2021/08/17 | 0 | 4312
مواجهة العلماء لبعض الأفكار الدخيلة في القضية الحسينية
أحداث كربلاء جرى عليها ما جرى على غيرها من الأحداث من الحذف والزيادة والتحريف، وقد يكون الدافع عفوي وقد يكون عن قصد. سوف أتناول كتابين من الكتب التي ساهمت في إدخال بعض القصص الخرافية والدخيلة على أحداث هذه الواقعة، وأقصد بهما كتابي إكسير العبادات في أسرار الشهادات للملا آغا الدربندي، وروضة سيد الشهداء للواعظ الكاشفي، وكيف أنهما لقيا استقبالاً وانتشاراً واسعين؛ الأول في العهد الصفوي والثاني في العهد القاجاري إلا أن كتاب أسرار الشهادة تفوق على كتاب روضة الشهداء.
يقول مؤلف ريحانة الأدب في تعريف الملا آغا الدربندي وكتاب أسرار الشهادة: تضمّن الكتاب الغث والسمين، لما تمتّع به مؤلفه من شغف وحب. وينقل عن صاحب أعيان الشيعة: نقل الدربندي الكثير من القصص الواهية في مؤلفاته، مما لا يصدقه العقل ولا شاهد من النقل عليه. وللمحدث النوري في اللؤلؤ والمرجان نفس الرأي، وعلى الرغم من تأكيده على إخلاص الفاضل الدربندي ومدى حبّه لأهل البيت، ينقل قصّة تأليف أسرار الشهادة، كمطلع على الموضوع، قائلاً: وفد يوماً سيد خطيب عربي من الحلّة في كربلاء، وقدّم للشيخ عبدالحسين الطهراني مخطوطات قديمة، ورثها عن أبيه، بقلم أحد علماء جبل عامل، تتضمن روايات عن حياة أهل البيت ومصائبهم. وبعد أن اطلع عليها الشيخ، وجد فيها كثيراً من الأكاذيب الواضحة والأخبار الداهية؛ لذلك نهى السيد العربي عن نقلها. لكن يبدو أنّها وقعت في يد الفاضل الدربندي، الذي كان يسكن العتبات العاليات آنذاك، وكان مشغولاً بتدوين أسرار الشهادة؛ فنقل تلك الروايات وأضاف إليها من عنده، وزاد على أخباره الواهية المجهولة، وفتح باب طعن مخالفيه والسخرية منهم والاستهزاء بهم على مصراعيه. ووصل به الأمر حيث عدّ جيش الكوفة ستمائة ألف راكب ومليوني راجل، وهيأ بذلك ميداناً وسيعاً للخطباء، لا يضيق بهم مهما صالوا وجالوا فيه، ومادة غزيرة لا ينتهي بها الافتراء على العظماء، وحجّتهم أنّ الفاضل الدربندي قال كذا. ويَعتبر الشهيد المطهري في الملحمة أن عمل الملا آغا الدربندي في تأليف أسرار الشهادة، كان استخداماً لوسيلة غير مقدسة لهدف مقدس.
وهناك علماء تصدوا وجابهوا هذا التحريف بكتب ورسائل نقدية. ومن أهمهم صاحب كتاب اللؤلؤ والمرجان الميرزا حسين النوري الطبرسي المعروف بالمحدث النوري المتوفى سنة ١٣١٩ هجري، وصاحب كتاب أسرار المصائب ونكات النوائب في ذكر غرائب الأطايب من آل أبي طالب، لعلي محمد تقي القزويني النجفي المتوفى ١٣٢٣ هجري. ففي كلا الكتابين، بدأ المؤلفان بمباحث مفصّلة حول الكذب وقبحه وإثمه، ثم تناولا التحريفات والأكاذيب الرائجة آنذاك حول واقعة كربلاء، وتطرّقا إلى بعض المصاديق كنايةً؛ فانتقد مؤلف اللؤلؤ والمرجان ما ورد في أسرار الشهادة واللهوف لابن طاووس، ومنتخب الطريحي، كما اعترض مؤلف أسرار المصائب على كتاب محرق القلوب ومؤلّفه الملا النراقي، ويعكس قول المحدث النوري المشهور في خاتمة كتاب اللؤلؤ والمرجان قوّةَ التحريف واسعة النطاق حيث يقول: "جدير بنا اليوم أن نقيم مآتم، يبكي فيها الشيعة على مصائب الحسين الحديثة، المصائب التي أحلّها الخطباء الكذّابون به". ويشير القزويني النجفي في أسرار المصائب إلى إشاعة القصص المختلقة حول واقعة كربلاء في العهد القاجاري، ويقول: "أسمع وأرى هذه الأيام انتشار الأخبار المختلقة والروايات المجعولة، التي تأتي بالدمار على الدين وشريعة سيّد المرسلين، وبالذرائع لاستهزاء المخالفين، إن رواج هذه الأكاذيب أعظم مصاب لأهل البيت، وإن كانت تقرأ في المآتم ومجالس الرثاء، لكنها ليست سوى بدعة في الدين ، أتت في قالب مصائب الحسين (ع)، وهي مما يدمي قلبه، جاء بها بعض العوام؛ لأنهم استحسنوها - حسب عقيدتهم السخيفة - وأوردها بعض العلماء في مؤلفاتهم غافلين، ولحقتها مفاسد عظيمة ... وحاصل الكلام: إنه لا تجوز قراءة هذه الأكاذيب والقصص المختلقة الباطلة في المآتم ومن على المنابر - وهو أمر متعارف اليوم - وينبغي أن لا تكتب أو تقرأ حتى بقصد تكذيبها؛ إذ يؤدي ذلك إلى مداولتها لفترة من الزمن، وقد تُكتب على أوراق ثم تسقط بيد الأجيال القادمة، فيعتمدون محتواها، لأنهم وجدوه على أوراق قديمة ".
ويصف المحدّث النوري في كتاب اللؤلؤ والمرجان الرثاء الكاذب فيقول : "أما هذه الجماعة (خطباء الكذب والزور)، فكلما اعتلوا المنبر، أتوا بخبر جديد، وزرعوا بذور الكذب في أي مجلس حضروه، وما إن يجدوا فتوراً في تفاعل المستمعين حتى يحيكوا خبراً جديداً، وإن جاؤوا بخبر صحيح أتوا له من عندهم بفروع وحواشي كثيرة، لذلك لا تحصى الروايات التي ينقلونها في كتاب، ويعجز حتى الكرام الكاتبين عن إحصائها ... أما النتيجة البديهية لذلك، فإهانة المذهب والأمة الجعفرية، وإعطاء الذريعة بيد المخالفين للسخرية والاستهزاء والطعن، وأن تقاس سائر أحاديث الإمامية ورواياتهم على هذه الأخبار الواهية والقصص الكاذبة". وفي النهاية يدعو العلماء لمواجهة المآتم التي ظللتها الأكاذيب والروايات الباطلة، ويخاطب معاتباً: "كان جديراً بالفقهاء الراسخين وحماة الدين الدين المبين، صيانة حصن الأمة الأحمدية والطريقة العلوية بأفضل مما هو الحال عليه اليوم، وأن يبعدوه عن هذا الخزي والعار (مجالس الرثاء المنطوية على الكذب والخديعة)، ويطهروا ساحة المذهب الطاهرة من دنس هذه القاذورات، ويمنعوا نشر أمثال ذلك الكتاب (منتخب الطريحي) والنقل عنه ولا يَدَعوا الخطباء -الذين لا يميزون بين الصحيح والسقيم - يستندون إليه؛ وإذا لم يستجيبوا، فلا يَدْعوهم إلى المجالس والمآتم، وإن دعُوا إلى مجلس لا يحضروه، وإن حضروه غير عالمين بوجود أولئك، فليتركوا المجلس غير آبهين بأحد، لإعلاء كلمة الحق والنهي عن الفعل المنكر، وفي ذلك فائدة عظيمة في تنبيه هذه الجماعة والتزامهم بما أمروهم والعمل على أساسٍ صحيح، لا أن يجلسوا ويستمعوا ويشجعوا بقولهم (أحسنت) و (طيب الله أنفاسكم)، بعد فراغ الخطيب من الدعاء".
ويحري بالذكر بعض الكتب التي ساعدت على تحريف هذا الحدث العظيم، من أمثال كتاب طوفان البكاء للميرزا إبراهيم الجوهري، ومحرق القلوب للملا مهدي النراقي كشواهد على كتب شاطرت روضة الشهداء وأسرار الشهادة في خلط الغث بالسمين والصدق بالكذب، ودعمت الطابع القصصي على حساب انحسار الطابع التاريخي المستند.
جديد الموقع
- 2024-11-22 عادات قرائية مفيدة
- 2024-11-22 مع أن الأديان تتحدث عن قيمة التواضع الفكري، لكن قد يصعب على رجال الدين بشكل خاص تطبيق ما يدعون إليه الناس
- 2024-11-22 يرجع الفضل في استمرارك في تذكر كيف تركب دراجتك الهوائية إلى منطقة المخيخ في دماغك.
- 2024-11-22 نظرة على البنوك في المملكة.
- 2024-11-22 المخرج الشاب مجتبى زكي الحجي يفوز بجائزة أفضل مخرج في مهرجان غالاكسي السينمائي الدولي35
- 2024-11-21 توقبع اتفاقية شراكة بين جمعية أدباء بالاحساء وجمعية هجر التاريخية
- 2024-11-21 أمانة الاحساء تُكرّم الفائزين بــ ( جائزة الأمين للتميز )
- 2024-11-21 سمو محافظ الأحساء يبحث مع معالي وزير التعليم خطط ومشاريع تطوير التعليم في المحافظة
- 2024-11-21 «الغربة باستشعار اللون».
- 2024-11-21 البيت السعيد