2024/08/29 | 0 | 711
غيض من فيض ومن تاريخ الأحساء الحبيبة
مع كتاب غيض من فيض من ذاكرة المؤرخ الأديب محمد بن حسين الرمضان (أبي سمير) للمؤلف / سلمان بن حسين الحجي، الطبعة الأولى 1441هــ / 2020 م.
جزء من تقديم:
ومن الجدير التنبيه إلى أنه ينبغي تحري الدقة في اختيار الشخصيات وانتقائها بحيث يلزم أن يكونوا ممن يمتلكون ذاكرة قوية، ودقة في نقل الحدث والصورة دون شوائب أو زيادات قد تخل بنقل الحقيقة أو تشوه صورتها. ومن هنا تأتي أهمية اللقاء مع شخصية الرجل العملاق، والأديب البارع، والراوية الكبير، الأستاذ المؤرخ الشاعر محمد بن حسين الشيخ علي الرمضان (أبي سمير)، الذي يعد أحد أبرز الشخصيات الأدبية في تاريخ الأحساء المعاصر، ومن أكثرهم وعياً بالتاريخ وإلماماً به، قضى معظم حياته بين الكتب والغوص في بطونها، شخصية نهمة بالقراءة، تمتلك نظرة ثاقبة للأحداث، وقدرة على التحليل وتفكيك الحدث إلى عناصره، فهو ليس مجرد ناقل للصورة والمعلومة، بل يمتلك القدرة على تصويرها بكل تفاصيلها بدقة، لدرجة أنك تشعر أنه يتكلم عن أمر وقع بالأمس القريب، فتشتم معه عبق الماضي ورائحته، وتسرح بخيالك وتعيش معه التاريخ بكل تفاصيله.
1- الزراعة:
سمعت عن أشخاص كانوا متميزين في الفلاحة، ففي فريق الرقيات 70٪ منهم من المزارعين، وكذلك في فريق الرفعة الشمالية، وفريق الكوت، وفريق النعاثل وخاصة جهة الهدام، وغالبية سكان الهفوف لهم صلة بالفلاحة سواء مكري (الذي يكري نفسه في عمل الزراعة) أو عراب (وهو الذي يشتغل في ملكه أو يضمن بعض المزروعات بيده أو عماله)، فالفلاحة هي أهم حرفة في الأحساء، لكن تراجعت فيما بعد ولذلك أسباب كثيرة.
2- المقايضة :
في مسألة التمر والفلاحة يوجد نوعان في بيع التمر: فنوع يباع بعد صرامه، ونوع يباع وهو معلق على النخلة، وتوجد نكتة تصف هذين النوعين من البيع، أن شخصاً مشى مع آخر فرأى جنازة محمولة، قال: هذا ميت أو حي؟ ثم مر على نخيل (والنخيل متمرة) فسأل: هذا مأكول أو لم يؤكل؟ والمأكول يعني مباع وهو معلق، فقد يضطر المزارع ليبيع التمر وهو معلق.
3-الجهاد:
يحتاج الناس إلى الحاكم لأمنهم ومنع التجاوزات فيما بينهم، ويحمي أموالهم وأعراضهم ودماءهم، لذا يقال عبارة أو مثل: (من أخذ أمنا صار عمنا) والأم يقصد بها البلد، ويكنى بها الحاكم، ولكن أهل الأحساء يشترطون على الحاكم ألا يطالبهم بالمشاركة في حروبه، مقابل أن يدفعوا له شيئاً يسمونه: (نوباً) فكأنما ينوب عنه، أو ينوب من يدافع عنه بالمال ويحميه. النوب يعبر عنه بـ (ضريبة جهاد)، وورد في الحديث عن رسول الله (ص) أنه قال: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا» ولكن رجال الدولة سموها: (ضريبة جهاد) كأنما الدولة تجاهد في سبيل الله وتحتاج إلى معونة من شعبها وبما أن أهل الأحساء لا يرغبون بخوض الحروب، فإنهم يوافقون على تسليم ضريبة الجهاد، وهذه استمرت حتى عام 1356هـ، ثم اختفت لتحسن الوضع الاقتصادي بعد اكتشاف النفط.
4-أسباب الهجرة:
تراجع الاقتصاد في الأحساء، وكانت ضريبة الجهاد لا تتجاوز خمسة ريالات، ولكن الكثير لا يتمكن من دفعها، بسبب سوء وضعهم الاقتصادي فترك البلد الكثير من الفلاحين بسبب تلك الضريبة، والواقع الذي عرفته في العهود المتأخرة من سنة 1340 إلى 1355 هـ أن هناك تراجعاً في اقتصاد الأحساء، خاصة الصنائع مثلاً الحدادة - الصفارة - الحياكة و..... الأحساء سابقاً كانت محركة للاقتصاد بتلك المهن، وكانت متوارثة قبل الإسلام من مئات السنوات، ولقد وجدتُ في السيرة النبوية أنه عندما زار وفد من أهل الأحساء المدينة المنورة، ومقابلة رسول الله (ص) يقال : إن النبي (ص) سأل أحد أفراد الوفد، ما هي المروءة عندكم؟ فأجاب الحرفة والعفة، فالحرفة هي المهنة ينفق منها على نفسه وعائلته، ويكف نفسه عن السؤال، فكان الأحسائيون لا يرون العمل المهني معيباً، بل يرونه مقدساً، والمثل العامي يقول: «شيل الثرى على الرأس ولا العوزات للناس» فأهل الأحساء كانوا يعتمدون على الحرف.وفي أوائل القرن الرابع عشر غزت البلاد المصنوعات الأجنبية، فقضت على كثير من الحرف، كما أنني رأيتُ بعض أصحاب الحرف من الأحساء والبحرين كالصفارين يصنعون الملاعق والصواني والجدور (القدور) ولكن بعد سنة 1355 - 1356 هــ أصبح من يعمل في الصفارة - وهم ليس بالقليل يصلحون ما يحتاج للصيانة من تلك المواد، ولا يصنعون جديداً، بسبب عدم القدرة على منافسة الصناعات المستوردة، كذلك الأنسجة من الملابس النسائية، وأردية الزفاف التي تلبس في الزواج، فقد كانوا يصنعونها، ولكن فيما بعد كانت تستورد، وكان آخر من صنعها شخص من فريق النعاثل الجبلي من سادة السويج ولم يصنع أحد من بعده. أما في البحرين فلقد استمرت الصناعة لأن النساء يلبسن الأردية ويسمونها (برد) وهو ما يصفه الشاعر الجاهلي النابغة الذبياني:
تلوث بعد افتضال البرد مئزرها لوثاً على مثل دعص الرملة الهاري
وكلمة (تلوث) تحولت في اللهجة العامية إلى (تلوت) أي تدير الثوب وتلفه. كذلك مهنة الخزف، فبعد ما كانوا يبردون الماء في الجرار، تم الاستغناء عنه، وحل بديلاً لها البرادات، فماتت مهنة الفخار، كذلك مهنة الحدادة حيث كانت مصنوعات الحديد تصنع في البلد، والآن المسامير وغيرها، كلها مستوردة، كذلك كانت الأخشاب في السابق تؤخذ من أشجار البلد، حيث تستعمل للأبواب، يقصها النجار ويأخذها لعمل منتجاته، ولم أشاهد سابقاً في الأحساء استيراد الخشب، لكن في البحرين شاهدت ذلك من أجل استخدام الخشب لصناعة السفن.
5- النواطير:
سنة 1355هـ انتشرت إشاعة أن هناك من يتعدى على البيوت ويطلق عليه حرامي قد يهم بسرقة المال والممتلكات، وقد يهدف إلى الاعتداء على الأعراض، فكثر ذلك الحديث إلى أن وصل ذلك لأمير الأحساء، فسمح لهم أن يكون في كل محلة (نواطير) فاتفق أهل الفريق على تحديد (منطر أو ناطور) يقف في موقع معين، وبالتناوب بينهم لمنع السرقة، إلا أن كثيراً من الأغنياء كان يدفع مبلغاً من المال لبعض الفقراء، وينيب عنه في النطارة، وأتذكر أنه في سنة 1356 هـ عثروا على لص في فريق الرقيات، ويقال عنه: ابن العليمي واعتقل وتعرض للضرب، وسلموه فيما بعد للإمارة، وسموها تلك السنة بسنة العليمي وتسمى آخر نطارة. أما دور الإمارة فكانت تعين دوريات في سنة 1350 هـ من خدام الأمير يتجولون في الأفرقة (الفرجان) بعدما منعت الدولة الخروج من البيوت عند الساعة (الرابعة غروبي أي بعد غروب الشمس بأربع ساعات)، ومن يتجاوز ذلك من المواطنين يتعرض للمساءلة، ولربما يوقف إلى الصباح ثم يتم استجوابه ويؤخذ عليه تعهد قبل إطلاق سراحه. وكان المؤمنون يأخذون أذناً من الأمير في عشرة محرم حتى يسمح لهم بالتجول بعد (الرابعة غروبي).
6-جلسة المزارعين:
كانت جلسة المزارعين في الرقيات قريبة من مسجد الرقيات، وكذلك في فريق الرفعة الشمالية يوجد موقع للتنسيق مع المزارعين عند ساباط الحايك، ويوجد كذلك في فريق النعاثل عند موقع الهدام، وفي الكوت عند دوازة البدع، حيث يجلس المزارعون بعد صلاة الفجر، ويأتي المزارع أو مالك المزرعة ينسق مع مجموعة من العاملين، ويتفق معهم على الأجرة وطبيعة العمل، ويبقى من يرغب في العمل في تلك المواقع إلى طلوع الشمس، وإذا ما حصل أحدهم على من يطلبه للعمل في الزراعة يخرج يبحث له عن شغل آخر.
7-صيد الجراد:
أهل الأحساء إذا أرادوا وصف سنة بالخير ، قالوا : (سنة الجراد والفقاعة) بسبب أنها أكلة حلوة ولذيذة، وهناك مثل شعبي يقول: (الجراد أكله ما يشبع، وطلابه ما يستحي) إذا حل وقته فرح الأهالي به كدواء، وإن كان يفسد على البعض زرعهم ولكنهم يفرحون به، ويصطادونه ويهدونه لبعضهم البعض، حيث يعتبر ذلك من مظاهر السعادة عندهم، وهناك مثل شعبي يقول: (إذا جاء موسم الجراد وهو في موسم الشتاء كب الدواء) ومعناه أن الجراد يأكل من كل شجرة ويصبح أكله دواء، بعكس الفقاعة إذا حل موسمها (صر الداء)، لأن الفقاعة تسبب عسر الهضم، ولربما تسبب أمراضاً. وللجراد مواقع، ويوجد مختصون لصيده، ويأتي من يبلغ عنه، ويتتبعونه إلى أين يصل، وإذا شاهدوا أرجل الجراد يعني جماعة الجراد، يتحرك معه مئات من الناس يطلعون ويصدون الجراد. وفي عام 1365 هـ وعمري خمس عشرة سنة كان أول مرة أخرج لصيد الجراد، وكان لي خال اسمه محمد بن حسين بو خلف المهنا، وقد كان مولعاً بصيد الجراد وخرجت أكثر من 25 مرة لجهات مختلفة، فاصطدنا من محل يسمى: سليل في الشمال، وكذلك في محاسن، ومن الجنوب عند جبل يسمى: دخنة على خط قطر، وفي جبل يقال له مطيوي ورويضة ولحمة الجراد، وكان يتفنن الأهالي في طبخه، كما كان البدو يطبخونه حيث يشعلون النار على الرمل وإذا حمى الرمل يتم إزاحة الجمر، ثم يبحثون في الرمل الحار ويعملون فجوة كبيرة، ويضعون الجراد فيه، ثم يغطى بالجمر الحار والرمل ويسمى (حنيذ).
8- أساتذة البناء:
لا يوجد مكان مخصص للتنسيق مع عمالة البناء، فلو صار عندك شغل في بيتك لابد أن تذهب من الليل لتتعاقد مع الأستاذ، وهو بدوره يرتب أو يبلغ من مع يسترضيه للعمل معه، وهناك أستاذ وهناك جلاف (اصلها الكلاف من يتكلف العمل هو مساعد الأستاذ يناوله الطين والحصى).
وبعد استعراض الموضوع من الكتاب نلفت عنايتكم
كان أبي ابوعلي حسين عايش اليوسف (رحمه الله) (أستاذ بناي) تاريخ الوفاة: 28/10/1424 هــ كان يعمل في صف الطابوق ويعمل على الخريطة في البناء وكان يشكل على مصمم الخريطة ويضع ملاحظات على المهندس وأكثر من مرة حضرت له ويقر المهندس برأي أبي. ولقد عملت معه في إجازة الصيف ويرأف بحالي يعطيني اعمالا صغيرة مثل: تقريب الاسمنت بالزبيل او الطابوق ويقول: لي اجلس ارتاح وخذ بعض المجلات للقراءة٠ والعامل الآخر مع ابي ينظر إليّ وعلى وجهه الزعل لماذا لا اعمل مثله واستلم مثل أجرته. وكان العمل مع ابي (رحمه الله) متعب جدا حتى تتألم الايادي والاقدام وحساسية الرمل والاسمنت تأخذ أثرها في الأيدي. وكنا ننتظر وقت الاستراحة للفطور بلهفة الذي يتكون من جبن وزن وحلاوة طحينية وخبز عربي وشاي وماء ويبدأ العمل الساعة السادسة ويقدم الفطور في فترة الضحى في حدود التاسعة صباحا والاستراحة الأخرى وقت الظهر للصلاة حيث نفرش كرتونا كبيرا لكن انا مجهز لي سجادة وتربة حسينية ومسبحة وكتيب دعاء مع بعض البسكوت وكلها في كيس خاص بي لوضع المجلات والكتب المنوعة وكأني في رحلة صغيرة. للأسف لا يوجد تصوير ورصد لبعض الذكريات. على العموم البناء يحتاج قوة جسدية وانتباه وتركيز حيث الأخطار المحدقة من عوامل جوية في بيئة العمل من مواد طابوق واسمنت ورمل واستخدام السكله والسلالم والخيط والمساحة الاسفنجية والقبان (الميزان المائي) والمطرقة والمعلقة والزبيل والدوسة وغير ذلك. والعمل في البناء يعرض العامل والأستاذ والمساعدين له تحت الشمس الحارقة الشديدة أو تحت الظل مع الرطوبة. والعمل في المرتفعات وخطر التعرض للسقوط.
وكأن ابي (رحمه الله) يأتي إلى البيت بعد العمل وقد اخذ منه التعب الشديد وأمي تجهز له الحمام وتقول لنا: الآن ابوكم قادم لا أحد يستحم حتى تكون دورات المياه خالية ونحن على المائدة المفروشة بسفرة الخوص جالسين في حلقة ننتظر صحن الرز وما عليه من «إيدام» ونعم الله وخيراته كثيرة والحمد لله. واما يوم الجمعة يوم مقدس وفيه برامج دينية ويحتفى مع العائلة والام تقدم افضل طعام وطبخات مميزة مثل الكبسة والدجاجة المخيطة وفي بطنها البصل والبيض واذا فتح الخيط يشم رائحة الطعام عند الجيران ونحاول ان يكون لدى ابي إجازة ولكن بعض الأيام يطلب منه العمل في بعض البيوت الخاصة ونكون في صراع معه ونطلب منه عدم العمل من اجل الذهاب للمسجد الشرقي والجبلي لتسمع خطبة امام الجماعة ونلبس اجمل الثياب والعطر مع تمشيط الراس والحذاء النظيف والمسبحة في اليد والخاتم في الاصبع والساعة و القلم وكانه عيد الفطر السعيد ونعطى مبلغ بعد الصلاة للذهاب الى البقالة وكأنها جائزة صغيرة للصلاة في المسجد وقراءة القرآن الكريم.
واخيرا العمل الحر يحتاج اهتماما وكما يقال العمل الحر صعب لكنه يوصلك للقمة بعد عمل وجهد ومثابرة. وحرفة في اليد أمان من الفقر.
جديد الموقع
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا