يقول تعالى: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) (الزخرف

 مقدمة:

حيث كانت حركة الإمام الحسين عليه السلام هي حركة هدفها انتشال الأمة من حالة الجهل والتجهيل التي فرضت عليها إلى أرض الوعي والبصيرة كما ورد في زيارة الأربعين (وبذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة).

 تحدث الخطيب حول محاور صناعة التجهيل في ثلاثة محاور أساسية:

الأول: بيان معنى التجهيل

الثاني: مناشئ التجهيل

الثالث: أساليب التجهيل

 المحور الأول: مفهوم التجهيل

     بين الخطيب مفهوم التجهيل في تعريفين:

الأول: هو ممارسة اجتماعية تأمل على تعطيل العقل وطمس الفكر وإلغاء التفكير ليكون الإنسان فاقداً للرأي والتحليل والنقد.

الثاني: هو استخدام المعرفة الممنهجة في توجيه شريحة من الناس أو شعب بأكمله فيما يخدم هدف جهات هذه الصناعة إما باستبدال حقائق بجهل أو بزيادة على الحقيقة ما ليس فيها أو نقصان من الحقيقة لغرض تشويهها وذلك لتحقيق أهداف صناع التجهيل.

      أكد الخطيب من واقع هذين التعريفين على وجود صناعة حقيقية وإنتاج تقدم للناس اسمها الجهل بل أصبح علماً وفناً له أدراجه وأهدافه ومناهجه تمارس على الناس صناعة التجهيل وإعطائه مغالطات ليتصور أنه يفهم وهو منغرس في الجهل.

     كما أوضح الخطيب بأن صناعة التجهيل موجودة منذ القدم وأن فرعون يعد رمزاً من رموز التجهيل ، يقول تعالى: (فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُۥ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) الزخرف 54. ويتبين من الآية الكريمة أن على القوم مسؤولية حيث وصفهم بالفاسقين لأنهم قبلوا أن ينقادوا إلى فرعون وأن يستخف عقولهم.

     ولفت الخطيب بأن القرآن الكريم يأمرنا بمزيد من التفكر والتأمل بل وعلى التفكير النقدي حتى في الآيات الكريمة، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَاناً) الفرقان 73. وفي هذا المعنى يقول ابن سينا: كُلُّ مَا قَرَعَ سَمْعَكَ مِنَ الغَرَائِبِ فَذَرْهُ فِي‌ بُقْعَةِ الإمكَانِ مَا لَمْ يَذُدْكَ عَنْهُ قَائِمُ البُرْهَانِ.

 المحور الثاني: مناشئ التجهيل

         للتجهيل أسباب وخلفيات منها:

1-الاستعداد النفسي الذاتي للتجهيل: يأتي السبب الأول لأسباب التجهيل هو قبول واستسلام الفرد أو المجتمع أن يمارس عليهم هذا التجهيل كما هو واقع مع قوم فرعون ، فإنهم أرادوا الاعتذار ولكن الله لن يقبل اعتذارهم، يقول تعالى: (رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ ۖ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ) الأعراف 38 .

 2-ارتداء فاعل التجهيل لرداء القداسة: يجعل فاعل التجهيل نفسه مقدساً ليخدع بذلك تقديس الناس لمكانة العباءة ونزاهتها في نفوسهم وهذا ما خدع به فرعون قومه عندما قال في قوله تعال: (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ) النازعات 24. ، وكذلك استخدام صانع التجهيل لمصطلحات الأنبياء والمصلحين في قوله تعالى: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) غافر 29. وفي ذلك أمثلة أخرى كما في خطبة ذلك الرجل في قوله: "ما قاتلتكم لتصلوا ، ولا لتصوموا ، ولا لتحجوا ، ولا لتزكوا ، وقد أعرف إنكم تفعلون ذلك ، ولكن إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم ، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون". وكذلك في أحوال حراس المعبد في قصة نبي الله يوسف عليه السلام حيث كانوا يختلسون أموال الناس بعنوان القداسة.

 3-الإعلام المضلل: بين الخطيب بأن صناع التجهيل يستخدمون وسائل الإعلام في تضليل الناس ونشر الاشاعات والمعلومات الخاطئة ليكون الناس أسرى لهذا الإعلام. كما كان الإعلام الموجه ضد أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك الوقت حيث كان يسب ويلعن على منابر الشام وحين وصل خبر استشهاد الإمام علي عليه السلام في مسجد الكوفة إلى مسامع أهل الشام أحدث صدمة لديهم فسألوا: وهل كان عليّ يصلي؟ّ!. وكذلك الإعلام المضلل في قضية مقتل سيدنا عمار بن ياسر حيث تقتله الفئة الباغية إذ نادى عمر بن العاص: (أيها الناس إن الذي قتل عمار هو علي بن أبي طالب لأنه أتى به إرض المعركة فجعله طعمة لسيوفنا ورماحنا).

 4-ثقافة النفعية: يمارس صناع التجهيل خداع الناس لأغراضهم الخاصة مادية أو من أجل مكانتهم الشخصية أو علاقتهم الخاصة ومناصبهم. ويستشهد الخطيب من شقشقية أميرالمؤمنين: (وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع).

 5-القدوة الفاشلة: شدد الخطيب على أن من أبرز ما يصنع الجهل والتجهيل في المجتمع هو وجود القدوة الفاشلة الفاقد للأهلية ونتيجة ذلك هو الضياع.

 6-البخل بالعلم والتعليم: إن تخلي العلماء والنخب المثقفة والمفكرين عن مسؤولياتهم تجاه المجتمع يؤدي إلى فراغ في الساحة يتم استغلالها من قبل الخرافيين والتجهليين. وحث الخطيب على تحمل المسؤوليات كما وصف القرآن النبي صلى الله عليه وآله في قوله تعالى: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ) التكوير 24. أي أن النبي صلى الله عليه وآله غير بخيل على الناس بتعليمهم ما علَّمه الله، وأنـزل إليه من كتابه. وكذلك ما كان للحسين عليه السلام مجلساً لتعلم الدين.

 7-العقل الجمعي: هو انقياد الإنسان للجماعة بلا وعي، وقد حذر الخطيب من صناعة مثل هذه الجماعة فقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع ينعقون مع كل ناعق). وأن محاولة تسقيط الآخرين واتخاذ الموقف بلا وعي هو من صناع التجهيل.

 المحور الثالث: أساليب التجهيل

     لصناعة التجهيل عدة أساليب أوردها الخطيب بشكل مختصر.

الأول: أسلوب الإلهاء وهو إلهاء الناس عن الفكر والثقافة والوعي وذلك بالفساد والأفلام الجنسية والإعلام والفن الهابط ومتابعة نجوم وبعض مشاهير التفاهة في السوشل ميديا وقضاء الساعات عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وللقضاء على تدمير ثقافة شعب لست مضطراً أن تحرق كتبهم فقط امنعهم من القراءة كما يقول أحد الغربيين.

 الثاني: أسلوب طرح الشبهات: وذلك لضرب ثوابت الدين لتشكيك الناس وإشعارهم بالضياع باسم الثقافة وهذا أسلوب من أساليب التجهيل.

 الثالث: أسلوب تنزيه العدو من التآمر،  فالبعض يصف الناس بالتخلف لعدم الإيمان بنظرية المؤامرة بينما العدو يعتقد هذه النظرية في بلده وهذا العدو يعترف بالتآمر على غيره. وأكد الخطيب بأن القرآن يقر بنظرية المؤامرة في كل زمان في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) آل عمران 118.

 الرابع: أسلوب تبديل القيم وقلب الموازين، حيث يقوم صناع التجهيل وذلك عن عبر الأفلام والمسلسلات والإعلام بطريقة استبدال الحقائق وتصوير الضحية مجرماً والمجرم ضحية وأن ترى المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وتغيير مفاهيم القيم فيسمي الزنا حب والقرآن يقول (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) الإسراء 32، والسخرية من الآخرين يسميه مقلباً أو باسم الكاميرا الخفية مثلاً ، وتسمية التفسخ الأخلاقي بالحرية الشخصية ، كما يأتي بقيمة دينية وتنميطها بشكل سيئ للوصول إلى قناعة بأن هذه القيمة أمر سيئ كمسلسلات لبس الحجاب للمرأة الضعيفة ومقابلها المرأة الغنية وهي سافرة بدون حجاب. وكذلك تصوير جعل بطل أحد الأفلام مثلاً ممارس للرذيلة. وكل هذا من باب الترويج وصناعة التجهيل.

 الخامس: شيطنة المؤمنين والمتدينين، كما في حال فرعون وشيطنته ضد نبي الله موسى عليه السلام يقول تعالى: (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر 26. ، وكذلك مع قوم لوط عليه السلام في قوله تعالى: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) النمل 56.

كما حذر الخطيب من صناع التجهيل في أنهم يستخدمون الدين للتجييش والتحريض ضد المؤمنين والمتدينين أو شخصية علمائية لتسقيطهم كما في قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ) الأنبياء 68.  

 السادس: بث الخوف في قلوب الناس، كتخويف الناس من قراءة بعض الكتب وكذلك خلق أعداء وهميين ليخوف الناس منهم وهذا ما استخدمه بن زياد عندما دخل الكوفة وسيطرته على قصر الإمارة حيث خوف الناس بقدوم جيشاً من يزيد إلى الكوفة للإبتعاد عن مسلم بن عقيل عليه السلام.