2023/09/07 | 0 | 1615
الوعي الجمالي وحفظ التراث.
اليمامة
مثل الاستشراق في موجته الثالثة – الأولى إبان الغزو الصليبي، والثانية في الفترة الكولونيالية - ظاهرة ثقافية هامة انتجت العديد من الدراسات الجادة وكشفت عن الكثير من المخطوطات وتوفيرها للباحثين المهتمين بالتراث الثقافي والأدبي لمشرقنا العربي وعالمنا الإسلامي. فهذا الاهتمام الكبير باللقى والمحفورات بجانب الكتب، نبهت المؤسسات الثقافية إلى أهمية تلك الكنوز من تراث الأمة والحرص على استكمال ما بدأه خبراء الاستشراق.
فعندما كنت أتصفح قبل سنوات كتاب الخبير وباحث اللغات الآرامية والعربية السويسري ألبرت سوسين عن الشعر النبطي للجزيرة العربية في القرن التاسع عشر، وقتها شعرت بغصة وألم لم يتلاشى أثرهما بعد. فتراثنا المادي والفني لم نحسن التعامل معه بروح المسؤولية؛ حتى يأتي من أقصى الغرب رجل يجمعه ويدونه، ثم يتيحه في بلده كمادة ثرية للدارسين والباحثين.
قد نعذر أجدادنا وقت جمع الباحث السويسري لمادته الأدبية (توفي عام ١٨٨٩م)، لعدم تمكنهم من تدوينها؛ باعتبارها مادة شعبية لا تستطيع في زمن الندرة - الكُتاب والورق - أن تزاحم المواد الدينية والشعر الفصيح في أولوية التدوين. إنما، وفي زمننا الحاضر الذي ينفتح على الثقافة والآداب والفنون برؤية استرشادية منبثقة من الرؤية الشاملة لسمو ولي العهد ٢٠٣٠، والتي على أثرها انطلقت وزارة الثقافة في حركة غير مسبوقة ونوعية في مشهدنا الثقافي للاهتمام بكافة أنواع التراث لحفظه وإبرازه، فهي الفرصة الحقيقية والذهبية للحاق بما تبقى منه والحفاظ عليه.
وما دعاني للكتابة، هو مادة مرئية مرسلة من قبل الشاعر والأستاذ عبد الله الصيخان، على شكل تقريع مبطن ومساءلة عن دور المهتمين بالتراث ومسؤولياتهم الوطنية والفنية بالمساهمة للحفاظ على التراث. فتلك المادة المرئية كانت عبارة عن لقاء عابر من أحد هواة السوشيال ميديا عندما أجرى حوارا مع أحد البائعين في سوق شعبي يعرض فيه مقتنياته التراثية للبيع، والمفاجأة التي تدهش المشاهد هو وعيه الفني والتراثي بقيمة ما يعرضه، وأيضاً لحرصه في طريقة حفظه لتلك المقتنيات (اسطوانات موسيقية قديمة) وإن كانت طريقته بدائية. البائع ومتذوق الفن كان في سبيل توصيفه للكنوز التراثية التي بحوزته، وأن أحد المهتمين “الألمان” زاره للتفاوض معه لشراء إحدى اسطوانات الفنان الراحل عيسى الإحسائي!؟
فقدوم المهتم الألماني هو ما جعلني أستحضر الموقف المؤلم والشعور بالحرج عند مطالعتي لكتاب ألبرت سوسين مع فارق الزمان والإمكانيات.
وزارة الثقافة بأهدافها الرائعة وجهدها الجميل بالحفاظ على التراثين المادي والمعنوي وحتى الصناعي منه، يمكنها أن تستكمل ذلك الجهد وعبر برامج المبادرات للوصول إلى الأسواق الشعبية وأصحاب المتاحف الشخصية الخاصة لاقتناء وشراء النفيس من تلك التراثيات النادرة لإمكانياتها المادية، واقناعهم بأن ذلك أدعى لحفظ التراث وديمومته وإيصاله للأجيال القادمة بطريقة سليمة.
وأيضاً يمكن للوزارة عبر إطلاق المهرجانات التي تحتفي بالشخصيات الأدبية والفنية أن تغتنم تلك الفرصة للملمة تراث الراحلين منهم وإبراز مجهوداتهم.
أختم بإبداء اعجابي بذلك البائع (أبو ردح) الذي يعتز بمقتنياته الفنية وعشقه لها حيث يظن بها على البيع، وأزعم أن تراث الفنان عيسى الإحسائي بات متناثراً في العديد من المدن السعودية ودول الخليج العربي، وكذلك باقي الفنانين الشعبيين الذين يجب أن يحفظ تراثهم لأنه ثروة في عهدتنا يجب دراستها وتفعيل القراءات النقدية عليها، وأيضاً إيصالها إلى الأجيال القادمة.
جديد الموقع
- 2024-11-18 مؤشرات حيوية على شيخوخة الدماغ: دراسة وصل متوسط مدتها إلى 20 عامًا
- 2024-11-18 نادي الخزامى المعرفي بالجشه يقيم قانون الجذب في التربيه
- 2024-11-17 أنا وأنتِ والنظرة الأخيرة
- 2024-11-17 تحت عنوان (تزهو الفيصلية بفتياتها) نسائي بر الفيصلية ينظم حفلا ترفيهيا للمتفوقات
- 2024-11-17 التأثير القوي لحليب الأم في صحة الرضيع
- 2024-11-16 أنت مثلي مقصر معهم؟
- 2024-11-15 كثير من الأطفال الرضع يتعرضون لاحتمال الاختناق والوفاة بسبب نوم أمهاتهم أثناء الإرضاع
- 2024-11-15 أمي لآخر عمري
- 2024-11-15 الصورة الإيقاعية في ديوان «مشاؤون بأنفاس الغزلان»
- 2024-11-15 عقد قران الشاب / عبدالله بن علي بن يوسف البطيان تهانينا