2023/10/11 | 0 | 1941
وامتازوا اليوم أيها المعلمون
قال تعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها...". إن المعلم الأول للإنسان هو من خلقه في أحسن تقويم. إن التعليم رسالة الأنبياء، بعثهم الله ليخرجوه من الظلمات إلى النور، قال المصطفى (ص):" .... إنما بعثت معلماً". إن التعليم رسالة سامية قبل أن يكون وظيفة، فمن أخذها رسالة أبدع فيها غالباً، إنه حجر الأساس لكل تنمية، هو الذي علم وخرَّج الطبيب والمهندس والتاجر والنجار وجميع أصحاب الشهادات والمهن.
كان المعلم في العصر العباسي يسمى المؤدب، فلأبناء الخلفاء مؤدبون، منهم الكسائي مؤدب الأمين والمأمون ابني هارون الرشيد، ومنذ بزوغ فجر الإسلام بدأ انتشار معلمو كتاتيب القرآن، وفي القرن العشرين ظهرت في بلادنا المدارس النظامية، فكان المعلم ذا هيبة يملأ المكان إذا استوى على عرش صفه، فإذا مر في شارع تخر له الجبابر مذعنينا، ومنهم من يتحاشاه إلى شارع آخر؛ خوفاً من أن يسأله أو يحاسبه في اليوم التالي! كان يُحسب له ألف حساب، فأولياء الأمور يسلمونه أبناءهم تسليم مفتاح، لهم العظم وله اللحم، فمعظمهم يحملون عصوات يهشون بها على ما تصله عصيهم وأيديهم، ومعظم الطلاب يسايرون هذا النظام ، فمن علمني حرفاً صرت له عبداً. وفي عام 1403 تقريباً صدر قرار منع العقاب البدني، فانعكس الحال، وانقلبت الأدوار، فالطالب له اللحم، وللمعلم العظم المكسور، فإلى الله المشتكى! فإذا ضرب معلم طالباً ضرب تأديب لا تعذيب يُستقبل في مراكز الإشراف فيرسلون مشرفاً يحقق في القضية، وإذا تجاوز في ضربه قليلاً، فانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي تقوم الدنيا ولا تقعد من قبل الذين يجهلون حيثيات القضية، فيغردون بوصم المعلم أقلها بأنه غير تربوي، وعليه الصبر والتحمل والاحتساب متناسين أنه بشر غير معصوم!
إن مشكلات الاعتداء على المعلمين وصلت إلى حد الإصابات وإلى الدم أحيانا حتى في داخل المدارس، فتقعد الدنيا ولا تقوم إلا ما رحم الله، ويقال عن الطالب المعتدي أنه طفل لم يبلغ الحلم، أو مراهق يعيش ظروفاً أوصلته إلى ما يحمد عقباه، أو شاب طائش يحتاج إلى توجيه وإرشاد! ويا ليت وزارة التعليم حذت وزارة الصحة بحماية معلميها بغرامة مغلظة وسنوات حبس رادعة.
إن المعلم والطبيب كليهما
لا ينصحان إذا هما لم يُكرما
فاصبر لدائك إن أهنت طبيبه
واصبر لجهلك إن أهنت معلما
وللأسف إن نظرة ثلة غير قليلة في مجتمعنا للمعلم نظرة سلبية، فهو ذو دوام قصير، وإجازة طويلة (سابقا)، وراتب مجزٍ وعمله سهل، مجرد كلام في كلام،وغير ذلك، كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذباً. متجاهلين أنه يتعامل مع كائنات حية بشرية من آكلات اللحوم والنباتات معاً، متقلبة في تصرفاتها، فهم في حق المعلم يكيلون بمكيالين، فما لهم كيف يحكمون؟
إن النظرة إلى المعلم في زمن التقنية تحتاج إلى حركة تصحيحية من قبل الوزارة أولاً بالتعاون مع المعلمين في تحسين صورتهم عند الجميع.
منذ أن تولى وزير التعليم الأسبق الدكتور محمد الرشيد وزارة المعارف في عام 1416 سن الاحتفال باليوم العالمي للمعلم في الخامس من أكتوبر من كل عام، فهل تغيرت صورته نحو الأحسن؟ إن هذا اليوم يذكرني بأيام العرب التي لا يعرفها جل الأدباء والعلماء في عالمنا العربي، فكذلك جل المعلمين لا يتذكرون هذا اليوم إلا إذا ذكرهم به غيرهم، أو فاجأتهم إدارات مدارسهم بالاحتفال به، وتكريمهم فيه!
إن اليوم العالمي للمعلم تحول إلى بهرجة إعلامية ومهرجان اقتصادي، فالتاجر أبدع في عمل توزيعاته ودروعه وحلوياته وعروضه وتخفيضاته للتكريم حتى وصلت لتكريمه بوجبات مجانية، والناس تهافتوا على ما صنعه التجار، والمدارس تحتفل بمعلميها، والإعلام يغطي هذه الاحتفالات، والناس ينشرون دون حسيب أو رقيب، وكلهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً في حقه، والمعلم في هذا اليوم بين الموافقة والممانعة؛ لأن يومه تحول إلى مهرجان اقتصادي وإعلامي ومسرات فرح. أتساءل عن جدوى الاحتفال بهذا اليوم إذا لم يغير من واقع المعلم نحو الأفضل؟ هو بحاجة إلى نظرة إيجابية إلى دوره في مجتمعه خاصة، وليس إلى تكريمه بشهادات مزركشة الألوان، أو دروع للذكرى، أو ورود حمراء أو صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، أو مغلفات الكاكاو مع بطاقات المدح والحب والثناء وغيرها. إن تكريم المعلم بما سبق لا غبار عليه ولا اعتراض؛ لأن في ذلك تذكير بدوره والذكرى تنفع المؤمنين. واعتقد أن أكبر تكريم له قوله (ص): إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين، حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت، ليصلون على معلم الناس الخير".
رحم الله جدتي معلمة البنات والصبيان القرآن في زمن الطيبين، لم تطبق من طرق التدريس سوى الإلقاء والترديد، ولم تعرف استراتيجيات التعليم وثوابه وعقابه سوى ما أنتم تعرفون، ولم تعلم من نظريات التعليم سوى الحب والشدة معاً، فكان الأهالي راضين، وطلابها صابرون محتسبون، وحين كبروا واشتعلت رؤوسهم شيباً، ذكروها بخير، وحين ماتت ترحموا عليها، ومشوا في جنازتها؛ لأنها لم تأكلهم لحماً ولم ترمهم عظماً، بل حافظت عليهم نفساً وجسماً وروحاً، وأنارت عقولهم علماً، وملأت قلوبهم قرآناً يتلونه آناء الليل وأطراف النهار.
جديد الموقع
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا