2024/10/31 | 0 | 238
يعيشون بيننا - الأستاذ المرحوم أحمد الحبابي
الأستاذ المرحوم أحمد الحبابي:
مواليد ١٣٧٥ هـ
الأحساء - مدينة العمران الشمالية
الشاعرُ الشاعر لا يُرثى. الناس العاديون يصحُّ فيهم الرثاء. المبدعون يكون موتُهم الجسدي مَعْبراً إلى اللامَوت. والذي تنطفئ قصيدته مع إغماضته الأخيرة لا يكون من الشعراء، ولا قصيدته من الشعر.
كما يقول الشاعر اللبناني هنري زغيب.
غير أننا على غير مذهبه هنا، بل على مذهب عمنا جرير الذي رثى الفرزدق بقافيته الشهيرة:
لَعَمْرِي لَقَدْ أشجَى تَميماً وَهَدّها
على نَكَباتِ الدّهرِ مَوْتُ الفَرَزْدَقِ
عَشِيّة َ رَاحُوا للفِرَاقِ بِنَعْشِهِ
إلى جَدَثٍ في هُوّة الأرضِ مُعمقِ.
نحن هنا نتحدث عن أبي علاء.. أبو علاء الذي لم تنطفئ روحه ولم تغمض عيناهُ ساعة رحيل جسده؛ فروحه تتجول في مجالس أنشطته الاجتماعية، وعينيه أغمضهما قبل انتقال جسده إلى عالمه الآخر بسنوات، احترازاً أن يرى بهما ما يخالف الآية الكريمة: *"قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ"*. وحين كتب الشعر، قال:
فإني ما قصدت سوى رشاد
لتحذو سيرة الرجل المثالي.
سعيٌ حثيث نحو الحكمة والصواب والاقتداء بكل ذي خُلق وسلوكٍ حسن. ظهر هذا في علاقاته الوثيقة مع العلماء والمتنفذين وأصحاب الرأي في المنطقة، حتى إذا فقد أحدهم ضج قلبه بالحزن، كهذه البكائية في رثاء سماحة المرحوم الشيخ عبدالحميد الجزيري، رحمه الله.
سيــلٌ غزا قلبــي مــن الأحــزانِ لمــا نُـعيتَ أُصبـتُ في وجــــداني
قــالوا تــوفّيَ شيخُنــا فـأجبتهــم سيــظلّ حيّـــا في فــم الأزمـــانِ
سيظلّ ذكــراه التي قـــد عَطّــرت شـطراً كبيـراً مـن رؤيالإنســـــانِ
سيظلّ محمود الفعــال مكرّمــاً
صــرحاً مشيــداً عــالي البنــيان
باشــيخ ياعبـدالحميـد تحـــية
ممزوجــة بالحــب والعرفـــان
فلقد فقدنا في ارتحالك مشعلاً
متوهجـــاً للتائـــه الحيـــــران
الشاعر المرحوم أحمد بن عبدالله الحبابي نشأ في فترة مزدحمة بالتحديات الإجتماعية بكل تفاصيلها وتعقيداتها، فتأثر بالإيجابيات وشجعها، ووقف ضد السلبيات وكافحها، ملأ سنينه رغم قصرها بالطموح والعزيمة والمثابرة والإصرار والكثير من المغامرات؛ شاعر تجاوز بإعاقته البصرية حدود الظلام... نشاطه الإجتماعي تعدى حدود التصنيف والتخصص، برز في المهرجانات السنوية، والجمعيات الخيرية، والمنتديات الثقافية، تلمس آلام ذوي الاحتياجات الخاصة برعاية أبوية وكان توأم روحٍ لكل فاقد للبصر كما أشار الشاعر الأستاذ أحمد الحمد في قصيدة رثائية بعد رحيلة تنضح بالوفاء.
ياتوأم الروحْ أظنتني جِراحاتي
فجـئــتُ أًهــــدي إلى الآفـــاقِ دمـعــــاتي
وجئتُ أستنشـــقُ الأحـــزانَ مــن مـهـــجٍ
تــذوبُ شــــوقاً إلى نجـــوى حكــايــــاتي
مـــازلتُ أقتطـــعُ الآلامَ مـــن كـبـــــــدي
حتـى تهيــمَ بـنـــارِ الحــــزنِ آهــــــاتـــي
مـــازلــتُ أرفـــضُ أن تـبـقــى مكـبـلــــةً
إلا بـــــذكــراك يــا عـنـــوان مـأســـــاتي
أنــا وأنــتَ خُلقنا للـعـنــــاقِ هـــــوىً
لــــذلكَ انــتــظــرَ الأحبـــــابُ أبـــيـــاتي
وأنــت جـمــرُ فــراقٍ بـــات يُــسعــــدنـي
لـــــذاك ســالـــتْ من العينيـن عبــــراتي
النــــارُ بـعـضُ شــــظايــيَ التـي انطلقتْ
لتستجـيــبَ إلى استـــــرســـالْ زفـــراتـي
يا قُــــرةَ العـيـــنِ مـن لي بَعَـــدكُـم قـبـسٌ
يـضـيءُ دربـيَ فـي المستقـبــــــل الآتــي
مــذ غِـبــتَ عني تــــولاني الــــذهـــــولْ ولم
أملك مقــــاومـةً فاسمــــعْ منــاجــاتي
أردتُ أن تــســمــعَ الــنــجــــــــــــــــوى لإن بها
إجهاشةَ القلــبَ لأستنـــطاق أنّاتي
قال الأنين فقـــدتُ الـروح حيـــن خــبــــا
بــــدرُ الحبيـب وغـــابت كـــلُ بسمــــاتي
وكيف يحلــــو ابتسامٌ والحـبـيــب مـضـى
عني فلــــم أستطــــع كتمـــان صرخــاتي.
رجل بنى في قلبه عٌشاً لعصافير القصائد، وفي رأسه بنات حَسناوات من الأفكار، وعلى كفيه بساتين سخاء؛
كان الأب الروحي لأعضاء ملتقى العمران الأدبي، مشجعاً طموحاً دافعاً لكل مامن شأنه أن يخلق فارقاً لهذه المدينة؛ يحترق إذا فَشِلَ مشروع أو تأخر عمل، أو أُثير خِصام، أو تراخى مدافع( عاملُ ) عن عملٍ أونشاط،
متحدثا بارعاً مقنعاً ملهماً لكل من يستمع إليه، نقل تجاربه الشخصية والتحديات التي واجهها في الحياة بقوة وتأثير كبيرين، أثبت أن الإعاقة لا يمكن أن تكون حاجزاً أمام تحقيق الطموحات، فهو خريج كلية الأداب- جامعة الملك سعود بالرياض، ثم كلية التربية قسم اللغة العربية، ليعمل معلماً في معهد النور بالأحساء.
- عضو مؤسس في جمعية الصداقة،
- عضو مؤسس في جمعية التعاون ورئيس مجلس إدارتها.
- عضو مشترك في جمعية الولاء
- عضو مشارك في المهرجان الرمضاني الثقافي.
- عضو مؤسس في منتدى العمران الأدبي.
- عضو في منتدى الينابيع الهجرية.
- ومشاركات وأنشطة متفرقة قبل أن يستجيب لنداء الحق في العام ١٤٢١هـ لتنتهي آمال وآمال كما أشار الشاعر الكبير ناجي بن داوود الحرز في رثائه له:
هكذا تنتهي بنا الآمال
جثةٌ فوقها الترابُ يهال
وإلى حفنةٍ من الدود تغدو
طعمةً بعض هذه الأوصال
فكأن لـــم نكــن أعزَّ وأغلى
عندما يفتدي الرجالَ الرجالُ
فكأن لـــم نكــن أعزَّ وأغلى
عندما يفضحُ الجواب السؤالُ
لم تكن وفاة الشاعر الأستاذ أبي علاء إلا تحفيزًا وتذكيرًا لنا جميعًا بأن الإصرار والإيمان بالذات يمكن أن يتجاوزا العوائق والصعوبات، وأنه يمكننا تحويل فقدان البصر إلى قوة بصيرة ومصدر للذكاء، كما يقول الشاعر بشار بن برد:
عَمِيتُ جنينًا والذَّكاءُ مـنَ العَمَى
فجِئتُ عجيبَ الظَنِّ للعِلم موئلا
وغاضَ ضـياءُ العينِ للعلمِ رافـدًا
لقلبٍ إذا ما ضيَّع الناسُ حَصَّلَا.
رحمك الله يا أبا علاء
جديد الموقع
- 2024-10-31 العمل الفردي ومعضلة الاستمرارية.
- 2024-10-31 دع الكتب تمضي
- 2024-10-31 تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد
- 2024-10-31 قراءة في ديوان الشاعر محمد الحرز ( مشّاؤون بأنفاس الغزلان) -تمثيل وتشخيص وترجمة سرديّة وأمثولات رمزية وتوغُل في صميم التجريب.
- 2024-10-31 جمعية أدباء بالاحساء تعقد جلسة أنسها الأدبية الثامنة
- 2024-10-31 الروضة بالاحساء ينظم برنامج كبارنا معلمو الحياة
- 2024-10-31 متلازمة القلب المنكسر؟ - ومسائل انفعالية أخرى
- 2024-10-30 الكتاب المسموع منافس أم مكمل؟
- 2024-10-30 مفارقة اللذة
- 2024-10-30 عشر سمات لذوي الذكاء العاطفي العالي