول إذا دعاكم لما يحييكم " هذا الدين فيه حياتكم الدنيوية و الأخروية.

 ويعلمنا القرآن ان ندعو الله " ربنا آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة "

 والدين يحث الإنسان على الغنى حث يصف القرآن المجتمع الإيماني الذي بصفة " يقيمون الصلاة و يأتون الزكاة " و الذي يخرج الزكاة هو الغني وفي هذا دعوة للانسان أن يكون حاله أفضل وأن لا يستسلم للفقر و غيره .

 و يقول أمير المؤمنين عليه السلام في صفات المتقين " واعلموا عباد الله أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم ولم يشاركهم أهل الدنيا في آخرتهم سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت وأكلوها بأفضل ما أكلت فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون وأخذوا منها ما أخذه الجبابرة المتكبرون ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر الرابح "

 المحور الثاني / اليسر منهج التشريع

  بما أن الدين جاء لخدمة الانسان و سعادته و توفير الحياة الطيبة . لابد لهذا التشريع أن يأخذ بعين الاعتبار وضع الإنسان وحدود طاقته  .

 لهذه جاءت التشريعات واقعية وليست مثالية أو تعجيزية أو لتضع الأغلال أمام الإنسان فجاء التشريع على قاعدة ( نفي العسر و الحرج )

  قال تعالى ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) . قال تعالى " لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا " .

 فالله لا يريد أن يكلف على الإنسان ما لا يطيق سواء من مشقة بدنية أو نفسية ..

 في الجهاد "   لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ" .

في الصيام " فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر  " .

في الحج " ولِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ " .

 وإذا فهم الإنسان هذا الأمر له آثار على سلوكه و نظرته للدين :

أن الدين لم يأتي ليخرب حياته بل جاء لسعادته و لخدمته  " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ "

 2-يؤثر على تعاملاته مع الأحكام الشرعية بحيث لا يبحث عن الأشد على نفسه و يكلف نفسه مالم يكلفه الله عليه بحيث يصاب بالهوس و الوسوسة .

 يؤثر في نظرته إلى أحكام الفقهاء التي فيها يسر و سهولة .

 المحور الثالث / التشدد الديني مظاهره و أسبابه .

 لا شك أنه مطلوب من الإنسان أن يلتزم بأحكام الدين و عندما نتكلم عن يسر الدين فهذا لا يعني الدعوة إلى التساهل في الأحكام و على الإنسان  أن يتمسك بدينه و يلتزم بأحكام المولى عز وجل " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ "

 كما أن الإلتزام بالدين مطلوب و التساهل مرفوض كذلك التشدد و الغلو و المبالغة مرفوض .

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إياكم والتعمق في الدين، فإن الله قد جعله سهلا "

 مظاهر التشدد في الدين :

1- التشدد في المجال العقدي .

فالعقيدة الواجبة سهلة وواضحة و هي الإيمان بالله و النبي محمد و الإيمان بالآخرة بالإضافة إلى أصول المذهب العدل و الإمامة .

 أما القضايا التفصيلية العقائدية  لا يجب على الإنسان أن يحصل فيها المعرفة . غير مطالب لكن إذا بحث و أراد ان يوسع مداركه فهو الأفضل .

  عن إسماعيل الجعفري قال:

سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الدين الذي لا يسع العباد جهله، فقال: «الدين واسع ولكن الخوارج ضيقوا على أنفسهم من جهلهم، قلت: جعلت فداك أحدثك بديني الذي أنا عليه؟ فقال: بلى، فقلت:

أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله والإقرار بما جاء من عند الله وأتولاكم وأبرأ من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم، فقال: ما جهلت شيئا، هو والله الذي نحن عليه "

 المتشدد يوسع الدائرة وينزل العقائد الفرعية منزلة الأصول و يضخم هذا المجال و يتهم من لا يؤمن بذلك أنه ضعيف العقيدة و الأدهى من ذلك أن يدخل بعض القضايا التاريخية في العقائد و يعتبرها من أصول و ثوابت العقيدة .

 و اشار الشيخ أن هذا له مردودات سلبية منها نفور بعض الشباب من الدين بسبب التشدد العقدي .

 2- التشدد في العبادات و الأحكام .

 الله شرع الأحكام لأهداف منها يكرّس عند الانسان حالة العبودية لله و لتهذيب أخلاق الأنسان و أن يصل للتقوى .

 المتشددون يبالغون في العبادات يوسع دائرة الواجبات و الاحتياطات على حساب الواجبات الأخرى تجاه الأسرة و المجتمع و العمل و غيرها و يعتبر ذلك تدين .

 يقول أمير المؤمنين عليه السلام لأبنه الحسن عليه السلام " يا بني اقتصد في معيشتك و اقتصد في عبادتك "

 عن النبي الأاعظم صلى الله عليه و آله و سلم " إن هذا الدين مَتِينٌ فأوغلوا فيه برفق ولا تكرهوا عبادة الله لعباد الله "

 أهم سبب في التشدد الديني هو غياب القيم والأهداف الكبرى للدين كالعدل و الأمانة واحترام الناس و غيرها و لهذا تجد المتشدد بعيد عن روحية الدين .. تشاهده حريص على بعض الشعائر و العبادات لكنه متشنج في تعامله و سيئ الخلق مع أهله لأنه أخذ من الدين الإطار الشكلي و ترك الجوهر .

 الإمام الصادق عليه السلام " لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش، ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة "

 مطلوب ان يبني الإنسان شخصيته على المبادئ و القيم و الأخلاق التي لا يتنازل عنها في أحلك الظروف كمسلم ابن عقيل عليه السلام .

 وهنا يختم الشيخ مجلسه بعرض مصيبة سفير الحسين عليه السلام مسلم ابن عقيل