2021/09/02 | 0 | 2495
محمد الحرز :ينبغي أن نفرّق بين الغموض والإبهام؛ فالأول، سمة أساس ترتبط ارتباطًا وثيًقا بالقصيدة الشعرية الحديثة..!
لولا الشعر لما كنت قد مارست النقد، ففي البدء كان الشعر، ثم جاءت بعده جميع الاهتمامات المعرفية والفلسفية..!
الشاعر والناقد، محمد حسين الحرز، سعودي، من مواليد المحرق 1967 م، يبتعد عن المناطق ذات الألوان الباهتة، بكلمته الجادة والعميقة التي تميز حضوره، وهو أحد الأسماء التي تثري المكتبة العربية بمجموعة من الإصدارات الشعرية، والكتب النقدية. تمدّه الحياة بخبرات جمالية وثقافية وتربوية، وهي الأساس التي تغذّي تجربته في الكتابة، وله الكثير من المشاركات في الأمسيات الشعرية، وهو يتسلح بثقافة أصيلة، وبروح تنتشي بإيقاعها المتفرد. عندما سألته هل حماسته للشعر تتفوق على النقد أم العكس؟ قال: «لولا الشعر لما كنت قد مارست النقد؛ ففي البدء كان الشعر، ثم جاءت بعده جميع الاهتمامات المعرفية والفلسفية. المسألة عندي لا تتعلق بأيهما يتفوق الشعر أم النقد، كثيرا ما أواجَه بمثل هذا السؤال في العديد من اللقاءات. لكن على مدار السنين، التي كنت منشغلا فيها بالمعرفة اطلاعًا وبحثًا وكتابة، كان السؤال الذي يهيمن على ذهني ويسيطر عليه في خضم هذا الجو هو: أين موقع الشعر من كل هذه المعرفة؟ .» الجوبة.. وفي هذا البوح، وبإجاباته التي هي بمثابة البوصلة التي تهدينا للوصول إليه، توثق هذا الحوار الجريء مع الشاعر محمد الحرز.
■ حاوره: عمر بوقاسم
استعادة للزمن..!
¦ الزمان والمكان نافذتان للإجابة على سؤال يتكرر عندما نسأل ضيف الحوار عن بداياته والعوامل التي أثرت في تجربته، طبعًا إلى جانب الموهبة، الناقد والشاعر، محمد الحرز ، ما خصوصية فضاء تجربتك؟
الفضاء مصطلح حديث، تم استعارته من العلوم الإنسانية بعد ترحيله من الخطاب العلمي، وهو عادة ما يوظف لربط الزمن بالمكان، من خال ما ينتجه الإنسان المبدع، من أثر كتابيّ أو سلوكيّ، تشكل بالنهاية خصوصية تجربته. انطلاقا من هذه الفكرة أو زاوية النظر للفضاء، أعتقد أن الزمن عندي في انبثاقاته الأولى للتجربة هو استعادة للزمن الطفولي، وهذه الاستعادة لا تظهر إلا على صورة أمكنة مأسطرة، لا يجمعها رابط سوى الحنين الذي يرج زجاجة المخيلة في صفائها البلوري، الحنين الذي يمضي إلى الماضي بالقدر الذي يمضي فيه إلى المستقبل، وظيفته الأساس التحفيز على الكتابة، وتتبع المعنى على دروب المجاز؛ فالمجموعة الأولى «رجل يشبهني » والثانية «أخف من الريش أعمق من الألم »، ثم الديوان الثالث «أسمال لا تتذكر دم الفريسة »، جميعها تظهر هذا الحافز الذي يفضي بي إلى القصيدة. فالبيت بتفاصيله الدقيقة، الشارع، الحارات، السوق، المسافة داخل هذا الحيز أو ذاك، هي ليست دوافع لاستحضار هذا الزمن الطفولي فقط،
بل هي تحايل عليه كذلك؛ حتى تظل اللحظة الشعرية حاضرة على الدوام، ومشعّة، ولا يمكنها ذلك إلا إذا كانت هذه الأمكنة ترتفع من حالتها الفيزيائية إلى حالتها الأسطورية؛ وحينما أقول الأسطورية، فالمعنى عندي يتحدد من داخل القصيدة وليس من خارجها؛ أي أنه لا يحيل إلى أساطير خارجها، وهذا تميزت به اللغة الشعرية، وبخاصة في هذه الدواوين الثلاثة. لذلك تجد عندي على سبيل المثال «النافذة » حالة شعرية ملهمة بمجرد ما أفكر أنها ثقب مفتوح على آخر، نظل طوال عمرنا نبحث عن معناه، وهكذا في بقية الفضاءات الأخرى دائمًا ما تقترن عندي بنظرة شمولية تتجاوز القصيدة وتتجاوز الكائن نفسه والعالم. طبعًا لا.. حقًا حدثت
تحولات في هذا الفضاء تتوافق وتطور تجربتي من خال ارتيادها مناطق لم أكن أرتادها سابقًا، أو بالأحرى لم ألتفت لها مسبقًا؛ فقصيدة التفاصيل اليومية التي اقترنت بالقصيدة الحديثة، وعلى الخصوص كتاب قصيدة النثر، لم تكن عندي سوى وضع المفردة على خط الزمن، ومن ثم اختبار درجة تحولاتها مجازيًا إذا ما أردنا أن نحكم بناءها في هذه القصيدة أو تلك، وكأن القنديل المضاء في أيدينا هو ذاته، سواء رفعناه في ظام الصحراء، أو ظام البيت، أو داخل كهوف مظلمة، المهم أن يظل قنديلك مشتعلً بالزيت مهما كان المكان الذي يضيئه، وهو ما تفعله بي القصيدة دائمًا.
ظاهرة النمطية..!
ظاهرة التشابه داءٌ عضال شعريا » ما بين القوسين عنوان مقال لك ضمن سلسلة المقالات التي تنشرها كل خميس في صحيفة اليوم السعودية، أنت تتحدث عن ظاهرة النمطية في الكتابة والتي تطفو على سطح وسائل التواصل الاجتماعي الآن، وأشرت أن شعراء الثمانينيات والتسعينيات كان لكل شاعر صوته الذي يميزه. إذًا وسائل التواصل الاجتماعي فضاءات لا تليق بالشعر أم ماذا؟
ينبغي التأكيد
أولً: على أن ظاهرة النمطية التي أشرت لها في سؤالك هي إحدى السمات الكبرى للمجتمعات، التي تعولمت تحتَ ظل التطور التقني والاتصالي والمعلوماتي التي شهدها العالم وتحولاته المابعد حداثي، وقد تناولها مفكرون وفلاسفة كُثر، كلٌ من زاويته واهتمامه، وهي في أبسط صورها أن تتحول حياة البشر في كل مجالاتها من الاختلاف الطبيعي إلى التشابه والتماثل الطبيعي بفعل ما فرضته تأثيرات عولمة كل شيء في حياة الإنسان. ثانيا: ما قصدته بمسألة التشابه لا يتعلق بهذه الظاهرة على الإطلاق؛ فالمسألة لها جانبانالأول منهما، إذا ما وضعناها في سياق وسائل التواصل الاجتماعي، يمكنناهنا أن نقول: أن المسافة الفاصلة بين تجربة شعرية وأخرى في الجيل الحالي انمحت تمامًا بفعل تأثيرات شبكات التواصل الاجتماعي؛ فأصبح منظور الشاعر لنفسه منظورًا أفقًيا وليس رأسيًا، كما في تجارب الأجيال السابقة، وهذا يعني فيما يعنيه أن اللحظة التي تنبثق في ذهن الشاعر فكرة أنه يكتب شعرًا، هناك العشرات مثله من تنبثق في ذهنه ذات الفكرة، فيحدث تواصل أفقي فيما بينها بسرعة لا يمكن تصورها لو قسنا ذلك على الأجيال السابقة؛ فالمسافة عند هذا الجيل لا تتيح له الالتفات ولو قليلً للوراء وتأمل الشعر في سياقه التاريخي، كل شيء عنده يبدأ كبيرًا وينتهي كبيرًا؛ وبالتالي ما نسميهتنميطًا على مستوى المجتمعات كافة، يكون على مستوى الشعر تشابهًا تحت مطرقة شبكات التواصل الاجتماعي. أما جانبها الآخر، الذي هو على صلة وثيقةبالجانب الأول، فهو يتعلق بالقصدية
في القيام بفعل التشابه؛ فالتزامن بين تجارب هذا الجيل، لا يمحي المسافة بينها ولا تأثيراتها فقط، وإنما يفضي في أغلب نتاج هذه التجارب إلى تقاطعات متداخلة فيما بينها؛ سواء على مستوى اللغة الشعرية وتراكيبها أو مستوى الموضوعات وأغراضها، تداخل حتى كأنك تظن أن هذه القصيدة لا يكتبها شخص واحد وإنما أشخاص عديدون في أعمار متقاربة. طبعا ما أقوله يبقى ضمن الملاحظات الأولية التي تحتاج في دعمها وتأكيدها إلى مقاربات متعددة للعديد من التجارب المحلية. ناهيك عن أن هناك بالتأكيد تجارب لأسماء شعرية متميزة شرعت لنفسها مكانة بين هذا الجيل. وإذا كانت هذه الملاحظات تظل ناقصة بسبب عدم وجود تطبيقات عملية عليها، لكنها تسجل أسبقية في الإشارة إليها كبعد تنظيري، لا يمكن إغفال أهميتها كمقدمات لفهم التجربة الشعرية للجيل الحالي.
القصيدة الحديثة، ومن جانبٍ آخر عن قضية الجماهير بوصفها معايرًا يمكن من خلالها وصف هذا الشاعر ناجحًا فيتجربته أم لا. ناهيك عن رأي أدونيس في تجربة نزار وما في هذا الرأي من نظرة سلبية للجماهير. بداية، ينبغي أن نفرّق بين الغموض والإبهام، فالأول سمة أساس ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالقصيدة الشعرية الحديثة، ولا يمكن اعتباره شيئًا سلبيًا يفرض على القصيدة من الخارج، وهذه السمة التي نراها سواء في التراكيب الشعرية ومجازاتها أو في مضامينها وانفتاحها على الكون والعالم والتاريخ والإنسان، ليست سوى نتاج حيرة الشاعر أمام نفسه وتناقضاتها من جهة، وأمام العالم وتناقضاته من جهة أخرى، وهو بين هذا وذاك، لا ينفك يرى من خلال الشعر عظمة الكون وكائناته، ومدى تناهيه أمامهما. حالة الغموض عند الشاعر يشبهها الشاعر الكبير صلاح ستيتية بليل الصحراء المعتم، والشاعر هو الفارس الذي يجوب هذا الليل وقوسه وسهمه بيده؛ فرغم العتمة، إلا إنه لا يخرج من هذا الليل إلا وصيدُه وفيرٌ من طرائد الشعر. بينما الإبهام هو أقرب إلى سؤالك منه إلى الغموض، فالإبهام نتاج ضعف الموهبة، وضعف في الأدوات الفنية، فتأتي القصيدة في أغلب الأحيانمقطوعة الصلة بالقارئ، ولا تتواصل معه حتى في حدودها الدنيا من إشارات أو إيحاءات بعيدة. وفي هذا السياق يحضرني بيتٌ لابن الرومي يهجو فيه شعر البحتري عندما كانا متخاصمين، يقول:
رقُى العقارب، أو هَذْرُ البُناة إذا أضحوا
على شَغَف الجدران في صخب
يشبّه شعره بالذين يكتبون الرقية درءًا للشر والأمراض، أو مثل البنائين الذين يقضون وقتهم بالسوالف وهم يبنون الجدران. لذلك، هذا التفريق يستدعي تفريقًا آخر مهمًّا هو التفريق بين القارئ والجمهور، فالقصيدة دون القارئ لا تعيش، فالقارئ صفة من نسيج الكتابة، بينما الجمهور صفة غريبة على الشعر؛ إلا إذا عْد الشعر حكمًا وأمثالً ومواعظ، كما هو حال الشعر العربي الموروث في أغلبه. وإذا كان أدونيس لا يقبل الشاعر سواء كان نزار أم غيره بوصفه جماهيريًا؛ فهذا في ظني لا يتعارض في كون هذا الشاعر الجماهيري أو ذاك قدم نصوصًا في مسيرة حياته الشعرية منفلتة من الجماهيرية؛ لذلك، صفة الشاعر الجماهيري قد تنطبق على جانب من التجربة وليس كلها، وفي حالة نزار.. أعتقد ركوب تجربته موجة الأغراض الشعرية )السياسة والحب أو الغزل بمعنى أصح( هي ما أضفت هذه الصفة بسبب التحولات السياسية التي طالت الوطن العربي. لكن ليس بعيدًا عنه حالة الشاعر الفرنسي بول إيلوار، فقد كان شاعر الحب والثورة ضد الاحتلال النازي الألماني. بيد أنه لم يتنازل إطلاقًا عن رؤيته العميقة للحب لأجل الثورة، بل ظل ملتزمًا بهما معًا دون أن يُغلِّب جانبًا على آخر؛ في النهاية، صفة الجماهيرية ينبغي أن تقيّد بالنسبية؛ لأن فيها الجانب الموضوعي في عصر الشاعر، وفيها الجانب الذاتي الذي يرتبط بشخصية الشاعر نفسه.
تأثير هؤلاء على تجربتي..!
الشاعر الذي يعجب محمد الحرز علىالمستوى الشعري والفني والفكري، ويحرص على قراءته؟
لا أستطيع أن استخلص من كلمة الإعجاب دلالةً أو معنىً محددًا، ناهيك عن مستوياته المتعددة الواردة في السؤال؛ فإذا كان المقصود بالإعجاب الذي يرتبط في نهاية المطاف بالتأثر، فهناك سلسلة كبيرة من الشعراء الذين كانوا رافدًا في وضع تجربتي على الطريق الإبداعي؛ والمفارقة هنا.. فبقدر الصلة الوثيقة في تأثير هؤلاء على تجربتي، وبقدر وضوحهم كتجارب معروفة من قبيل تجربة مجلة شعر وبالخصوص تراجمها للشعراء الفرنسيين، فإن الوقوف على شاعر معين أو تجربة معينة بما هي أكثر من غيرها في التأثير على تجربتي ينتهي عادة بالفشل! ليس هناك سوى خط عام يمكن الإشارة إليه، وهو مع تميز شعراء قصيدة النثر ونضوج تجاربهم، بل وذهابهم إلى رؤية الشعر من خلال التجريب، قد فتح الباب للارتباط الوثيق بها رؤية وتصويرًا ولغة؛ ومن خال هذا الارتباط عرفنا شعراء كبار كأدونيس، وأنسي الحاج والعزاوي، ومحمد الماغوط، ثم لاحقًا عباس بيضون، وسركون بولص، وبسام حجار وغيرهم. هذا هو الخط العام الذي تنتمي له تجربتي؛ ومن ثم، ما يعجبني هو مدى حضور هؤلاء وقربهم في قصيدتي؛ وإذا ما أردت من كلمة الإعجاب ما يدل على شاعر معين يلازمني ولا استغني عنه في القراءة، ولست متأثرًا به على الإطلاق فهو المتنبي العظيم!
حواجز إسمنتية..
¦ شاعر «ما » له تاريخ في الشعر وأصدر رواية لم يعد شيئا يدعو للتعجب، ماذا عن روائي له تاريخه الروائي ثم أصدر ديوانًا شعريًا، أتساءل لأنني أرى أن موهبة الشعر لها خصوصية؟
تعلمتُ أن خصوصية الشعر لا تعنيبأي حال من الأحوال إقامة حواجز اسمنتية في وجه الروائي أو المسرحي أو الموسيقي أو التشكيلي أو حتى الفلسفي، أو أي صفة يحملها الفرد إذا كانت المخيلة محورَ ما يبدع؛ فبالتالي، كلها روافد تأخذ بعضها من بعض، فهناك سلسلة كبيرة من المبدعين مارسوا أنواعًا مختلفة من الكتابة الإبداعية، فتمثيلً لا حصرًا بورخس وبرخت وأكتوفيوباث؛ وبصرف النظر عن كون ما كتبوه شعرًا أقل أهمية من نصوصهم السردية أو القصصية أو أكثر أهمية، يظل الإبداع المتصل بالمخيلة لا يمكن تفكيكه ووضعه في كنتونات أو وضع معايير أو حدود لهذا النوع الفني أو ذاك. وإذا كان ثمة خصوصية للشعر نأخذها بعين الاعتبار هنا، فهي تكمن في طموح الشعر أن يصل من خال جوهره إلى ملامسة براءة الأشياء في العالم، وهذا لا يتم لو كان الشعر لم يتعالق مع بقية الفنون.
الشكل النهائي لا يمكن رسمه..!
وأنت تكتب النص هل يكون لديك تصور كيف يكون شكل النص أم تتفاجأ بأن الحالة تفرض عليك شكلً أو حتى أفكارًاأو جانبًا فنيًا وتستسلم لهذه الحالة؟
لا يوجد لديّ تصورٌ مسبقٌ للقصيدة، وإلاّ عُدنا إلى وظيفة الأغراض الشعرية في تاريخ القصيدة العربية؛ هي مغامرة فأنت لا تعلم في أيّ أرضٍ تحفر ولا في أيّ سماء تحلق. ما يدفعك في المسير شيئان، هما: خبرتك الروحية، وخرائط اللغة التي في يديك. هناك بعض الشعراء يرى أن ثمة كلمات مفتاحية هي بمثابة حوافز دائمًا ما تدفعه للكتابة، إذا ما تردد صداها في فكرٍة معينةٍ أو موقفٍ حياتيٍّ معين. بالطبع هناك شكل من النصوص الشعرية تكون واعية لاشتغالاتها مثلما النصوص التي تستلهم الأساطير وتوظف فيها الرموز أو الأقنعة وهكذا، عندها يكون الشاعر ذاهبًا إلى قصيدته وفي ذهنه تصورٌ عما سيقوم به. لكن يظل الشكل النهائي لا يمكن رسمه بدقة في ذهن الشاعر على الإطلاق.
تحوّلات التجربة..
الاستهواء أو الحماسة لشاعرٍ ما أو لنوعٍ من الشعر، هل مررتَ بهذا في مرحلة متقدمة والآن اختفى أو ضعف هذا الاستهواء، وما الأسباب؟
لا أعلم ماذا تعنيه بكلمة «الاستهواء .» فإذا كنت تشير إلى التعلق بشاعر ما أو شكلٍ شعريٍّ معين، فأظنّ أن البدايات هي بطريقة ما شكل من أشكال النظر إلى شاعر ما بوصفه مثالً أعلى، وتمثل عالمه الشعري قدر المستطاع والتماهي معه إن أمكن؛ حدث ذلك في بداياتي مع شعراء وليس شاعر فقط؛ كالجواهري، بدوي الجبل، شوقي، الشريف الرضي، كل هؤلاء كانوا رافدًا لي عندما كنت أكتب الشكل العامودي للقصيدة. لاحقًا مع تحولات التجربة كانت هناك روافد متعددة لا يمكن حصرها في توجه معين، فكل مرحلة من مراحل تجربتي هي تمثّلٌ حقيقي لما تحتاجه اللحظة الإبداعية عندي من دوافع وحوافز ومكتسبات معرفية وتجارب روحية، تتراكم زمنيًا وتعطي ثمارها في النص.
الطريقة في التوظيف..!
هل الزمن أم التجربة أم غيرهما من يفرض على الشاعر بأن يتبنى قاموسًا خاصًا،؛ إذ تتكرر كلماتٌ داخل نصوصه بشكل دائم، يحسبها بعضهم ميزة، وهناك من قد يراها تكرارًا لا مبرر له؟
سبق وأن أجبت أن ثمة كلمات مفاتيحية في تجارب بعض الشعراء، يرتبط صداها بدفع الكتابة إلى السطح كلما استثيرت بموقفٍ ما أو حدثٍ ما. لكن هذه الكلمات عند بعض الشعراء يعي أثرها عليه، ويستثمرها في سياقات مجازية يكون لها ارتباط وثيق بتجربته الحياتية كما هو على سبيل المثال بدر شاكر السياب في علاقته بكلمة «الصدى ». لذلك لا يمكن اعتبار تكرار الكلمة في النصوص من عدمها معيارًا للخصوصية في التجربة؛ فالمعوّل بالأساس هو الطريقة في التوظيف، ومن ثم، إضفاء دلالة جديدة على الكلمة تعطي للتجربة مظهرًا مختلفًا، وتكون أيضًا مرتبطةً دلاليًا بالتجربة الحياتية والروحية للشاعر نفسه.
في البدء كان الشعر..!
هل حماستك للشعر تتفوق على النقد أم العكس؟
لولا الشعر لما كنت قد مارست النقد ففي البدء كان الشعر، ثم جاءت بعده جميع الاهتمامات المعرفية والفلسفية. المسألة عندي لا تتعلق بأيهما يتفوق: الشعر أم النقد، كثيرًا ما أواجَه بمثل هذا السؤال في العديد من اللقاءات. لكن على مدار السنين التي كنت منشغلً فيها بالمعرفة إطلاعًا وبحثًا وكتابةً، كان السؤال الذي يهيمن على ذهني ويسيطر عليه في خضم هذا الجو هو: أين موقع الشعر من كل هذه المعرفة؟ الأمر الذي أفسّره وألاحظه على كتابتي أيضا أنني أمشي في الحياة مثل النهر الذي يمشي ويفتح له مصبات عديدة في الاتجاهات. لكنه في النهاية يصب مياهه في البحر الذي هو الشعر في نهاية المطاف.
لتقديس اللحظة الإبداعية..!
لا موعد لكتابة القصيدة، حيث تفاجئ الشاعر، ويجد نفسه محاصرًا بها من كل الجهات ويكتبها، هذا ما يردده بعضهم. محمد الحرز كيف يكتب قصيدته، وهلهناك ارتباطٌ ببداية الكتابة؟
هذه الرؤية إلى كتابة القصيدة التي يرددها البعض ما هي إلا امتداد لتقديس اللحظة الإبداعية مثلما هو تقديس لحظة الوحي، وقد جاء الرومانسيون وأحاطوا هذه اللحظة بصفات روحية، يصعب معها عدّ هذه اللحظة بكامل تفاصيلها لحظة وعيٍ وإدراكٍ وتبصّر؛ ثم جاء الرمزيون لاحقًَا وخلعوا على الشاعر صفات النبوة! وسرت مقولات تقرن فيها الشاعر بالنبوة، وطبيعي والحالة هذه أن يردد بعضهم أن القصيدة تحاصرك في لحظة ثم تكتبك! بالطبع أنا لا أميل إلى هذا التصور، لحظة الكتابة عندي لحظة تفتح الحواس جميعها، كما يقول نيتشه، فأنت لا تتحكم في دوافع كتابة القصيدة بسبب إيقاع الحياة التي ترتبط بذاتك. لكن بمجرد ما تكتمل هذه الدوافع، تكون حواسك قد بدأت تجمع عتادها وقوتها استعدادًا للكتابة، وهذا الأمر يتطلب حضورًا ذهنيًا وفكريًا وروحيًا أيضًا. بالنسبة لي كتابة القصيدة يشبه بناء عمارة من طوابق متعددة، فأنت منذ وضع الأساسات للبناء وأنت تفكر كيف تكمل هذا البناء؟ وكيف تمضي قُدمًا دون عوائق وصعوبات؟ وأنت فيما تفكر وتعمل في ذات الوقت تحتاج إلى الاستغراق في الوقت. في النهاية، بناء العمارة ليس تجميعًا للمواد ورصف بعضها فوق بعض، مثلما القصيدة ليست ومضة عابرة في الذهن ونجلس من ثم لكتابتها، كلاهما عمل مرهق جسديًًا وذهنيًا، والأهم هو استغراقنا في الوقتدّ التماهي.
جديد الموقع
- 2024-03-29 تنمية مهارات التعامل مع الآخرين.
- 2024-03-29 شجنة من نور محمد السبط المجتبى (ع) (في فلك حديث عالم الأنوار)
- 2024-03-29 هموم وتطلعات المرأة السعودية - في المجموعة القصصية « 10 أيام في عين قسيس الإنجيلي » لرجاء البوعلي ..
- 2024-03-28 نادي الباحة الأدبي يناقش (كينونه) كأول تجربة عربية لمسرح الكهف.
- 2024-03-28 البيئة تطلق خدمة الحصاد المجاني للقمح لمساحات 30 هكتارًا
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تطلق مشروع الحديقة المركزية على مساحة 15 ألف متر مربع السعودية الخضراء .. مبادرة تاريخية ملهمة لتحقيق المستقبل الأخضر العالمي
- 2024-03-28 جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل تتصدر المؤشر الوطني للتعليم الرقمي في فئة (الابتكار)
- 2024-03-28 رئيس جمعيــة المتقاعديــن بالمنطقة الشرقية يقدم الشكر والتقدير لرواد ديوانية المتقاعدين
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية تعافي
- 2024-03-28 نائب أمير الشرقية يطلع على برامج جمعية ترابط