2012/05/26 | 0 | 2583
الرهبانية الدينية .. والبغي بين الناس
القيم .. حقيقة الدين
فالدين هو مجموعة القيم التي يؤمن بها شعبٌ ما, وهي التي تصنع واقعه ومستقبله, وتقدمه أو تأخره. فإذا سادت القيم الصحيحة التي دعا لها الأنبياء والرسل والصالحين كالصدق والعمل والعلم والتسامح والأمانة, فإن تلك الأمم تتقدم ويصلح شأنها. أما إذا سادت القيم الفاسدة كالكذب والغش والنفاق والكسل والجهل, فإن تلك الأمم لا محالة من تخلفها وتقهقرها, وسوء واقعها ومستقبلها. فعندما تتقدم أمم كاليابان مثلاً, فهو لقيم صحيحة يحملها أبناء ذلك البلد. وعندما تتراجع بعض الأمم وتتخلف عن ركب الحضارة, كحال بعض البلاد الإسلامية فذلك للقيم التي يعتقدها الأفراد في تلك البلاد بغض النظر عمّا يدّعونه من دين, أو ما يرفعونه من شعائر دينية.
فالدين هو القيم, وليس الدين هو فقط مجموعة العبادات التي يقوم بها الإنسان. بل إن العبادة جزء لا يتجزأ من الدين, ومن الخطأ إغفال قيم الدين, واختزاله برهبانية منفصلة عن الواقع. وإذا كان قلب الإنسان مليء بالقيم السيئة, فإن حسابه يوم القيامة سوف يكون عسيراً ولن تنجيه عباداته. وفي حديث عن الرسول الأعظم (ص): (يَا عُثْمَانُ لَمْ يُرْسِلْنِي اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّهْبَانِيَّةِ ، وَ لَكِنْ بَعَثَنِي بِالْحَنِيفِيَّةِ). فالرهبانية في العصر الحاضر هو الاهتمام بالعبادات وإغفال وطمس قيم الدين. والأسوأ من هذا استغلال الدين للفرقة والصراع بين مكونات المجتمع الإسلامي, والبغي على الحقوق, وتجاوز العدل وقيم الدين.
أما إذا كان قلب الإنسان يعتقد بالقيم الصحيحة, والتي تجعل قلبه سليماً طاهراً, فإن القليل من عباداته تكون مقبولة في ساحة القدس, ومن تقبل عبادته فقد وقع أجره على الله. وفي الآخرة تزول كل الظواهر عن الإنسان وما يدعيه في الدنيا, ويبقى قلبه على حالته الحقيقية من حسن أو قبح, ويمنع عنه العمل (إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ). وبمعنى آخر, فإنه لا تبقى إلا روحه وما وصلت إليه من قرب أو بعد عن الله. فتظهر الحقيقة الباطنية للإنسان وما يعتقده من قيم, وتزول كل السواتر المادية أو الظاهرية التي كانت عليه في الدنيا (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ).
الغرب.. واستغلال الحماس الديني
إن الغرب يستغل قابليتنا للفرقة والعنصرية, فيعيد صياغة الجاهلية التي كانت قبل الإسلام إلى جاهلية دينية, يتمزق فيها المجتمع الإسلامي ويتفرق على أساس طائفي. (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
فالغرب يعمل على توظيف بعض رجال الدين بشكل واعي أو لاواعي لتغييب الأمة الإسلامية عن ما يتقدم بها, والتركيز على ما يفرق الأمة إلى كيتونات مذهبية وطائفية, يُهلك بعضها بعضاً, ويسحق بعضها البعض الآخر. فالغرب يعمل على توظيف رجال الدين لإبعاد الناس عن حقيقة الدين وقيمَه وما يحمله من أخوّة وألفه بين الناس, واختزال الدين في الرهبانية البعيدة عن القيم والواقع, والتركيز على التمايز والخلاف والفرقة والصراع المذهبي, والغفلة عن ما يحاك بالأمة وثرواتها, أو التقدم بواقعها ومستقبلها.
إن ما يؤلمنا اليوم هو البعد عن حقيقة الدين باستخدام الشعائر أو الرموز الدينية واستخدام العاطفة الدينية لإبعاد الناس عن حقيقة الدين وطمس جوهره وقيمَه, والتركيز على الفرقة على حساب الأخوة والتسامح والتكامل. ففي الوقت الذي تعمل فيه الأمم لعزتها وقوتها وبناء إقتصاداتها وتعليمها وإعلامها وتوفير الخدمات لأبنائها وتكامل طاقاتهم, ينشغل الرأي العام في البلاد الإسلامية في الاختلافات الدينية والصراعات الطائفية, وما ينتج عنه من غفلة أو فرقة.
ولعل الغرب يعمل على توظيف بعض رجال الدين هنا وهناك في إذكاء الخلافات المذهبية بشكل لا واعي. وعندما ينجر بقية رجال الدين في الأمة لمثل هكذا صراع, فإن الأتباع سوف ينخرطون في هذا الصراع الديني بكل عاطفة وحماس. وإن خطر الصراع المذهبي, وهو إن لم يؤدي على أقل تقدير إلى تفريق الأمة وضعفها وإضعاف شوكتها من الداخل, أو أن يؤدي إلى صراع وحرب أهلية, فإنه إلى حدٍ ما يؤدي إلى الغفلة عن المصلحة والتكليف الحقيقي الذي هو على عاتق كل فرد من أبناء الأمة لبنائها وخدمتها.
وهناك فرق شاسع بين الدعوة للتدين من أجل الإصلاح والتهذيب وإقامة القيم الدينية وخدمة الأمة الإسلامية, وبين الدعوة للتدين من أجل الغلبة بين الفرق الإسلامية والتدافع والبغي بين الناس. فالدين هو العدل في كل أمور الإنسان, وليس من الدين ما يدعو إلى البغي بين الناس من أجل بعض الاختلافات الفقهية أو الشرعية أو الدينية. فالحنيفية دينٌ يدعو للعدل, وما يدعو للبغي هو دينٌ آخر (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ).
(وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4) وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5)) سورة البينة.
يتبع ,,,
جديد الموقع
- 2024-08-02 دار الرحمة توقع مذكرة تعاون مع أمانة الأحساء ومؤسسة إكرام الموتى بالرياض
- 2024-08-02 بذكرك لهجاً على خطى السجاد (ع)
- 2024-08-02 الإكتئاب أثناء الحمل مرتبط بارتفاع هرمون الكورتيزول في شعر الأطفال الدارجين مما قد يسبب مشكلات صحية للطفل
- 2024-08-02 تشخيص أنواع مختلفة من الخرف باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ممكنًا الآن
- 2024-08-02 استراتيجية جديدة للتعامل مع التوتر العاطفي
- 2024-08-02 التاريخ يشكل مادة خصبة للأدب
- 2024-08-02 سوء إخراج الكتب يؤثر سلبا في تسويقها
- 2024-08-02 25 لوحة ترصد تاريخ الأحساء قبل 100 عام
- 2024-08-02 اشرب من الچـوچـب
- 2024-08-01 نبتة الغاف الأحمر والسعودية الخضراء.