2012/09/28 | 0 | 6625
كيف نواجه الإساءة للرسول الأكرم (ص)؟
ومن أولئك الذين كانوا يضايقونه ويسيئون إليه بأقوالهم وتصرفاتهم عمه أبو لهب، ولك أن تعرف مقدار الإساءة التي تعرض لها (ص) إذا عرفت أن الناس -في العادة- تأخذ بكلام القريب من الشخص وتتأثر بمواقفه منه؛ أكثر من أخذها وتأثرها بكلام ومواقف الآخرين البعيدين عنه، لظنهم بأنه أكثر اطلاعاً على واقعه وحقيقته.
عموماً، لكي نجيب على السؤال الذي طرحناه في العنوان – وهو (كيف نواجه الإساءة للرسول الأكرم (ص)؟!)-، فإننا نحتاج أن نجيب على هذا السؤال: كيف واجه الرسول الأكرم (ص) الإساءة الموجهة له؟! لأن ما فعله الرسول (ص) هو ما يجب أن نفعله، فهو ينبغي أن يكون قدوة لنا في كل شيء، في العقيدة والشريعة والأخلاق وفي الأساليب المتبعة أيضاً، فيجب أن يكون أسلوب الرسول (ص) هو أسلوبنا، وسلوكه وآدابه هو سلوكنا وآدابنا، كما أن عقيدته هي عقيدتنا، وشريعته هي شريعتنا، وأخلاقه هي أخلاقنا، فهذا هو المفترض.
لذلك ينبغي أن نواجه الإساءة التي يتعرض لها بالمنهجية التي يقبلها الرسول(ص)، وبما لا تتعارض من منهجه ومبادئه، لأن فكره وأساليبه ينبغي أن يكون أيضاً هو فكرنا وأسلوبنا.
وإنني إذ أطرح مثل هذه الأسئلة؛ لا أريد أجوبة شكلية جوفاء خاوية تنفع كشعارات أو كخطابات حماسية تلهب الحماسة في نفوس الجماهير، بل أريد إجابات ومعالجات حقيقية وواقعية تكون ضمن برامج ومشاريع وخطط عمل واضحة ومحددة، ولكننا وياللأسف لم نعتاد على الجدية في معالجتنا لقضايانا ومشاكلنا، وكلما تعرضنا لبعض منها –كهذه القضية- نرى ردود أفعالنا تقتصر على الشعارات والأساليب الخطابية، التي تبدأ بقوة وتتلاشى شيئاً فشيئاً إلى أن تنتهي، فكلما ابتعد الزمن عن مسافة الحدث، كلما تلاشت هذه الردود وقلت فاعليتها أكثر إلى أن ينتهي دورها وتأثيرها نهائياً، وهذا الأمر هو ما يحدث معنا في كل مرة، فذاكرتنا ضعيفة جداً، ولم تعد قادرة على تخزين وحفظ ما يصلها لفترات طويلة !.
مهما يكن الأمر، فإن من يراجع ردود الأفعال التي تحدث بعد كل إساءة للرسول الأكرم (ص) يجدها كالتالي:
· الدعوة للمظاهرات والمسيرات المنددة: ففي كل مرة يساء فيها للرسول (ص) يتم الدعوة للتظاهرات والمسيرات المنددة بهذه الأعمال المشينة والمسيئة لمقامه (ص)، ولقد شهدنا ذلك في هذه المرة بشكل واسع، فلقد خرجت الكثير من المظاهرات والمسيرات الغاضبة والمنددة في أكثر من مكان في العالم الإسلامي. ولكن ماذا بعد ذلك؟!. هل سيهدأ الشارع الإسلامي وينسى بعد فترة زمنية ما حدث وكأن شيئاً لم يكن، كما هو الحال في كل مرة؟! أم ماذا؟!. وأنا هنا لا أهدف للدعوة لاستمرار المظاهرات والاحتجاجات إلى مالا نهاية، ولا أحرض كذلك على العنف (كما حصل في بعض البلدان من القتل والاعتداء)، ولكن أطالب بالتفكير الجاد ومحاولة تحديد المشكلة لاتخاذ الموقف المناسب حيالها.
· كل طرف يحمل المسؤولية للطرف الآخر: وذلك بأن يحمل كل أتباع مذهب أتباع المذهب الآخر مسؤولية ما حدث، ونرى ذلك جلياً في مجتمعاتنا، إذ أن الكثير من رجال الدين بدلاً من استغلال هذا الحدث لتوحيد المسلمين صفاً واحداً لمواجهة هذه الإساءة التي آلمتهم جميعاً، قد أخذوا يستغلونها لإحداث المزيد من الفرقة والشتات بين المسلمين، وذلك بالتحريض على الآخرين بكونهم هم المتسببون لوقوع هذه الإساءة، وهذه مصيبة كبرى. ومع احترامي وتقديري لوجهة النظر القائلة بأنه لابد من تنقية التراث مما فيه من إساءات للرسول (ص)، ولكن أختلف مع هؤلاء في الطريقة التي يستخدمونها وفي التوقيت، فمن المفترض أن كل مذهب أو مدرسة فكرية -وبقناعة داخلية- هي من تمارس النقد الداخلي وتحاول تصفية مثل هذه الأمور الموجودة في تراثها، لا أن يأتي من هو من خارجها ويستغل هذا الامر للطعن بها، فهذا ليس هو الوقت المناسب لحروب من هذا النوع.
· الدعوة للقطيعة السياسية: وذلك بأن تقطع العلاقات مع الدول التي تساهم أو تسمح في الإساءة للرسول الأكرم (ص)؛ بسحب السفراء وغيرها. وهذا باعتقادي لا يحل المشكلة، (لماذا؟) أولاً: هل من الممكن قطع العلاقات السياسية فعلاً؟! والسؤال الثاني: هل ستتوقف الإساءات للرسول الأكرم (ص) بذلك في حال حصوله؟! أم ماذا سيحدث؟! أترك الجواب للقارئ الكريم.
· الدعوة للمقاطعة الاقتصادية: وبعضهم كما في كل مرة أيضاً دعا للمقاطعة الاقتصادية، وبغض النظر عن تأييدنا لذلك أم لا، فإنني أعتقد بأننا حتى لو نجحنا في تنفيذ ذلك -وإن كنت أشك- فإننا لن نصل إلى هدفنا المنشود، وهو منع الإساءة للرسول الأكرم (ص)؟! لأن المقاطعة لا تحل المشكلة.
ومن يدقق في ردود أفعالنا بعين واعية يرانا مسكونين بفكر القطيعة والمقاطعة، فأمام كل أزمة نمر بها نسمع بهذه المفردة "القطيعة-المقاطعة"، فنسمع المطالبة بالقطيعة السياسية، وبالقطيعة الاقتصادية، وأحياناً بالقطيعة الفكرية والثقافية –حتى نحافظ على أنفسنا وهويتنا ولا نتأثر كما يقول البعض-، وهذا الأمر برأيي لا يخدمنا ولا يخدم قضايانا وأهدافنا، فنحن لكي نعالج هذه الإشكالات نحتاج للمزيد من التواصل والتفاهم والتفاعل مع الآخر، بدلاً من القطيعة معه، وذلك لكي نستطيع أن نوصل فكرنا ورسالتنا له كما نريدها نحن.
وبظني أن القطيعة –السياسية، الإقتصادية، الفكرية، الثقافية) سوف تفاقم المسألة وتزيدها سوءاً، فنحن لكي نحجم ونحد من هذه الظاهرة نحتاج للمزيد من التواصل السياسي والاقتصادي، ولمزيد من الانفتاح الفكري والثقافي، وذلك لتوصيل أفكارنا وآراؤنا للآخرين ونقنعهم بها. والإقناع مسألة ليست بالبسيطة، فينبغي أن نبحث عن الوسيلة التي نستطيع بها أن نقنع الآخرين، وهذا بالتأكيد لا يتم بالمقاطعة أو بالقطيعة، لأن القطيعة معناها إعلان العداء، والعداوة تزيد الأمر سوءاً، ونحن لا نريد ذلك، بل نريد أن نحول حتى الأعداء المخاصمين لنا إلى أصدقاء ومحبين، كما فعل الرسول الأكرم (ص) في سيرته مع من أساء إليه، فقد حول الكثير من معارضيه وأعدائه إلى محبين له ولدعوته، لأنه لم يمارس القطيعة معهم، بل على العكس تماماً، وقصته المشهورة مع جاره اليهودي خير دليل على ذلك.
كما ينبغي أن ندرك ونرفض سياسة العقاب الجماعي أو (العداء الجماعي)، فليس كل الغرب ضد الرسول (ص)، وليس كل المسيحيين ضد الرسول (ص)، وهناك الكثير منهم له من المواقف الإيجابية تجاه الرسول (ص) وإن كان لم يؤمن بالإسلام، ولكنه آمن به كشخص له دوره الفعال في خدمة الإنسانية والقضايا العادلة، ومن هؤلاء الشاعر جورج صيدح، الذي يقول في قصيدته مادحاً ومخاطباً الرسول الأكرم (ص):
إذاً ليس كل المسيحيين ضد الرسول الأكرم (ص)، وينبغي أن نعرف بأن الكثير ممن يتخذون موقفاً سلبياً منه لم يعرفوه جيداً، ولم تصل رسالته إليهم بالشكل الصحيح، لذا لا بد أن نعقد العزم على أن نتواصل ونتفاعل معهم أكثر؛ لكي نحاول إيصالها لهم بأفضل الوسائل والطرق الممكنة.
ختاماً أقول: لا بد أن نستفيد من تجربة الرسول الأكرم (ص) ونتبعه في طريقته وأسلوبه مع من أساء إليه، كما نستفيد منه ونتبعه في عقيدته وشريعته وأخلاقه، وعلينا كذلك أن نستفيد منه في كيفية تحويل الأعداء إلى محبين ولا نغفل عن ذلك أبداً، وعلينا أن تكون لنا مبادرات وأفعال حقيقة فاعلة لإيصال رسالة الرسول الأكرم (ص) للبشرية، وأن لا نقتصر فقط على ردود الأفعال، (أي نكون فاعلين ولا نكون مفعول بهم -إن صح التعبير)، وعندما أقول مبادرات حقيقة لإيصال رسالته للبشرية، فإنني لا أعني بهذا الكلام الدعوة المباشرة للإسلام، فهذا ربما لا ينفع مع جميع الفئات، ولكن مقصودي هو أن نركز على المبادئ والقيم التي أتى بها الرسول (ص) كمنهج للحياة ونروج لها بكل طاقاتنا وإمكاناتنا، وحتى نصل إلى هذا الهدف لا بد أن نعمل بجدية ونضع خطط عمل واضحة ومدروسة، ونتخلى عن الشعارات والأساليب الخطابية، لأنها لا تمنحنا أي تقدم في هذه المسألة.
جديد الموقع
- 2024-12-19 (قصة عجائبية من المخيال الاجتماعي الشعبي) (حلال المشاكل...القصة التي حفظتها أمهاتنا عن ظهر قلب)
- 2024-12-19 جمعية ابن المقرب تحتفي باللغة العربية في يومها
- 2024-12-19 سلطة النوع الأدبي وقراءة النص
- 2024-12-18 لماذا يتفوق الطلاب على الطالبات في مادة الرياضيات؟: وكيف يمكن تضييق الفجوة بينهم في هذه المادة
- 2024-12-18 الغذاء السيء لكل من الأم والأب قد يؤثّر سلبًا ويسبب ارتفاع الضغط وأمراض الكلى المزمنة في نسلهما إلى الجيل الرابع
- 2024-12-18 ورشة المرأة في اللوجستيات _ بمؤمر سلاسل الإمداد و الخدمات اللوجستية بالرياض
- 2024-12-18 جامعة الملك فيصل بالاحساء تحقق المركز الثالث في قياس التحول الرقمي لعام 2024 على مستوى قطاع التعليم والتدريب
- 2024-12-18 سمو محافظ الأحساء يدشن "برامج أكاديمية ريف السعودية"
- 2024-12-18 الأحساء.. وجهة سياحية تنبض بالتاريخ والطبيعة الخلّابة
- 2024-12-18 اللغة العربية في التعريب