2019/10/20 | 0 | 4477
خط الوعي في النهضة الحسينية
لايقتصر تأثير النهضة الحسينية على تقويم المناسبات لاعاطفيا ولا ثقافيا لأن أفق القيم مطلق من حيث الزمان كما هو مطلق من حيث التأثير فلاينبغي أن يتغلب جانب منه على آخر حتى لو كان الأكثر شعبية والأسهل تأثيراً كما هو الجانب البكائي الأصيل، إنما لايعني عدم أصالة الجوانب الأخرى التي نرتبها عبر ثلاثة خطوط (الوعي - الموقف - الوجدان)
ربما نتناولها بالتعاقب
خط الوعي الحسيني
تعريف الوعي :
يظهر أن مفردة (الوعي) لم تستعمل بالمعنى المعاصر في لغة العرب إنما هناك مفردة مقاربة هي (البصيرة) المألوفة في القرآن والنصوص (وتعيها أذن واعية)، مع أن الوعي مفردة عربية وحاصل المعاجم أن الوعي يعني الحفظ مع الفهم مع النباهة.
- حسب لسان العرب : الوعي الحفظ مع الفهم والقبول .
- حسب المعجم الوسيط : الوعي الفهم وسلامة الإدراك.
الواعي هو الفاهم النبيه. والوعي في الخطاب الديني هو مؤدى ما حث عليه الدين من تعقل.تفكر. تدبر إضافة إلى الحفظ، حفظ التجربة أو الفكرة لا الحفظ اللفظي الشكلي.
يبدو أن الوعي عمل مشترك بين القلب والعقل، توازن بين عقلنة المشاعر وشعرنة العقلانية بذلك يتحقق الوعي بلا جفاف فكري ولا ذوبان عاطفي.
نهضة الوعي
النهضة : في اللغة العربية تستعمل بمعنى مادي كتعبير عن القيام بقوة ثم ارتبطت الكلمة بالحرب والتوثب.
المعنى الاصطلاحي طور مفردة النهضة إلى القيام بالتقدم الاجتماعي والعلمي والثقافي، وتميزت أوقات بعنوان (عصر النهضة) في أوروبا ما قبل القرن ١٧ م وفي شرقنا هذا فترة قصيرة ماقبل القرن ٢٠ ومطلعه تقريباً .
- قال أبوهجر : القضية الحسينية تم التعبير عنها كثيراً بالثورة والعبارة تحديث لمصطلح فقهي قديم هو (الخروج)، وأحياناً عبارة (القيام)
ونميل إلى استخدام (النهضة) لأنها الأقرب إلى إثارة الحركة الاجتماعية الفكرية وهذا ما ينسجم مع قضية الحسين خصوصا مع تجاوز الحدث التاريخي، على أن الحسين ع نفسه عبر بالخروج :
(لم أخرج أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح)
لأننا نقرأ القضية من جهة الوعي الفكري نجد أن عبارة (النهضة) هي أنسب من (الثورة) في هذا السياق وأقرب إلى التأمل.
النهضة الحسينية حتى بالحسابات غير الدينية والمذهبية لاشك أنها أثرت في وعي الأمة، دون أن يمنع ذلك حصار المنع والترهيب والتشويه، هكذا تأثير يتسرب ببطء إنما بعمق وبخفاء إنما بجد، التاريخ يكشف أن من ذلك التأثير سلب القدسية من الخلافة الأموية وانهيار الجناح المؤسس بموت يزيد بعد النهضة بمدة قصيرة أباح خلالها المدينة المنورة وهتك مكة بهدم الكعبة، فأنتج ذلك ثقافة نقدية بقيت ممنوعة وتم تأجيل فتح الاجتهاد في نظريات بينها الحكم الإسلامي إلا أن ذلك لم يجتث أصول التجديد الديني النهضوي مع أنه يعتمد على الإهتمام بخط الوعي في هذه النهضة الحسينية وهو صعب المنال للأسف، مع تغليب جانب شعبي أحادي هو الوجداني حيث لم تدخل النهضة في أصول الفقه ولا أصول الفكر ولافقه الحكم بعد وبقي النظام الفكري الميداني داخل نسق الخلافة التاريخية حتى لدى المذهب الناقد الذي همه تعديل نظرية الخلافة التاريخية بتغييرات هامشية شخصانية لاجوهرية نهضوية.
- يبقى التساؤل هنا : هل أثرت النهضة الحسينية في وعي الأمة، بمعنى هل تغير الوعي بعد سنة ٦١ ،
ثم هل أن الوعي الحالي متأثر بالنهضة الحسينية؟
- الجواب قد يأتي في مجال تفصيلي ، إنما نشير فقط إلى أن النهضة الحسينية لم توجه نحو الفتوحات ولا دفاع غزو وإنما توجهت نحو خلل وسط الأمة لذلك هي نهضة محرجة خصوصاً وأن الأمة تعرف منزلة الحسين ع وقربه النسبي والمعنوي من رسول الله ص
لذلك لم يبرز أي نقد للنهضة الحسينية إلا من أصوات شاذة حتى لو رأينا ضعف التفاعل مع النهضة فالمقولة التي أعلنها أبوبكر بن العربي في القواصم مضمونها :
" أن الحسين تجاوز حده فقتل بسيف جده"
مقولة لا يتبناها معظم أهل السنة حتى أتباع الفقه الذي يحرم الخروج وليس بين رؤساء المذاهب الشقيقة من تجرأ على نقد النهضة الحسينية.
نعم هناك ارتباك في الفقه المذاهبي بسبب هذه النهضة وقد نجد الرواد أمثال أبي حنيفة ومالك وابن حنبل أكثر تقدمية من أتباعهم وهذا حال الفكر الإسلامي المذهبي حيوي عند السلف الاجتهادي راكد عند الخلف الاتباعي كما هو في فكرنا الحالي .
أما الجانب الإمامي فلن نرصد هنا درجة تفاعله فكرياً توعوياً مع النهضة بوصف التضعيف إنما هو بالفعل حتى الآن فقهياً وفكريا في حاجة إلى إكمال نقصه وتسديد تعثره عبر الاستنارة بالنهضة الحسينية، لمقاربة النقد للواقعية :
فلنشر إلى عناوين يفكر فيها المؤمن مثل :
عنوان الحرية، عنوان الفقه الإداري، عنوان التغيير، عنوان نقد الفكر السائد، عنوان التردد بين الإصلاح والنهوض .. عناوين لايمكن التفاعل مع النهضة الحسينية عند التغافل عنها.
اتجاهات وعي النهضة
انتجاوز الصواب بالقول أن خط الوعي متغير بحسب تغيرات العصور بينما تلقي النهضة بحسب اتجاهات الوعي لايتغير إلا في الشكل ومن أهم الاتجاهات في فهم النهضة الحسينية :
أ- اتجاه انعزالي :
اتجاه متمثل في المتهربين من النهضة بينهم شخصيات كبيرة في زمنها بين الحجاز والعراق..
بل بين الانعزاليين أشخاص من بني هاشم لاحس لهم ولا خبر إلا من أظهر التعاطف الغامض مثل (عبدالله بن عباس وعبدالله بن جعفر) ! بل هنا شبهة مداهنة أو قل مداراة من هذين الوجيهين المهمين، والإشكال عليهما مرتبط بقلق الوعي مع أننا ربما نلتمس لهما مبررات، أما بقية العبادلة فانحيازهم معروف، ومن نفس الانعزالية مجتمعات اندفعت بعد الفاجعة إلى العبث واللهو فقد تحولت مكة والمدينة إلى مراكز غناء بعد فاجعة كربلاء ، يقصدها المغنون والهواة من البلدان وهذا مظهر محطة انحطاط أو احباط.
ب - اتجاه قبلي :
هناك من استمر يفسر المواجهة بين الحسين ع ويزيد على أنها من محطات التخاصم بين بني هاشم وبني أمية، مع خصم ثالث هو الحزب الزبيري ولهذا الاتجاه أدبيات وشواهد لخصها المقريزي :
عبدشمسٍ قد أضرمت لبني
هاشم حرباً يشيب منها الوليدُ
فابن حربٍ للمصطفى
وابن هندٍ لعليٍ وللحسين يزيد .
بالطبع القبلية مؤثرة تاريخياً إلا أنها ليست الدافع الأساسي للنهضة الحسينية.
ج - اتجاه رسالي :
هذا الاتجاه أهم معالمه أنصار الحسين من المستضعفين والمفارقين لعشائرهم وهم فئات متنوعة مثل (جون العبد. وهب النصراني. حبيب الأسدي الوجيه. زهير بن القين المخالف. أسلم التركي. أنس الكاهلي الصحابي) هؤلاء لهم امتداد اجتماعي لم يستشهد لكنه شهد هذا الوعي وأستدركه لاحقاً بثورات مضطربة للتوابين والمختار والحرة.
تيار الوعي الأدبي
اتجاه الوعي هذا اتجه حتى نحو تصحيح الأدب العربي ليخرجه من العشائرية الساذجة نحو الرسالة.
يؤرخ للشاعر (سليمان بن قتة العدوي) ت ١٢٦ دمشق )
أنه أول من رثى الحسين وروي أنه أول زائر لأضرحة الشهداء بعد أيام الواقعة، الثابت أنه من الأوائل، وأبيات بن قتة رائدة شجية لكنها لم تتجاوز السائد العشائري فهو يتوعد قبيلة قيس ويطلب بالثأر من آل غني ثم يقول :
وإن قتيل الطف من آل هاشمٍ
أذل رقاباً من (قريشٍ) فذلتِ
بعد مدة اعترضه عبدالله بن الحسن المثنى قائلا :
ويحك ألا قلت :
أذل رقاب (المسلمين) فذلتِ ؟
بالطبع كان الرثاء الحسيني لابن قتة خطراً أشبه بعملية فدائية حينها لكنه بالخروج من القبيلة إلى الرسالة يصبح أخطر وأهم، أدرك الناقد عبدالله بن الحسن ذلك بثقافته الذكية الرافضة للقيد القرشي القبلي وإن لم يستوعب تجنب التقليدية شعراء متأخرون مثل حيدر الحلي الناطق بلسان بيئة عشائرية ولولا ثقافته المقيدة لضاهى رواد التحديث الأدبي أمثال البارودي وحافظ وشوقي..
خاتمة: قلق الوعي
الآن بعد ( مساء الثلاثاء ١٥ أكتوبر ٢٠١٩ قبل الأربعينية ب٥ أيام) أثناء تبييض هذا المقال اتصل صديق أجبته دون أن يسأل : منشغل بمقال انتهى وما مريّحني ؟
لماذا ؟ الجواب : هنا قلق على خط الوعي الحسيني، جانب محير هو أن الوعي لايتم بالتثقيف فقد تجنب المقال : الوعي الروحي عبر طاقة الشهادة، حيث ينهض الوعي العميق في تنبيه العقل وتصفية الرؤية فاليقظة ممر للنهضة وتضحية الشهداء أسرع من الفكر النظري في تحقيق الوعي.
الحيرة هنا ناتجة عن حذر الوقوع في الانفعالية أو الإنشائية وربما من سلبيات المحاولة الفكرية (التبارد) لإثبات مقاربة الموضوعية وتجنب الذاتية، فمنذ البداية خطر سؤال مخبوء : هل يمكن تناول خط الوعي للنهضة الحسينية دون خطابيات وإنشائيات؟ أي هل يمكن بيان خط الوعي بما يناسب واقعية النهضة الحسينية وتاريخيتها بعيداً عن الأدلجة المتأخرة بل بعيداً عن محاصرتها بالمذهبية ولا أقول الطائفية، لا أعرف لماذا تذكرت الآن كتاب (مقاتل الطالبيين)؟ ربما حاولت كتابة المقال بنفس قلم أبي الفرج، بعيداً عن برودة ابن كثير وعن سخونة الأقلام الحركية، وعن كلامية الشريف المرتضى و سردية الدربندي بل والصحافة والمنابر ..
مع الاحترام لمعظم المحاولات إلا أنني عاجز حاليا عن تدوين الطموح كما أنني لم أجد هذا الطموح في المؤلفات التي طالعتها، ربما لأن باب هذه النهضة الواعية الموعية يبقى مشرعاً للتفقه للتفكر للتأمل واعتبار أن النهضة الحسينية مدرسة فإن من أساسيات المدرسة استيعاب الآراء والشروح المتنوعة بحوار يليق برقي الدراسات الرصينة .
جديد الموقع
- 2024-11-24 التفوق العلمي طريق الى التقدم والازدهار
- 2024-11-24 قافية أيوب الأخرس
- 2024-11-24 البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل
- 2024-11-23 جمعية الكشافة تُشارك في الاحتفاء باليوم العالمي للجودة
- 2024-11-23 العرابي يتوّج في الاحساء بطلاً للجولة الثالثة والأخيرة لمنافسات بطولة السعودية تويوتا الدرفت 2024
- 2024-11-23 الفتح يتصدر ترتيب الأندية في الدوري المشترك للبلياردو
- 2024-11-23 ذاكرة القلم عن ملتقى الفريج الشمالي
- 2024-11-23 الأدلجة السلوكية
- 2024-11-23 في يومين : الأدباء الشباب في ضيافة ابن المقرب
- 2024-11-23 أفراح الملفي و الفليو تهانينا