تأثير اللمس في القراءة

لا يمكن أن تكون القراءة مقتصرة على الجانب الذهني وقدرة العقل على استيعاب مفرداتها وأسرارها فحسب، بل هي قضية تكاملية، تجتمع فيها حواس الإنسان الخمس مع ذهنه حتى يتكامل استيعابه لما يقرأ بشكل أفضل. كلنا يعلم أهمية النظر والتفكر والسمع في عملية الاستيعاب، لكن هل لحاسة اللمس أهمية في ذلك؟

هذا ما أشارت إليه بعض الدراسات التي تحدثت عن أهمية اللمس- وتحديدًا لمس القارئ للكتاب الورقي- في مستوى الاستيعاب. وهو أمر مهم جدًّا كما نعلم فيما سوى القراءة، حيث إنها تعطي الكلمات أبعادًا هندسية، وهو سر كونها تولد لدينا ذكريات تفصيلية حول ما نلمسه يصعب نسيانها، وهو السر وراء ما قاله أرسطو عنها منذ آلاف السنين أنها أول وأبسط الحواس، وأنها أول حاسة نبدأ بها التعرف على العالم؛ ويعود ذلك إلى أنها تساعدنا على التعرف على ما حولنا وجمع معلومات عنها، ونتيجة ذلك نتخذ قراراتنا اليومية.

وكان أول استخدام لليد (حاسة اللمس) في القراءة في نظام برايل عام 1824، عبر لويس برايل، وقيل إنه استلهمه من نابليون الذي أراد نظامًا يمكن الجنود من القراءة في الظلام.

إن من المنطقي جدًّا أن نعد إضافة حاسة جديدة إلى حواسنا الأربع التي نستخدمها في القراءة هي إضافة لمساحة استيعابنا لما نقرأ. فقُرّاء الكتاب الرقمي يستخدمون حاسة البصر بشكل أساس، ومعها الحواس الأخرى كالسمع، ولا يستخدمون حاسة اللمس مباشرة في قراءة المادة المقروءة، بل لمجرد فتح الكتاب الرقمي وتقليب الصفحات. لكن قراء الورقي يلمسون الكتاب ويتحسسون حروفه، وقد يطبعون بصماتهم على صفحاته بما تبقى عليها من آثار أنشطتهم اليومية، وقد يكتبون عليها أو يضعون خطوطًا تحتها. كل هذه الأمور تحصل بشكل تماس مباشر مع الأوراق والصفحات، بخلاف الصفحات الرقمية التي لا يشعر معها القارئ بتماس مباشر حين يمكن للقارئ مثلًا وضع علامات على بعض المواقع في الصفحات لكنه يستطيع أن يمحوها بنقرة زر. ويضعف من شعور ملامسة الصفحات في الرقمي بشكل مباشر أن الشاشة هي نفسها لا تتغير مع تغير صفحات الكتاب، وهو ما يضعف من الشعور بالارتباط بها، خلاف ما يحدث بعمق كبير في الورقي.

وهكذا تتضافر الحواس المذكورة، مضافًا إليها حاسة الشم من بعض مواد تصنيع الكتب (الورق والصمغ والخيوط وبعض المواد الأخرى)، التي تتفاعل مع الحرارة والضوء، ومع ما قد يُطبع على صفحات الكتب من مواد كنقاط الشاي والقهوة أو أي مأكولات أخرى، لتشكل تجربة فريدة في القراءة لا توجد في الرقمي بنفس المستوى.