2020/08/13 | 0 | 3611
نزع السلاح هو استقرار للبنان والمنطقة
حاولت أن لا أنجر في الحديث عن حادثة تفجير المرفأ في بيروت , فالصمت أولى أمام هول المأساة , ورعب المنظر الذي خلفه الانفجار, الصمت هو كلام أيضا لكنه يذهب إلى الداخل كي يعبر براري المشاعر, ويصرخ في رقادها الذي طال , الصمت حالة اختبار دائمة , يلمع كالمبرد في أيدينا , ويزداد لمعانا كلما فجعتنا الحياة بمصائب لا يتصورها العقل .الكلمات تقلص المساحة الذهنية للمشاعر وهي عالقة بمأساتها , تعطيها الحرية فقط للحظات .
لكنها لا تتحمل تدفق الأحاسيس , ولا تستطيع الإمساك بتموجات سرعتها, الكلمات مجرد رجل صائد المشاعر الأكثر انفلاتا من قيود الصمت واحترام تعاليمه , بينما الفائض من هذه المشاعر يتحول إلى عاطفة لا تقول الشيء بل تعبر عنه . وكأن الطريقة في التعبير هي الهدف والغاية.
أحيانا الصمت يتيح لك الفرصة أن تطرح الأسئلة على نفسك وتعيد التفكير فيها مرة بعد أخرى, لا سيما إذا كانت تتصل بالمدن المهمة مثل بيروت, فالسؤال الذي يلح : كيف تحولت من اتجاه إلى اتجاه آخر معاكس له تماما ؟!
اتجاه عاشه لبنان منذ مطالع عصر النهضة إلى حدود منتصف القرن العشرين , اتسمت الحياة فيها بالحراك الثقافي والإعلامي والسياسي والسياحي , وأصبحت كل الأيدي تشير إلى أنها بلد سوف تكون مركزا لمشروع نهضوي تنويري عربي بجانب أخواتها مصر والشام والعراق, رغم ما يعتري نظامه السياسي من خلل يرتكز بالأساس على التقسيم الطائفي للسلطة.
هذا ما كان سائدا في الأدبيات الفكرية والأدبية الطليعية عند الشرق والغرب على السواء, اعتمادا على ما أنتجته من مفكرين متنورين ورجال أدب وسياسيين وعلماء وإعلاميين كبار, جميعهم حاولوا أن يفتحوا طريقا لوصل الحياة العربية بالحضارة المعاصرة , وأن يطرحوا خلفهم كل ما يشدهم إلى الوراء , إلى ماض انتهى زمنه , وما عاد يصلح استخدامه للعيش في المستقبل .
أين اختفى هذا المشروع ؟ أين ذهبت ملامحه ؟
لم يكن أحد يتصور حتى عند أكثر المتشائمين أن تتحول لبنان إلى وجه آخر , لا يليق بألقها المشع على جهات الحرية والديمقراطية التي كانت موعودة بها منذ وقت قريب , إلى وجه لا ترى فيه سوى القتل والدمار والتفجير والتعصب الطائفي والفساد والزبائنية السياسية , إلى وجه لا تنتمي ملامحه سوى للماضي المريض الذي يثير الأحقاد والنعرات بالقدر الذي يبتعد فيه عن الانفتاح والسلام العالمي .
منذ أن تغلغل حزب الله ومن ورائه إيران في مفاصل الدولة اللبنانية , وأصبح حسن نصرالله الحاكم المطلق باسم الولي الفقيه , حتى انتهت دولة البناء التي قامت على مشروع تعميري أسسه رفيق الحريري, وجاءت دولة المقاومة التي تريد أن تتحكم بالحياة السياسية والاجتماعية والثقافية وفق إيديولوجيتها العبثية في مفهومها للمقاومة, وتبعات هذا التحكم خلق له أتباع متنوعين في ولائهم له , سواء من داخل الطائفة الشيعية , أو خارجها , هناك منهم من هو ملتزم بعقيدته في المقاومة .
لكنه في الغالب ليس على خطها في الالتزام الديني الطائفي , بل هو أقرب إلى الرجل العلماني منه للديني , وهذا دليل على أن الحياة التي عاشها الفرد قبل وجود حزب الله لا بد أن لها دور مؤثر في حياته اللاحقة .
بينما الذين هم خارجها , أكثر ما تجمعهم المصلحة المرتبطة بالحزب, سواء كانوا أفرادا أو أحزاب .
تفجير مرفأ بيروت لن يكن الأخير , ما دام السلاح بيد حزب الله , وما دامت إيران تعبث بالمنطقة كما تريد , وما دامت لا تريد حربا مع إسرائيل , وما دامت هذه الأخيرة لا تريد حربا أيضا , ضمن لعبة يديرها الغرب السياسي , ضحيتها الأولى والأخيرة الشعوب العربية .
محمد الحرز
جديد الموقع
- 2024-05-08 جامعة الملك فيصل تشارك في مؤتمر ومعرض الشرق الأوسط لهندسة العمليات 2024 بالظهران إكسبو
- 2024-05-07 فاطمة السحاري : لا يسعفني قلمي ولا وجعي .. فالمسافر راح .. فرحمة الله تحتويك يا "البدر"
- 2024-05-07 الخريف يرعى تكريم اللجنة المنظمة للنسخة الثالثة لـ حرفيون
- 2024-05-07 ضمن برنامج الاحتفاء بأسبوع الأصم العربي ٤٩
- 2024-05-07 أهمية الكتب الورقية: لماذا الكتاب الورقي الذي يحمله الطفل بيديه أفضل من الكتاب الذي يقرأه على الشاشة؟
- 2024-05-07 الدور الخفي لدرب التبانة في الميثولوجيا المصرية القديمة
- 2024-05-07 القراءة ونشوة المعرفة
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-07 أنامل على الأعتاب في مدح السادة الأطياب اصدار جديد
- 2024-05-06 ابن المقرب في بيت الشعر بالقيروان