2022/03/18 | 0 | 2266
محمد الغزال رفيق الكتاب و صديق الكبار .
من الصعب جدا أن تكسب ودّ الجميع و في ذات الوقت لا تتنازل عن قناعاتك و مواقفك هذا ما امتاز به الصديق الأديب الراحل الأستاذ محمد الغزال .
صوته المدوي و الذي يُمسرِح به أبيات أي قصيدة يلقيها هو أول ما جذبني له ( كنت وقتها في حدود الخامسة عشر من عمري ) فإضافة لمحفوظاته المميزة فقد كان جاذبا لي من أول ما كنت ألمحه في جلسات أصدقائه المقرّبين ( شلّة المطاليق ) كما يعرفون بأنفسهم و حيث جمعت شبانا مطاليق فيهم رجال أعمال و كفاءات جلهم من الأقارب و المعارف كان أبو عبدالله ناظمة عقد بين هؤلاء ، يصيخ الجميع سمعا له حين يشرع في إلقاء مقطوعة شعرية أو حكاية تراثية ، لشدة براعته في القبض على ملكات جلب الانتباه ، من استطلاع للحضور و مستويات أعمارهم و مشاربهم الأدبية و اهتماماتهم فيستطيع أن ينفذ من خلالها ، و يبرع في كسب ود الجميع و يثير إعجابهم ، لذا يرى الكثيرون أنه جمع صداقات منوعة و متناقضة ابتداء من العلامة الشيخ صالح السلطان رمز التقليدية إلى آخر شاب حداثي .
كان ابو عبدالله يقول دايما ( إبدأ من فوق ) فإذا أردت أن تشرب ماء اشرب من الجوجب ( النبع ) ، لذا مثلا كان في زياراته خارج الوطن يتبع هذا الأسلوب فكان يزور الشخصيات الدينية و الأدبية و الثقافية الرسمية و الشعبية و كان رائده الكتاب و المعلومة و الأدب .
فمثلا إذا ذهب للنجف الأشرف يزور المراجع كالسيد الخوئي رحمه الله و الشخصيات المهمة كالشيخ شريف كاشف الغطاء و الشيخ باقر شريف القرشي و يتباسط معهم فيشرعون له أبواب مكتباتهم .
مع الرواية الشفوية :
و مما ذكر لي أنه في حديث له مع علامة بغداد الدكتور حسين علي محفوظ ، فكان يوصي ابا عبدالله فيقول له :
(سياق الموضوع يحدد مصادره ، و التي ليس بالضرورة أن تجدها في كتاب فمثلا عندما أردت الكتابة عن أسر الكاظمية قصدت الأمهات و الجدات ) .
و هذا ما أكد أبو عبدالله نفسه أنه كان يعيش حياة نهارية في الغالب لتناسب جلسات الآباء الذين يتردد عليهم ، كالمرحوم الحاج محمد حسين القطان ( بو إبراهيم ) و الذي كان مستودعا للحياة الاجتماعية في الأحساء .
حفظ مميز و بداهة نابهة :
أما خزانة محفوظاته الشعرية و سرعة استشهاداته فمثيرة للدهشة من ذلك أنه في زيارة له لجدة حضر اثنينية رجل الأعمال الأديب عبدالمقصود خوجة لاول و لاحظ أنه يمسك بعصا فبادأه بأكثر من عشرين شاهدا شعريا عن حمل العصا ! أثارت استغرابه فأهداه مجموعة إصدارات الاثنينية .
موقف طريف :
و لأنه صديق الكتاب فقد كان يشده علاقات واسعة بالكثير بالوراقين في كربلاء و بغداد و القاهرة و دمشق و بيروت .
من القصص التي حدثت له هو أنه حضر في كربلاء مزادا مع وراق صديق له و جاءت النوبة على المزايدة على كتاب ( بغداد شذرات من ذكريات ) فأسر للوراق أن :
نفلش لك المزاد ؟
فسأل الدلال : الورقات كذا و كذا موجودة لو منزوعة !؟
فأجاب الدلال : لا منزوعة ! فتفرق المشترون الذين كانوا يريدون مشاهدة تلك الصفحات المنزوعة .
و هذا يدل على سعة ذاكرته فيما تحويه الكتب .
في معارض الكتاب :
و عندما يزور معارض الكتاب كان يحرص على حضور الفعاليات المصاحبة ليلتقي بالكتاب و المثقفين و قال لي عدة مرات ( هؤلاء هم الكتب التي تمشي ! إن جزء من فهمك للكتاب معرفتك بالكاتب ؛ و ربما تنصدم كثيرا بعدم مطابقة ما يكتب بحياة الكاتب او الشاعر و ما يكتب و أيضا هم يفتحون لك آفاقا في المعرفة و العلاقات ! )
مع الشيخ صالح السلطان رحمه الله :
العلامة الشيخ صالح السلطان يعد رمزا من رموز الأصالة و التي تميل بشكل جاد للتمسك لحذافير ما كان عليه السلف من ظاهر الملبس حتى نخاع الاعتقاد ، لكن أبا عبدالله اكتسب وده من خلال الشعر و الأدب و قفشات أبي عبدالله التي ينتقيها و التي كانت في الغالب مرتبطة بقصص ووحكايا و مواقف طريفة ترطب الأجواء .
مع شيخ المؤرخين :
بعد تقاعد أبي عبدالله كان كثيرا ما يضمه في جلسات الضحى في مجلس شيخ المؤرخين و سعادة الدكتور محمد القريني و الخطيب الملا محمد صالح المطر و كانت هذه الجلسات الخاصة بما تحويه من عصارات فوائد و أحاديث ملذة نواة لانتظام جلسة الجمعة لشيخ المؤرخين خاصة مع تكاثر طلبات لقائه من قبل الباحثين و رجال المجتمع .
ذائقته الشعرية :
كان رحمه الله يميل للشعر العمودي الأصيل و يقول هو المحك و إن كان لا يحارب قصيدة التفعيلة أو الشعر الحديث عموما بل يتذوقها خاصة في كتابات روادها كمحمد العلي و نازك الملائكة و السياب و بلند الحيدري .
و مختاراته التي ينتخبها و يلقيها على أصدقائه و في محافلهم ، تنم عن ذائقة رفيعة ، خاصة أنه يميل لانتخاب شواهد من شعر شعراء لم ينصفوا و يؤخذوا مساحة كافية من الضوء كابن الحجاج ، و النامي ،و ابن ابي مليكة و من المعاصرين كمحمود أبو الوفا .
مع أصحاب النظرات السوداء .
كان رحمه الله يشير لصنف من الأدباء خارج الخليج يحملون نظرة ضيقة عن الخليج و أهله و كانهم جماعة من الأعراب سنحت لهم الخيرات في غفلة من القدر ! لذا كان يشير أنه إن صادف نوعا من هذا الصنف فإنه أتعمد إحراجه بل الاستعراض أمامه بما أدخر من أدب ليعرف ( أن في الثياب رجاجيل ، و أن الأدب و الثقافة لا جنسية له ، بل إن كان للسليقة مهد فهي في الجزيرة العربية ، فهو وطن اللغة و رحمها التي خرجت منه )
مع الكتاب السعودي :
و في ذات السياق السابق فإنه في أغلب رحلاته كان يحمل معه آخر النتاجات المطبوعة في الأحساء خصوصا و في الوطن عموما سيما في الشعر و هو اهتمامه الأول ، ليقدمها في رحلاته كبطاقات تعريفية لأسماء كتابها و هذا نوع من الشعور بالمسؤولية تجاه الأدباء .
كما أنه يشير دائما و يقترح على الكتاب إيداع كتبهم للجامعات المحلية و العربية كمواد متاحة للدارسين .
و هي لفتة مهمة .
اعتداده بآرائه :
و مع سماحته مع الجميع إلا أنه في سياق الأدب ناقد لازع ، فإن أعجبته قصيدة فهو يترنم بها و يشيد بها و إن لم تعجبه فهو جريء في نقدها و حتى في قول ( قطها بحر ) لذا كان ينتقد مجازفة بعض المبتدئين في النشر المبكر لنتاجاتهم قبل أن تقوى سواعد قوافيهم
اتصالي الأخير :
في آخر اتصال لي به قبل حوالي ست أيام من وفاته كلمني بعنفوان شديد و بشرني أنه في تحسن ملحوظ لمسته في نبرة صوته ، بخلاف صوته قبل اسبوع سابق حيث كان مثخنا بآلام المرض ، و قال لي ( بعون الله عافيتني تبنى شيئا فشيئا ) و لم أعؤف أنه كان الاتصال الاخير .
جديد الموقع
- 2024-08-02 دار الرحمة توقع مذكرة تعاون مع أمانة الأحساء ومؤسسة إكرام الموتى بالرياض
- 2024-08-02 بذكرك لهجاً على خطى السجاد (ع)
- 2024-08-02 الإكتئاب أثناء الحمل مرتبط بارتفاع هرمون الكورتيزول في شعر الأطفال الدارجين مما قد يسبب مشكلات صحية للطفل
- 2024-08-02 تشخيص أنواع مختلفة من الخرف باستخدام الذكاء الاصطناعي أصبح ممكنًا الآن
- 2024-08-02 استراتيجية جديدة للتعامل مع التوتر العاطفي
- 2024-08-02 التاريخ يشكل مادة خصبة للأدب
- 2024-08-02 سوء إخراج الكتب يؤثر سلبا في تسويقها
- 2024-08-02 25 لوحة ترصد تاريخ الأحساء قبل 100 عام
- 2024-08-02 اشرب من الچـوچـب
- 2024-08-01 نبتة الغاف الأحمر والسعودية الخضراء.