2021/06/09 | 0 | 1436
أبو هريرة ليس إماميا ياشيخ إبراهيم (1)
أبو هريرة ليس إماميا ياشيخ إبراهيم !! (1)
عندما تطرح المسائل الخلافية من خلال الأحاديث المذهبية بمعزل عن ثوابت التاريخ يغيب معها في الغالب عنصر البحث المتجرد النزيه لاكتشاف الحقيقة ويسير نحو تطويع النصوص الدينية والقرانية خاصة لخدمة الافكار والعقائد المسبقة، ويتساهل عندها في نقل كل مايؤيد تلك الفكرة أو تلك من خلال الأحاديث التي دونت متأخرة في الغالب من عصر الصدور ، واستعملت فيها ماكينة صنع الحديث ، لحفظ النسيج المذهبي من الحيرة ، والتشرذم فتُتلا عليهم من الاخبار كيفما اتفق مايسلي خواطرهم. هكذا طل علينا سماحة الشيخ إبراهيم البراهيم (حفظه الله ورعاه) مستشهدا بكتاب الامامة والتبصرة من الحيرة في سلسلة اطروحات عقائدية حول الإمامة الالهيه في القرآن الحلقة الثانية، وتحدث في محورين أساسيين هما القرآن والاحاديث و حاول من خلالهما الاستدلال في إثبات منصب خاص أعظم من النبوة وهو منصب (الإمامة) وهو الذي امتد ليصل إلى أهل البيت (عليهم السلام) وبذلك يكون مفهوم الإمامة الالهيه بمفهومه العام مُأصل في القرآن الكريم بدلالة قوله تعالى لنبي الله إبراهيم ( إني جاعلك للناس إماما) ومن خلال مانقله من كتاب كفاية الأثر في النص على الائمة الاثني عشر عن ابي هريرة في اثبات إمامة الاثني عشر من ولد الحسين وغيرها من الأخبار كما سيأتي.
وهنا نطرح بعض التأملات والاستفهامات على ماتفضل به سماحته عسى أن يكون فيه إثارة العقول والمزيد من البحث والتدقيق. وهدفنا من ذلك بيان تعدد الآراء في المسائل العقائدية بين الشيعة أنفسهم من جهة وبين المسلمين بشكل عام وأن طرح تلك المسائل طرح المسلمات على الجمهور خصوصا في القضايا الخلافية والعقائدية وإن كان فيها مافيها من التهافتات والمغالطات والأحاديث المزورة نهج بعيد عن الطرح العلمي.
القسم الأول آية إمامة إبراهيم:
قال تعالى في سياق الحديث عن بيته الحرام في سورة البقرة:
{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ﴿١٢٤﴾ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿١٢٥﴾ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾
ذكر الشيخ إبراهيم أن تلك الاية تشير إلى منصب أعظم من النبوة وهو الإمامة الذي ناله إبراهيم بعد الإختبار والبلاء فقلده وجماعة من ذريته هذا المنصب العظيم. ولكن الشيخ غفل عن عدة إشكالات على هذا الاستدلال في جعل منصب الامامة أعظم من النبوة :
الأول: أن الآيه الشريفة تنص على إمامة ابراهيم للناس ﴿إني جاعلك للناس إماما﴾ وليس (إني جاعلك إماما) ولو ذكرت الآية المعنى الثاني لصح الاستدلال على انتفاء إمامة إبراهيم قبل ذلك وثبت أن معنى الإمامة يغاير معنى النبوة كما يريد إثباته. ولكن الحاصل كما هو ظاهر هو توسيع هذه الإمامة لتشمل جميع الناس.
الثاني: تغافل الشيخ (حفظه الله) عن سياق الآية الكريمة الذي ورد في معرض الحديث عن البيت الحرام وبناء الكعبة مع ولده اسماعيل (وجعل) البيت الحرام مثابة (للناس) وبها يتبين معنى الإمامة الرمزية التي نالها إبراهيم حتى على المسلمين إلى يوم القيامة بأن (يأتموا) خلف مقامه كما في سياق الآيات التي بعدها مباشرة ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى) إلى آخر الآيات في سياق البيت الحرام ومكة المكرمة.
وبها يتضح مفهوم جعل إبراهيم إماما في كونه (عليه السلام) أصبح معلما ورمزا للمسلمين ورمزا للتوحيد وقدوة لجميع الأمم بشكل عام ( إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين) وبعد بناء الكعبه خوطب أن ( وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ).
وقد ذكر الشيخ الطبرسي معنى آخر من توسيع الله لإبراهيم صلاحية إمامته لتشمل القيام بتدبير الأمة وسياستها والحكم بين الناس في عصره بعد ان كانت إمامته مقتصرة على الاقتداء والتأسي.
قال: وقوله: (قال إني جاعلك للناس إماما) معناه: قال الله تعالى: إني جاعلك إماما يقتدى بك في أفعالك وأقوالك لأن المستفاد من لفظ الإمام أمران أحدهما: إنه المقتدى به في أفعاله وأقواله والثاني: إنه الذي يقول بتدبير الأمة وسياستها، والقيام بأمورها، وتأديب جناتها، وتولية ولاتها، وإقامة الحدود على مستحقيها، ومحاربة من يكيدها ويعاديها.
فعلى الوجه الأول لا يكون نبي من الأنبياء إلا وهو إمام. وعلى الوجه الثاني لا يجب في كل نبي أن يكون إماما، إذ يجوز أن لا يكون مأمورا بتأديب الجناة، ومحاربة العداة، والدفاع عن حوزة الدين، ومجاهدة الكافرين.
فلما ابتلى الله سبحانه إبراهيم بالكلمات فأتمهن، جعله إماما للأنام، جزاء له على ذلك، والدليل عليه أن قوله (جاعلك) عمل في قوله (إماما)، واسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي، لا يعمل عمل الفعل، ولو قلت أنا ضارب زيدا أمس لم يجز. فوجب أن يكون المراد أنه جعله إماما، إما في الحال، أو في الاستقبال، والنبوة كانت حاص لة له قبل ذلك).
ثالثا: استفاد الشيخ إبراهيم ( حفظه الله) من آية(إني جاعلك للناس إماما ) على أن منصب الامامة جعلي من الله تعالى.
وماذكره (حفظه الله) صحيح ، إذا اراد به الامامة التي تنطبق به الآية على مايجانسها ويماثلها من مصاديق.
فمصداق الإمامة في الآيات القرآنية المستشهد بها هي في نبي الله إبراهيم (عليه السلام) وهو من الذين عصمهم الله. وفي قوله لاسحاق ويعقوب من الأنبياء (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ (72) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ). وعليه القياس والاستدلال بالقرآن الكريم على مفهوم (الإمامة الجعلية) على غير الأنبياء من دون الروايات لايمكن إثباته وبعبارة أُخرى لايوجد في القرآن ذكر لا من قريب ولا من بعيد ممن امتلك منصب (الإمامة الجعلية) وهو فاقد لمنزلة النبوة حتى يصح الاستدلال بتلك الآيات على أهل البيت الذين هم ليسوا أنبياء.
وقد يطرح على ماذكرنا عدة اشكالات منها (أن المورد لايخصص الوارد) ويعني به المستشكل أن المصداق لايخصص مفهوم الإمامة العام حيث يمكن أن يشمل غير نبي الله إبراهيم. وهو ضعيف ، حيث أننا لم ندعي حصر المصداق في إمامة إبراهيم ليرد الإشكال وإنما يشمل كل من تعنون بعنوان النبوة بشهادة سياق كل الآيات المستدل بها على الإمامة الجعلية في القرآن وبه لايمكن توسيع مفهوم (الإمامة الجعلية) في غير الأنبياء إلا بدليل وهو مفقود داخل الإطار القرآني.
وهل يعني ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) ليسوا أئمة وهداة للأنام ولم يُذكروا في القران كأئمة؟ كلا، وإنما هو نقد لاعتبار منزلة الإمامة مستقلة في القرآن وأعظم من النبوة. وهذا بعيد حسب الظاهر عن الإنصاف وإلا لأفردهم الله تعالى في قوله ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا). ولو كانت منزلة الإمامة لها عنوان مستقل أعظم من النبوة لذكره الله تعالى بوضوح وقال (من الائمة والنبيين والصديقين والشهداء...). وهو المفقود في النص القرآني.
وكما ذكرنا لانريد بذلك نفي إمامة أهل البيت (عليهم السلام) على أنهم قدوة وعلماء أبرار وفقهاء أخيار بعد نبينا الكريم فهم من أوضح مصاديق قوله تعالى مخاطبا عباده ( الَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ).
رابعا: إن كل الأنبياء الذين ذكروا في القرآن كانوا أئمة لأقوامهم بدلالة قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ) بعد تعداد ذكر الأنبياء كما مر. فالإمامة متحققة في الأنبياء قبل تحقق النبوة كما يظهر، فلا معنى لإبراز مكانة للإمامة أعلى من النبوة.
ولو كانت هناك مفاضلة بالإمامة فلماذا أعطيت الإمامة لكل من ذكروا، بينما القرآن صريح في وجود مفاضلة ولكنها ليست بالإمامة.
خامسا: لو كانت الإمامة أعلى من النبوة لوصف الله بها نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإنه أشرف الخلق وأشرف الخلق أولى بأعلى المناصب في حين أننا لم نرَ آية واحدة في حق النبي تقول بجعله إماما كما في إبراهيم بخلاف آياته المتعدده في وصفه بالرسالة والنبوة.
سادسا: معنى الإمامة هي القيادة، سواء أكانت في الدين أو في السياسة وهي متحققة في الأنبياء بالنبوة سواء أعطوا الإمامة كعنوان أم لا، وعليه فلا مزية من المغايرة في الألفاظ، إلا إذا كان للإمامة معنى آخر.
سابعا: أن الأنبياء بعثوا برسالتهم من الله مباشرة للناس، وأئمتنا الأطهار (عليهم السلام) إنما كانوا مرشدين لرسالة النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ولم يأتوا بشيء لم يأتي به النبي وما يحصلون عليه من علم فالنبي مصدره ومنبعه ، فالأئمة لم يحصلوا على مرتبة من العلم ولا من الاتصال مع الله تفوق الأنبياء سواء أكان أئمة أم لا.
إذا عرفت ذلك من أن القرآن لم يذكر الإمامة بمفهومها المذهبي في القرآن الكريم فلا يبقى أمامنا إلا النظر في الروايات التي استدل بها سماحة الشيخ إبراهيم (حفظه الله) لإثبات تلك الإمامة التي جعل لها الشيخ مرتبة تفوق مرتبة النبوة والرسالة ومنها خبر ابوهريرة !!
وللحديث تتمة...
جديد الموقع
- 2024-03-28 شراكة مجتمعية بين مؤسسة رضا الوقفية و جمعية ذوي الإعاقة بالأحساء،
- 2024-03-27 ضرر الخلافات الزوجية على الأطفال يقل لو تعامل معها الأب بطريقة بناءة
- 2024-03-27 عدد المفردات المنطوقة والمفهومة في مرحلة الطفولة المبكرة مرتبطة جينيًا باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة والقدرة على القراءة والكتابة والذكاء العام
- 2024-03-27 ق . ق .ج
- 2024-03-27 للنمل مركز اتصالات متخصص لا يوجد في الحشرات الاجتماعية الأخرى
- 2024-03-26 المطيرفي كعادتها تحتفي بالقرقيعان
- 2024-03-26 بستان قصر تاروت ( التراث ، الفن ، الجمال ، الأصالة )
- 2024-03-26 نون وقبل التيه يتألقان في المكتبة المركزية بالرميلة
- 2024-03-26 محمد الحرز: أُمّي دربتني لأكون مساعد طباخ لزوجتي
- 2024-03-26 من الملامح الصوتية في اللهجة الأحسائية(هاء الوقف بعد ياء المتكلم) *