2021/10/09 | 0 | 2269
النفاق الشخصي مُنتجٌ اجتماعي..
صحيفة اليوم
نتضايق كثيرا وننفعل عندما يصفنا الآخر بالنفاق ،فحينها تنطلق الدفاعات والمضادات لصد الهجوم الذي وُصفنا به ،وأَلحق بنا الضرر النفسي والخوف من كشف حقيقته ؛فالأشخاص يتحولون إلى مُنافقين من خلال الميل إلى وضع معايير للناس الذين يختلفون معهم أكثر من التي يضعونها لأنفسهم ،ويفشلون في العيش وفقا لما يُؤمنون به من معتقدات ومُثل عليا ،وتصعب عليهم رُؤية التناقضات في سُلوك الأشخاص الذين يتعرفون عليهم من ذوي المكانة الاجتماعية والاقتصادية والدينية والعلمية.
فالنفاق هو حالة من عدم اهتمام العقل بالأمانة بين الواقع الفعلي الذي عليه الفرد والأداء الأفضل والمثالي منه ،حيث يُريد العقل البشري أن يرى نفسه في موضع إيجابي ،ويبرر كل ما يُفكر فيه ويفعله بكل مهارة ويجعله عقلانيا بغض النظر عن تناقضه أو عدم صحته في أصل الاعتقاد وتنفيذ السلوك ومشاهدة الآخرين له.
لقد درج الجميع على ممارسة سُلوكيات مُتناقضة بين الباطن وأصل الاعتقاد بها من عدمه وبين الظاهر وضرورة التحلي بها ،وأصبحت سِمة النفاق الشخصي فيها ضرورة شخصية واجتماعية من خلال خداع النفس وجعل الشيء أكثر عقلانية ؛فشراء هدية في عيد ميلاد أو تجهيز مناسبة زواج أو عزاء أو السفر لمجرد السفر أو الزينة الفائقة في الخروج من المنزل أو التملق في الحديث مع الآخرين أو التصدر في واجهة المشهد الاجتماعي أو مُمارسة مظاهر التدين في اللباس والألفاظ والفعل أو في شراء ما استجد من كماليات أو بتجميل الصورة الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعية ،فهو يندرج تحت مفهوم تقدير الذات والآخرين والترفيه عن النفس ورسم الصوة المثالية عن الشخصية من الظاهر فقط ،وأما في الباطن فسوف يستشعر الفرد النفور والانزعاج من كثرة المشاركات والتبذير في غير موضعه وترك الأولى مقابل الثانوي وتقمص الشخصية الخيالية.
وقد نستغرب من كون النفاق رغبة بشرية طبيعية في فطرتها ،وأنه من أهم القضايا التي تحتاج إلى ضبط ومعيارية بين النفاق المذموم والمنهي عنه ،وبين النفاق الطبيعي الذي لا يُخرج الشخصية عن اتزانها أو الوقوع في انحطاطها ؛فالبيئة الاجتماعية لها دور كبير في زيادة تضخم النفاق الشخصي أو ضبطه واعتداله ،فكُلما كانت المُثل العليا والتربية الدينية والعادات والتقاليد سُلطة مُجتمعية ويراقب الناس بعضهم البعض في تصرفاتهم وسلوكهم ،فعندها سوف ترتفع وتيرة النفاق الشخصي ،وتجعله وسيلة حماية وأمان ووقاية من النقد والتهكم على الشخصية ،والعكس صحيح فالبيئة المنفتحة والمتوازنة والمتعددة والتي لا تفرض منهجا واحدا و لا أداء مشتركا ولا أسلوبا متفردا ،فهي تُضعف من حِدة النفاق الشخصي وتجعل من الأفراد قادرين على إخراج ما في بواطنهم كسلوك وأداء كما هو دون تزييف أو خداع.
إن أكثر ما يُزعجنا من الآخرين نعتهم لنا "بالنفاق" ضِمنا في نفوسهم أو اعلانا في ألفاظهم ،وبدلا من أن نتفرغ للدفاع عن قضية محسومة الوصف ومكروهة اللفظ ،كان الأجدر منا الالتفات إلى نظرتنا لمواقف الحياة اتجاه الآخرين وأنفسنا وممن حولنا أو تحت مسؤوليتنا ،ونخفف عليهم وعلى أنفسنا من وطأة ضغوط المراقبة والتجريح والتوجيه والتوبيخ ،وننشغل بما في داخلنا من رسم الصورة التي نود أن تظهر على شخصياتنا ويرانا الآخرون كما نحن لا كما يفرضون علينا.
جديد الموقع
- 2024-04-19 البدر توقع كتابها سُمُّكِ ترياقي
- 2024-04-19 مكتبات من بشر
- 2024-04-19 المدة والملكية والترجمة وسائل لاستغلال مؤلفي الكتب
- 2024-04-19 أفراح البخيتان بالمطيرفي تهانينا
- 2024-04-18 مكتبات ليست للقراءة فقط
- 2024-04-18 الخميس: رغبتنا صعود لدوري الكبار
- 2024-04-18 "ختام ملتقى موعود مع انطلوجيا القصة القصيرة السعودية"
- 2024-04-18 بر الفيصلية يقيم حفل معايدة لمنسوبيه .
- 2024-04-18 مختارات من الرسائل
- 2024-04-18 الأمير سعود بن طلال يرعى توقيع عقد إنشاء بوابة الأحساء