2022/12/22 | 0 | 2024
التجريب في قصائد هيفاء الجبري.. ترقي في معراج القصيدة.
اليمامة
«قيل للفرزدق: إنّ فلانة تقول الشعر، فقال: إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح»!؟ وبعده بثلاثة عشر قرناً قالت فوزية بو خالد: «خلعتْ أسنانَ اللَّبن وتمضمضتْ بالحبرِ/ خالعتْ طاعاتٍ طاعنةً في العمرِ/ شبَّتْ عن الطَّوقِ/ فأشعلتْ حريقاً صغيراً بالكاد يتَّسع لها وحدَها». وبعدها بقليل، وفي نفس السياق، تقول هيفاء الجبري في نص “رسالة”: «فتحتُ ظرفَ العالم / وجدتُ فيه رسالة: نساءٌ عجائز يَبِعنَ جلودهنَّ على الرصيف / تسلَّلتُ داخل الظرف بقطعةٍ من جلدي / ولأن جلدي أقلّ من أن يسد الحاجة / نفذتُ به / وتركتُ الظرفَ مفتوحاً».
فـأسنان اللبن كما يوحي نص الشاعرة فوزية السابق، هي ثقافتنا الذكورية الموروثة، والحريق الصغير هو تعبير عن مدى نجاح الشاعرة في خلق صيغة حوارية مع حمولات الذاكرة العربية وموقفها اتجاه الشعر الأنثوي؛ حينما وصِفت الخنساء بمصادر كلاسيكية - مثل كتاب الأغاني - بأنها «مجرد بكاّءة وليست شاعرة». لتاتي الشاعرة هيفاء مبشرة بالانفتاح والحضور الكامل من دون الحاجة إلى عمليات ترقيع مفاهيمية للنظرة التراثية عن المرأة، وكما تعيشه الآن في عصرها الزاهي.
تكتب هيفاء الجبري القصيدة – ديوان “الصدى يخرج من الغرفة” نموذجاً - بانفعال وتوتر لما يستلزمه الوقوف في وجه أزمات العالم ومجابهتها لنكباته، وباعتبار أن «أعصاب البشر تحت جلودهم أما الشعراء فأعصابهم تقع فوق الجلد»، كما في المقولة المشهورة. وهذا ما تعبر عنه شاعرتنا: «عندما تستمع إلى غناء طائر / فإنك تعلم يقيناً أنه غير غاضب / وحدهم الشعراء الذين يغنُّون عندما يغضبون».
تقاوم عثرات الحياة، وتجاهد من أجل اثبات الذات، وعندما تشتد الممانعة تكمن لبرهة وتعتبره “خروجاً قصيرا”: أكتبُ القصيدة للخروجِ من الحياة / لكم تمنيتُ أن تطولَ قصائدي / لكنها ممعنة في القِصَر / لذلك أعود والحياةُ على حالها».
تمارس التجريب على الأشكال الشعرية الحديثة، كقصيدة الهايكو اليابانية في صيغتها “المدينية” الحديثة كما في نص “ذقن مقلوب”: «أغصانُ الشجرة المتشابكة / لحية كثة / تُخَلَّلها الرياح». أو في نص “حصار”: «طاولة البلياردو / الزوايا الأربع للكرة / خياراتُ سقوط». وتجرب أحياناً بالمحافظة على روح الهايكو من دون الالتزام بمقاطعه الصوتية الستة عشر، كما تقرره تقاليد الكتابة اليابانية، كقولها في نص “غرق”: «المهاجرونَ بحراً / القارب الحطبيّ للبحرِ متَسائِلا: / كم رغيفاً تحتاجُ هذا الصباح»!. وأيضاً عند تجريبها على الخروج عن هيكله “الهايكو” وعدد مقاطعه الثلاثة المعروفة مع بقاء سمته ومفهومه، كنص “هموم”: «السماءُ صحوةٌ الآن / للتّو انتهت من حلاقةِ الغيومِ البيضاء / الغيومُ المحلوقة تتساقط / الغيومُ على رأس الجبل شيبٌ مُستعار».
إذن، الشاعرة تمارس الحداثة في كتابتها للشعر ونظرتها لمفهومه، حيث أن القصيدة في تطور مستمر، وأن المعاني لا تستقر بل تتجدد في كل زمن : «اخرُجُوا من ذمتي أيُّها الشُّعراء / قالت القصيدة بعد أن سرق أحدهم بيتاً لجاره / الجار لم ينتبه إلى البيت المسروق / السارق أعادَ البيت لجاره بعد صراع مع المعنى / الجار نسي المعنى بعد فراق طويل».
وفي الختام، يقول الشاعر جيرار بوشوليه: «كل أيديولوجية جماعية هي ضد الشعر»، ونحن مع الشعر لا ضده، ومع الاعتراف بحضور الشعر الأنثوي وبقوة في ساحتنا الأدبية.
جديد الموقع
- 2024-08-02 دار الرحمة توقع مذكرة تعاون مع أمانة الأحساء ومؤسسة إكرام الموتى بالرياض
- 2024-08-02 بذكرك لهجاً على خطى السجاد (ع)
- 2024-08-02 الإكتئاب أثناء الحمل مرتبط بارتفاع هرمون الكورتيزول في شعر الأطفال الدارجين مما قد يسبب مشكلات صحية للطفل
- 2024-08-02 تشخيص أنواع مختلفة من الخرف باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ممكنًا الآن
- 2024-08-02 استراتيجية جديدة للتعامل مع التوتر العاطفي
- 2024-08-02 التاريخ يشكل مادة خصبة للأدب
- 2024-08-02 سوء إخراج الكتب يؤثر سلبا في تسويقها
- 2024-08-02 25 لوحة ترصد تاريخ الأحساء قبل 100 عام
- 2024-08-02 اشرب من الچـوچـب
- 2024-08-01 نبتة الغاف الأحمر والسعودية الخضراء.