2023/11/20 | 0 | 1531
هم أنفسنا وأرواحنا
كائنات حية صغيرة جميلة تعيش بين ظهرانينا، تحبنا، ونحبها حباً جماً، امتحننا الله بها، فأنعمنا وأكرمنا بها، لا تستغني عنا، ولا نستغني عنها، بهم تحلو حياتنا وتتجمل، نعيش معهم ولا نعيش لأجلهم. وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة العشرين من نوفمبر يوماً عالمياً للتوعية بحقوق الأطفال.
هم أطفالنا، أولادنا، أبناؤنا، فلذات أكبادنا تمشي على الأرض، يطول الكلام عنهم ويتشعب، فالحديث عنهم سهل ممتنع ذو شجون.
هم هبة الله التي وهبنا إياها، وهديته التي يتمناها كل عقيم محروم، ويبذل من أجلها الغالي والنفيس والرخيص لكنه جل جلاله" يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور".
هم البشرى التي بشرنا الله بها: " وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق...". ففي الجاهلية كانوا يبشرون أنفسهم بالذكورخاصة، "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون"! فلا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات.
هم قواعد بيوتنا السعيدة الحقيقية، وأطناب خيامنا وأوتادها، بدونهم تصبح بيوتنا خاوية على عروشها بلا لون أو طعم أو رائحة تنهدم بمشكلات جمة تافهة، أو بطلاق بائن، وهم السلاح الأقوى من أسلحة الدمار الشامل الذي قد يشهره أحد الزوجين ضد الآخر لكسب حضانتهم أو تدمير شريكه!
هم مشاريعنا المستقبلية التي نواصل بناءها ليل نهار مجتهدين بتأمين ما يحتاجونه من رعاية واهتمام.
هم زينة الحياة الدنيا وبهجتها، فالمال والبنون زينة الحياة الدنيا، بهم تزين حياتنا، وبدونهم تكون أكثر سوءاً ومللاً وضجراً لا نستطيع أن نخفيه، ولو حرصنا.
هم من أجلِّ النعم التي يرزقنا الله بها، فالبنات حسنات نثاب عليهن، والبنون نعم نسأل عنها.
هم رياحين نشمها متى اشتقنا لقلوب بريئة صادقة، وشم عطور زكية، وزهور ذات روائح عبقة، تذكرنا بوصف الرسول(ص) لسبطيه الحسن والحسين (ع): "هما ريحانتاي من الدنيا".
هم مدرستنا التي نتعلم فيها، فبسببهم نتعلم ونقوم طرق تربيتنا ونهذب أخلاقنا، فنتعلم حين نربيهم الحلم والرفق والصبر والحب والصدق والحنان وتجنب أضدادها.
هم شمسنا التي تمدنا بالضوء والحرارة، وقمرنا الذي ينير ليالينا الداجية حين نتسامر معهم، فينامون في أحضاننا هانئين.
هم قوتنا في ضعفنا، وسندنا إذا وهن العظم منا واشتعل الرأس شيباً، بهم نأوي إلى ركن شديد.
هم الأنيس والونيس لنا إذا أظلمت علينا الدنيا في الليل البهيم.
هم فلذات أكبادنا تمشي على الأرض، جزء منا، بضعة منا، دمانا التي تجري في عروقنا، امتدادنا الوجودي، يحملون أسماءنا، ونكنى بهم، ونسعد حين يقول الآخرون أنهم أبناؤنا وبعد موتنا نخلد بأسمائهم، ونُذكر بهم، فالذكر للإنسان عمر ثاني.
هم أوقاتنا السعيدة وألعابنا المسلية، نلاعبهم فنصرخ بملء أفواهنا كأننا في ملعب نشجع فيه نادينا المفضل، فنتذكر طفولتنا بكل ألعابها الجميلة، ففي كل واحد منا طفل خفي نائم يستيقظ حين يدخل عالم الأطفال. روي عن السيد المسيح (ع) أنه قال: " إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت الله".
هم الفتنة التي نخشاها وحذرنا الله منها بقوله: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة...". وهم العدو الذي نبهنا الله إلى الانتباه إليه بقوله: " إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم...".
هم معاركنا وحروبنا اليومية التي لا إسالة فيها لدماء، ولا إطلاق فيها لصواريخ تكسر العظام، بل معارك وحروب يتقدمها الحب والسلام، ندعو الرحمن أن نخرج منها منتصرين ليس حباً في الانتصار عليهم، بل حباً لهم وصلاحاً لحياتهم.
هم أفراحنا وأحزاننا، نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم، بهم تتلون حياتنا بالجمال، والألوان، والحب، والصدق، والخير والأمل.
هم فصولنا الأربعة، دفء شتائنا ومطره، وربيع أيامنا وتفتح أزهاره، وحرارة صيف أجسامنا وقلوبنا حين تشتاق للقائهم، وخريف حبنا حين نراهم تتساقط أوراق مللنا وطفشنا.
هم رأس مالنا واستثمارنا الحقيقي، ومال من لا مال له، بل هم ذواتنا، نراها فيهم بحركاتهم ولعبهم، وجدهم وهزلهم وقسمات وجوههم.
هم شكوانا الدائمة التي نتضجر منها، فنحمل همهم في النهار الأليم والليل البهيم، فيشغلون تفكيرنا آناء الليل وأطراف النهار وقد نمرض بسببهم!
هم ذكرياتنا وإنجازاتنا التي نتغنى بها، وأحلامنا التي نسعى لتحقيقها من خلالهم، وهم الوحيدون الذين نتمنى أن يتفوقوا علينا في الدين والأخلاق، والعلم، وغيرها؛ لأنهم حاضرنا الذي نعمل فيه، ومستقبلنا الذي نسعى للوصول إليه في ظل رؤية إنشاء جيل صالح، ووطن آمن، ومجتمع حيوي.
هم أحبابنا، أحباب الله، والأمانة التي أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها فحملناها بحب ورضى، إن كبروا حاسبنا الله عليها، وإن ماتوا صغاراً شفعوا لنا في آخرتنا. لهم حقوق أقرها الإسلام فأجملها الإمام زين العابدين (ع) في رسالته الحقوق التي سبق بها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة بقوله: "وأمّا حقّ ولدكَ، فتعلم أنّه منكَ، ومُضاف إليكَ في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، وأنّكَ مسؤول عمّا وليته من حُسن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة على طاعته فيكَ وفي نفسه، فمُثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربّه فيما بينه وبينه بحُسن القيام عليه، والأخذ له منه، ولا قوة إلّا بالله".
هم أنفسنا وثمار قلوبنا ومهجها، وهم عيوننا التي نرى الدنيا بها، بل هم أرواحنا التي نحيا بها وكفى. قال الشاعر حطان بن المعلى:
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامتنعت عيني عن الغمض
جديد الموقع
- 2024-12-26 نحو معارض للكتاب الخيري
- 2024-12-26 معادلة الانتصار الإلهي والقيم العليا
- 2024-12-26 أحياة هي أم ظروف حياتية؟
- 2024-12-26 د.نانسي أحمد أخصائية الجلدية :العلاج البيولوجي أحدث وأهم الخيارات في معالجة الصدفية
- 2024-12-26 "ريف السعودية" ونادي الشباب يوقعان مذكرة تفاهم لتعزيز المسؤولية المجتمعية
- 2024-12-26 تجهيز عربة عيادة أسنان في الأحساء
- 2024-12-26 4 مليارات لفرص المسؤولية الاجتماعية خلال 21 شهرًا
- 2024-12-26 نقوش ميدان عام تؤصل لقرية أثرية بالأحساء
- 2024-12-26 ما الكون إلا زمان .. إلاك
- 2024-12-25 قراءة في حياة الشاعر علي الحمراني